الواحات المغربية .. بين مطرقة المناخ وسندان الإهمال

تطرح اليوم مجموعة من الإشكاليات المرتبطة باستدامة الواحات، من حيث مجالها الجغرافي وتاريخها وتنوع تراثها الثقافي والبيئي والفلاحي، الأمر الذي دفع بالعديد من المهتمين بالشأن الواحي إلى التفكير في سبل إدماج هذا التراث الواحي في التنمية للحفاظ على استمراريته.
وفي هذا الصدد، تنظم مجموعة من الملتقيات بمدينة زاكورة، ورزازات والرشيدية.. تعمل على التعريف بأهمية الواحات وإيكولوجيتها البيئية والثقافية باعتبارها تراثا إنسانيا ثمينا، يستحق الحماية والتثمين، ويستدعي مزيدا من التفكير في مستقبل الأنظمة الواحية.
ويدعو العديد من المتدخلين المهتمين بالشأن الفلاحي والبيئي إلى ضرورة إعطاء الأولوية وبشكل مستعجل إلى موضوع الواحات، من أجل إعادة تكوين هذا الغطاء النباتي الذي يعد جسرا بيومناخيا قاريا يربط بين النطاق الاستوائي والمتوسطي.
وتمتد هذه الواحات بالمغرب والتي تشغل 15 في المائة من مساحته على شكل جدار طولي يقابل الصحراء، حيث تقاوم بكيفية مستميتة ودائمة زحف الرمال، بيد أنه في السنوات الأخيرة بدأت تتراجع في لعب هذا الدور.
والتنقل إلى عين المكان كفيل للتأكد من هذا المعطى الذي أصبح مقلقا للسلطات المحلية، وكذا جمعيات المجتمع المدني والساكنة والوزارات المعنية والمهتمة بالأمر.
من هنا، فإن الواحات التي كانت تشكل درعا للتصحر، بدأت تتصحر هي الأخرى، وتعاني من زحف الرمال، والحرائق، وتفكك البنيات الاجتماعية، وتسريع وتيرة الهجرة الوطنية والدولية.. الأمر الذي أثر سلبا، بحسب مجموعة من الباحثين، على استدامة المنظومات البيئية والسوسيو اقتصادية بالواحات .

الأزمة..

