،نحتفل هذا الأسبوع “باليوم العربي للبيئة”، احتفالية تحتضن أنشطتها الرسمية القدس عاصمة فلسطين، وهي مناسبة سنوية للتعريف بما يتهدد الدول العربية من مخاطر مناخية تستهدف منظوماتها البيئية. لكن للأسف تمر هذه المناسبة كل سنة مر الكرام دون أن يلحظها كثيرون، ما عدا بعض الأحداث المتواضعة هنا وهناك والتي لا ترتقي إلى مستوى الحدث العربي، بحيث تبدو هذه المناسبة وكأنها فرصة ضائعة ومغيبة في السياسات البيئية العربية.
ويعتبر الرابع عشر من أكتوبر عيدا عربيا تحتفل فيه الأقطار العربية بأهم المنجزات التي تحققت في هذا المجال، وتقف عند التحديات التي تواجهها في وقت بات لتغير المناخ آثار سلبية على الموروث الطبيعي في بلداننا العربية من آسيا إلى شمال أفريقيا. عيد عربي تم إقراره يوم اجتمع فيه وزراء البيئة العرب في العاصمة التونسية منذ 34 سنة مضت.
المغرب إرادة ملكية قوية وسياسة بيئية واضحة
وبفضل الإرادة القوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، تمكن المغرب من الانخراط في سياسة بيئية واضحة تروم تحقيق التناغم بين السياسات العمومية والتزاماته المناخية العالمية وعلى أعلى المستويات، سياسة رائدة ترمي إلى تطبيق المغرب لالتزاماته في مجال أهداف التنمية المستدامة 2030، حيث بفضل تظافر جهود الجميع من فاعل ترابي وجمعيات المجتمع المدني نجح المغرب في تحقيق تقدم ملموس في