ارتبطت التمور في ذاكرة الجميع بالواحات المتواجدة بالمجالات الصحراوية في بلدان العالم. وفي المغرب تحيلنا الواحات على المناطق الجنوبية، غير أن هذا النظام الإيكولوجي الذي تطلب من ساكنة هذه المناطق العديد من السنين لجعله فضاء بيئيا وفلاحيا قائما، أصبح اليوم مهددا بالتراجع وعدم الاستمرار.
أصابع الاتهام تشير إلى عاملين اثنين ساهما في تدهور هذا المجال الفلاحي الذي يعد متنفسا بيئيا كذلك في المناطق الصحراوية، أولا؛ التغيرات المناخية، وثانيا؛ إهمال الإنسان لهذه الواحات التي أدمجتها منظمة اليونيسكو في الشبكة العالمية للمحميات الحيوية منذ سنة 1987.
والزائر لإحدى المدن المغربية بالأقاليم الجنوبية، سيقف على استمرار تمرد الطبيعة بعنف على هذه الواحات، وكذا إهمال البشر لها، نتيجة عدة متغيرات طارئة، منها ما هو اجتماعي، بالإضافة إلى العامل الاقتصادي الذي غير أسلوب التعامل والتعاطي مع هذا التراث الحضاري بجنوب المغرب.
وبشكل يومي تقاوم أشجار النخيل التغيرات المناخية، من قبيل؛ التصحر الذي يرتبط بالتعرية الريحية، وزحف الرمال، وندرة المياه وملوحتها إلى جانب تدهور التربة، هذا مع ذكر، الأمراض التي تقضي على النشاط الطبيعي للنخيل، لاسيما مرض البيوض الذي يهدد بقاء الآلاف من أشجار الواحات.
واجتازت الواحات الصيف الأخير اختبارا صعبا، امتحنت فيه النار صمود الواحات حيث قاومت ألسنة اللهب التي استمرت لساعات طويلة وهي تتلذذ بأشجار النخيل، إذ نجحت في تدمير المئات منها على مساحات كبيرة.
وفي زيارة قامت بها جريدة بيان اليوم إلى مدينة زاكورة ونواحيها، وقفت على المشهد التراجيدي الذي أصبحت تعيش عليه الواحات، وكذا كواليس الأحاديث في المقاهي بين الساكنة التي بدأت تفقد الأمل في إعادة إحياء واحات كانت تؤمن تكاليف ومصاريف حياة العديد من الأسر.
وأكد العديد من الأشخاص الذين تحدثت معهم الجريدة، بأن قرى ونواحي مدينة زاكورة أصبحت مهجورة بسبب نزيف هجرة العائلات إلى وسط مدينة زاكورة، أو إلى مدن داخلية أخرى، هذا في الوقت الذي اختار فيه آخرون العبور إلى الضفة الأخرى بحرا أو جوا (أوروبا).
وعلى امتداد الطريق الوطنية الرابطة بين مدينة زاكورة وامحاميد الغزلان، سيتأكد للمسافر عبر هذا المحور الطرقي بأن ما تبقى من نخيل بالواحات هو معجزة وتشبث بالحياة والبقاء، بالرغم من الوديان التي جفت من المياه، وكذا الرياح القوية التي لا تبقي ولا تدر.
وفي هذا الصدد، عبر عبد الهادي (56 سنة) سائق السيارة التي كانت تقل بيان اليوم إلى منطقة امحاميد الغزلان عن أسفه الشديد للسيناريو الذي آلت إليه الواحات بمدينة زاكورة ونواحيها، مرجعا السبب الأول إلى التغيرات المناخية التي ساهمت في تراجع المساحات المزروعة بالنخيل.
ولا زال يتذكر عبد الهادي العديد من الواحات التي كانت توجد بها أشجار النخيل بشكل كثيف، إذ كانت تساهم في خلق فرص شغل لأبناء الأسر الصحراوية، قبل أن تتغير المعطيات بفعل الانقلاب المناخي الذي بدأت تظهر معالمه السلبية مع توالي السنوات.
وذكر المتحدث، بأن العائلات منذ إحساسها بالتهديد البيئي الذي سيضر بمصالحها الاقتصادية بدأت تفكر في الهجرة بحثا عن مصدر قوتها اليومي الذي كانت تؤمنه فيما مضى من واحاتها، مشيرا إلى أن العديد من الشباب حزموا حقائبهم وولوا وجههم نحو الدار البيضاء، مراكش والرباط..
وبحسب مرافقنا، لم يتبق في المنازل الموجودة بالدواوير المجاورة لزاكورة، إلا بعض الرجال الشيوخ ومتوسطي العمر الذين يتناوبون هم وإخوتهم الأدوار في تدبير الحياة اليومية والسهر على سلامة الأطفال الصغار والزوجات والبنات المتبقيات في هذه الأماكن، في الوقت الذي يشتغل فيه آخرون بالمدن الداخلية لتأمين عيش أسرهم (الشباب..).
وإذا كانت بعض الأسر قد ألزمها الوضع الاجتماعي المتردي على البقاء في مكانها، ودفع رجالها إلى مغادرة مسقط الرأس بحثا عن “دريهمات” لتأمين الحاجيات المعيشية، فإن “أسرا أخرى اختارت الهجرة جماعة لمدينة زاكورة أو غيرها، لبدء مسار مهني جديد في الأعمال الحرة تعويضا لنكبة الواحة التي أصبحت عالة عوض أن تكون حلا للاستقرار”، يستطرد موضحا عبد الهادي.

وضع حرج

وقادتنا الصدفة في الطريق إلى لقاء سيارة كبيرة محملة ببراميل كبيرة، اكتشفنا فيما بعد بأنها خاصة بالمياه الصالحة للشرب، حيث ينقل مجموعة من الشباب هذه المياه من مناطق بعيدة إلى الدواوير التي تعاني من ندرة الماء “المحلى”، على اعتبار الماء “المالح” لا يصلح لأي شيء، كما أوضح سائق السيارة.
وزاد المتحدث بأنهم يبيعون قنينة من حجم 30 لترا بـ 5 دراهم لفائدة الأسر التي تستعمله في الطبخ والاستحمام.. واصفا الوضعية بجهة امحاميد الغزلان بـ”الحرجة والصعبة”، إذ تعاني العائلات وفقه من مشكل الماء الذي انعكس سلبا على الأنشطة الفلاحية لاسيما الواحات بهذه الأماكن.
ويشكل زحف الرمال أحد أكبر التحديات التي تواجه الواحات، متحديا تعب الإنسان في التصدي لاندفاعه الأهوج الذي يأتي على جميع أشجار النخيل. كما أنه يقطع الطريق المعبدة التي تربط بين الدواوير والقرى حيث تستقر آخر الأسر التي لم تنجرف مع تيار الهجرة إما لأسباب ذاتية أو موضوعية.
وعلى الرغم من الحواجز التقليدية التي أحدثتها ساكنة المنطقة بشكل فردي أو جماعي بمساهمة الجماعات والسلطات المحلية، إلا أن زحف الرمال لا يتوقف ودائم البحث عن طرق ومنافذ أخرى للهيمنة على المنطقة وإغراق ساكنتها في وحل من الرمال.
وأصبحت هذه الأطنان من الرمال الشرسة بهجومها، تقض مضجع العائلات وتهدد وجودهم واستمرار عيشهم في هذه المناطق، التي كانت إلى وقت مضى محمية من طرف جيش متراص من أشجار نخيل الواحات الذي أصبح يجتث من مكانه بفعل التدهور البيئي المباغت، وكذا إهمال الإنسان له.
غير أن الساكنة وأهل المنطقة يرفضون توجيه انتقادات لاذعة لهم وتحميلهم مسؤولية ما آلت إليه أوضاع هذه الواحات، إذ يتأسف زكرياء (29 سنة) ابن امحاميد الغزلان لموجة لوم تعبر عنه ساكنة المنطقة للأوضاع المتردية للواحات.
وأضاف زكرياء بتحسر شديد، أثناء حديثه مع بيان اليوم، أن “تدهور المجال البيئي سيقضي لا محالة على النخيل والإنسان معا، هذا الأخير الذي أصبح يجد صعوبة في العيش بالأقاليم الجنوبية، حيث انعدام الحياة نتيجة غياب أنشطة اقتصادية موازية لنشاط الواحات”.
واستطرد الشاب الذي كان يشتغل بمدينة الدار البيضاء، أن جميع الشباب يهاجرون إلى مدن أخرى بعد فشلهم في إيجاد عمل بمدينة زاكورة والنواحي، مشيرا إلى أن الواحات لم تعد نشيطة كما كانت في السابق، خصوصا وأن المياه أصبحت ملحة بل منعدمة في بعض المناطق.
وأشار المتحدث إلى أنه بالرغم من المجهودات المبذولة للحد من ظاهرة التصحر إلا أن زحف الرمال لا زال مستمرا، ذلك أنه فرض الهجرة على العديد من الأسر بشكل قسري.
وشارك في الدردشة السريعة مع زكرياء، شاب يدعى هشام (28 سنة) وصف الوضع بـ”المتأزم”، لاسيما وأن النشاط السياحي لا يستطيع أن يؤمن الكثير من فرص الشغل لفائدة شباب المنطقة.
وأوضح هشام ابن امحاميد الغزلان أن العديد من الفنادق أغلقت أبوابها نتيجة عزلة المنطقة وكذا ركود النشاط السياحي، حيث عاد الشباب إلى العطالة عن العمل، مشيرا إلى أنه لا يحق له ولباقي إخوته أن يشتغلوا في الواحة لأنها موضوع نزاع بين أفراد العائلة.
وأكد المتحدث في هذا الإطار، أن العديد من العائلات رحلت من امحاميد الغزلان بعد فشلهم في تصفية تركة الواحات، ليضاف هذا السبب إلى باقي العوامل الأخرى، خصوصا وأن عدم الانتظام في العناية بالواحة وإهمالها يساهم في تردي حالتها الصحية، كما أنه يفتح المجال أمام زحف الرمال.
ولم يكتف الشاب بهذا القدر، بل ذهب إلى الإشارة بأنه بعد وفاة جد الأسرة يؤدي تقسيم الواحة بين أفراد العائلة إلى تجزيء شجر النخيل الذي لا يمكن أن يعيل أفراد أسرة صغيرة تتكون من ستة أو سبعة أشخاص.
وأفاد هشام بأن هذا العامل يساهم أيضا في دفع الشباب إلى مغادرة المنطقة، حيث “ترابط النساء وبناتهن في المنزل، إلى جانب الأب الذي يعتني بشجيراته شاغلا بها وقته ليس إلا”، يقول المتحدث.

تحذير أكاديمي

وتعليقا منه على الموضوع، قال شكيب عالم أستاذ التعليم العالي بجامعة مولاي إسماعيل، إن الواحات تمثل منظومة فلاحية وبيئية مهمة لفائدة ساكنة مدن جنوب المغرب التي تتميز بالمناخ الصحراوي شبه الجاف، مشيرا إلى أن الأطلس الكبير يشكل موردا مائيا مهما لهذه الواحات التي تقع في الصحراء الكبرى.
وأضاف شكيب عالم أستاذ البيولوجيا بكلية العلوم والتقنيات بالرشيدية في تصريح صحافي لبيان اليوم، أن هذه الواحات يمتد تاريخها عبر ملايين السنين، كما تمثل رمزا لحضارة وثقافة وتاريخ الإنسان الصحراوي الذي اعتاد على العيش في مناخي طبيعي قاس.
ونوه شكيب عالم الذي كان يشارك بالمناسبة في لقاء علمي بمدينة زاكورة حول الواحات، بالإنسان الذي استطاع على مر العصور التعامل بشكل جيد مع هذه المنظومة، من خلال صرامته في التدبير العقلاني للموارد المائية بالمنطقة، وعيا منه بخطر الجفاف الذي يتهدده وكان يتربص به لسنوات طويلة، لاسيما وأن الماء يعد موردا مهما لنجاح أي نشاط فلاحي.
وأشار عالم إلى أن إقليم فكيك، درعة، تافيلالت وتودغا.. غنية بالمواقع الأركيولوجية التي لا زالت محافظة على صورة النظام المتطور في تدبير وتطوير وصيانة المجاري المائية، التي ساهمت في ازدهار مجموعة من القصور بسجلماسة.
وأبرز الأستاذ الجامعي في حديثه مع الجريدة الدور التاريخي للواحات التي ساهمت في الربط بين شمال إفريقيا وباقي دول القارة السمراء الأخرى، حيث كانت تعد نقطة عبور للقوافل التي تنطلق من أوروبا عبر بوابة الأندلس. مشيرا إلى أنها كانت تنقل الذهب والعاج وباقي الموارد الطبيعية الأخرى.. بمعنى أن الواحات ساهمت في الربط الاقتصادي بين القارتين الإفريقية والأوروبية.
وأوضح الباحث في شعبة البيولوجيا بجامعة مولاي إسماعيل أن المسؤولين على جهة درعة تافيلالت، عملوا على سن سياسة خاصة للحفاظ على هذا الموروث الثقافي والحضاري والبيئي والفلاحي، لاسيما وأن التغير المناخي أصبح عدوا يهدد بشكل كبير استمرار هذا النظام الإيكولوجي الهش بالأقاليم الجنوبية.
وللحفاظ عليه، دعا شكيب عالم إلى ضرورة إدارة الماء بشكل جيد، معتبرا الموارد المائية جد مهمة للحفاظ على هذا الموروث التاريخي، مشددا في الشأن ذاته، على استغلال الماء بشكل حذر في الأنشطة الفلاحية والمنزلية وكذا السياحية.
ونبه عالم إلى خطورة التلاعب بالأمن المائي لساكنة الجنوب على اعتبار الماء نقطة ضعف مستقبل جهة درعة تافيلالت، مبرزا أن الموارد المائية السطحية والباطنية جد محدودة ولن تكون كافية في المستقبل إذا ما تم استنزافها بشكل مفرط ومبالغ فيه.
وأرجع الباحث المهتم بشؤون الواحات ضعف نسبة المياه بالأقاليم الجنوبية إلى التغيرات المناخية أيضا، حيث هيمنة التصحر والجفاف وضعف التساقطات المطرية بالجهة، مطالبا بالعمل على إيجاد حلول بديلة في التعامل مع الماء بالواحات، استنادا إلى اعتماد فلاحة عصرية تتعامل مع الماء بطريقة اقتصادية؛ كالري بالتنقيط مثلا..

عوامل طبيعية وإنسانية تهدد الرئة الإيكولوجية والفلاحية لساكنة جنوب المملكة وبالموازاة مع النشاط الفلاحي الذي يعتبر المورد الاقتصادي للعديد من الأسر بأقاليم الجنوب، دعا شكيب عالم إلى استغلال الموارد الطبيعية الأخرى بالمنطقة كإنتاج الطاقة الشمسية، وكذا استغلال هذا النظام الإيكولوجي في الجانب السياحي، علاوة على تنشيط النقط السياحية الأخرى كرمال مرزوكة وجبل تودغا لخلق مناصب شغل جديدة وقارة..
وأكد عالم على ضرورة إحداث وحدات خاصة للتحكم في المياه المتدفقة بالجهة، استنادا إلى ترشيد مساراتها والعمل على استغلالها بشكل عقلاني، خصوصا في القصور القديمة التي لازالت بحسبه تتعامل مع الماء كما في الماضي، وهو ما يصعب من مهمة الحفاظ عليها لأطول مدة.
وحذر المتحدث من عدم التفاعل بشكل إيجابي مع مطالب الباحثين بهذا الخصوص، مؤكدا أنه في حالة عدم تتبع القواعد الصحيحة حول طرق التعامل مع الموارد المائية، ستكون نهاية الواحات مأساوية.
وبخصوص النموذج الأمثل للحفاظ على هذا الموروث الثقافي، أشار أستاذ البيولوجيا بكلية العلوم والتقنيات بالرشيدية إلى أن هذه المنظومة جد معقدة حيث يتداخل فيها الجانب الفلاحي، والحضاري، والاقتصادي، والتاريخي.. وللحفاظ عليها يجب أن يستحضر نموذج التطوير جميع هذه الجوانب.
ومن بين الخطوات العملية التي يجب الاشتغال عليها وفق الأستاذ الباحث، ذكر؛ التنمية الاقتصادية بجهة درعة تافيلالت، والعمل على التعامل بطرق سليمة مع هذا النظام البيئي الهش الذي يواجه صعوبات نتيجة التغيرات المناخية، ثم العمل على التوعية والتحسيس حول الطرق المثلى للتعامل مع هذا النشاط الفلاحي.
ومن بين الخطوات الأخرى، أشار شكيب عالم إلى العمل على نهج سياسة جديدة لتدبير الموارد الطبيعية والمائية في الجهة بمعنى الحفاظ على الماء أطول مدة زمنية ممكنة، ثم محاولة إيجاد حلول خاصة بالمجال الواحي، بحيث لا يجب استيراد تجارب أخرى خاصة بمجالات مغايرة للواحات.
وأخيرا أكد على ضرورة العمل على التخفيف من الضريبة في المجال السياحي وأنشطة المعادن، لتشجيع الاستثمار بالجهة بهدف خلق فرص عمل لفائدة الشباب، بالموازاة مع العمل في الواحات.

دعم دولي

وآخر تحرك مؤسساتي رسمي حول الموضوع كان من طرف كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة التي أعطت الضوء الأخضر لانطلاق المخطط السنوي 2019 لحماية وإعادة تنشيط النظم البيئية الزراعية في الواحات بتدبير مندمج ومستدام للمجالات الطبيعية في جهة درعة تافيلالت (OASIL).
وأتى هذا المشروع الذي عقدت لجنة قيادته برئاسة كاتبة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة نزهة الوافي، اجتماعا بتاريخ 21 دجنبر 2018 بالرباط، في إطار تنفيذ مشروع صندوق البيئة العالمية FEM ومنظمة الأغذية والزراعة FAO الهادف إلى رد الاعتبار للواحات.
وتشير الورقة التقنية للمشروع بأن هذا الأخير مدته خمس سنوات (ابتداء من يوليو 2017)، بحيث استفاد من منحة صندوق البيئة العالمية FEM بمبلغ 64.4 مليون دولار أمريكي.
ويهدف المشروع إلى حماية الواحات وإعادة تنشيط نظم الزراعة البيئية بجهة درعة تافيلالت لتكون منتجة وجذابة وصحية، علاوة على دعم وتعزيز سبل عيش المجتمعات المحلية بالمناطق الجنوبية للمغرب.
ويقود هذا المشروع كل من كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة، ولـANDZOA ، ولـ INRA، ومنظمة الأغذية والزراعة، بدعم من عدد كبير من الجهات الفاعلة الإقليمية والمحلية، وتدار من قبل وحدة إدارة المشاريع (PMU) التي تستضيفها لـ ANDZOA بمدينة الرشيدية.

برنامج وميثاق وطني

ووعيا منها بالخطورة التي أصبحت تتهدد الغابات المغربية بمختلف المناطق المغربية بما فيها الأقاليم الجنوبية المعروفة بواحاتها الشاسعة، أطلقت المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، خلال سنة 2012 برنامجا وطنيا “2012-2016″، من أجل العمل على الحفاظ على هذا الغطاء الأخضر.
وفي الورقة التقنية لبرنامجها أشارت المندوبية إلى أن تظافر عامل الجفاف الذي يهدد أكثر من 90 في المائة من التراب الوطني، وعامل الاستعمال المفرط للموارد، يؤديان إلى هشاشة النظم الغابوية، ونتيجة لذلك، فإن ظاهرة التصحر تهدد بدرجات متفاوتة 95 في المائة من الأراضي المغربية.
ولم تخف المؤسسة الوطنية المهتمة بالشأن الغابوي، احتمال وجود منحى نحو مزيد من الجفاف الذي سيؤثر على قدرة الأصناف الغابوية على التأقلم وعلى زيادة خطر الحرائق وعلى احتمال ظهور عناصر جديدة قد تؤدي إلى تدهور الوضعية الصحية لهذا التراث البيئي.
وكشف المصدر ذاته، بأنه في إطار عملية محاربة التصحر، تم العمل خلال الفترة 2005-2011، على تثبيت ما يفوق من 4 آلاف و300 هكتار من الكثبان الرملية بـ 18 إقليما، مما رفع المساحة الإجمالية للكثبان المثبتة إلى 37 ألف و600 هكتار.
أما بخصوص برنامج العمل لفترة 2012-2016، فقد هم حماية التجمعات السكنية والواحات وقنوات الري والمنشآت الطرقية من زحف الرمال، وذلك بكل من الأقاليم التالية؛ الرشيدية، فكيك، أسا-الزاك، بوجدور، السمارة، الداخلة، كلميم، العيون، طانطان، طاطا، زاكورة، تنغير، شتوكة أيت باها وأكادير.
وتمت أشغال تثبيت الكثبان الرملية بوتيرة 450 هكتار في السنة (بمجموع 2.250 هكتار)، وذلك بغلاف مالي ناهز 150 مليون درهم، أي 30 مليون درهم في السنة، ومكن إنجاز البرنامج المعتمد من حماية 1200 هكتار من واحات النخيل و100 كيلومتر من الطرق و18 كيلومتر من قنوات الري.
من جانبها كانت الحكومة المغربية قد صادقت بتاريخ 6 مارس 2014 على القانون الإطار رقم 99.12 الذي أصبح بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، والذي جاء ليحدد الأهداف الأساسية لنشاط الدولة في مجال حماية البيئة والتنمية المستدامة.
وخصص هذا القانون في المادة 7، فقرة خاصة للواحات والسهوب، دعا فيها إلى تدعيم الوسائل المخصصة لمحاربة التصحر والمحافظة على التنوع البيولوجي، فضلا عن صون جمالية التراث العمراني والثقافي والاجتماعي للمدن والمجالات الحضرية والقروية والحفاظ على المساحات الخضراء.
ويهدف هذا الميثاق أيضا الذي يعد الأول من نوعه بالمغرب على مستوى البيئة والتنمية المستدامة، إلى تعزيز حماية الموارد والأوساط الطبيعية والتنوع البيولوجي والموروث الثقافي والمحافظة عليها والوقاية من التلوثات وعوامل الأذى ومكافحتها.
وأخيرا، فإن كل الواحات في خطر، وإذا ما استمر الوضع في نفس المنحى الحالي، فإنها ستؤول لا محالة إلى الزوال والاندثار، لذلك يعتبر إنقاذ وتنمية الواحات مسألة استعجالية، يجب أن تحظى بالأولوية.
كما أنه لم يعد بالإمكان التستر وراء مبرر التغيرات المناخية لتفسير أزمة الواحات، فالأزمة بحسب مجموعة من الخبراء هي نتاج لتفاعل عدة عوامل، لعل أهمها يرتبط بالعنصر البشري، أي أن إعادة تأهيل الواحات يتطلب عملا شموليا، يأخذ بعين الاعتبار مجموع المشاكل المطروحة.
ويمكن إجمال الحلول المقترحة للحفاظ على هذا التراث الإنساني والبيئي في العمل على تدبير ندرة المياه، الحد من الضغط الديمغرافي (تثمين الموارد البشرية)، تحسين نمط العيش عبر تأهيل المراكز القروية المندمجة، تنويع الاقتصاد وإنعاش الشغل علاوة على تأهيل السكن والإرث المعماري.

***

النيران تلتهم 80 ألف نخلة صيف السنة الماضية

خلال شهر يوليوز من سنة 2018، أتى حريق مهول على جماعة تمنارت التي استفاقت ساكنتها بدواري « تارمزيغ» و»آجرد» على ألسنة اللهب التي التهمت حوالي 80 ألف نخلة، استنادا إلى تقديرات الائتلاف المغربي للعدالة المناخية.
ومن بين الواحات التي دمر الحريق أشجار نخيلها وغطائها النباتي والزراعي بالمنطقة التابعة لإقليم طاطا، نجد واحة «أقا»، «تاغجيجت» و»فم الحصن».
وسجل الائتلاف بأن الحرائق أصبحت بشكل سنوي وموسمي، متسائلا عن أصل المشكل، والحلول البديلة للقضاء على هذا البعبع الذي بدأ يهدد هو الآخر استمرار أشجار النخيل.
ومباشرة بعد إخماد هذا الحريق الذي استمر لساعات طويلة، باشرت مصالح وزارة الفلاحة إجراءات تنظيف المكان، والإعلان عن غرس أشجار النخيل بـ 80 هكتار المتأثر بالنيران، إلى جانب الإعلان عن إحداث دائرة جديدة للبرنامج مساحتها 1500 هكتار.
وتفاعل الرأي العام المغربي مع هذا الحريق بتأسف شديد، حيث دقت النقابة الوطنية للتجار والمهنيين ناقوس الخطر، داعية إلى تظافر الجهود من طرف جميع المتدخلين والفاعلين للحفاظ على هذه الواحات التي تشكل المورد الوحيد لعيش السكان القاطنين بالأقاليم الجنوبية.
ودعت النقابة الوطنية وزارة الفلاحة إلى ضرورة تعويض المتضررين من الحادث، كما طالبت في بيان تضامني مع أبناء الواحة بتوفير ملحقة للوقاية المدنية بالجماعة لضمان التدخل العاجل والفوري في مثل هذه الحالات.
وأشارت الهيئة النقابية إلى العمل على ضرورة إحداث حراس معتمدين للواحات بالجنوب من طرف المجالس الجماعية، وذلك بالتنسيق والتعاون مع المجالس الإقليمية والجهوية والسلطات الأمنية.

> إنجاز: يوسف الخيدر

Related posts

Top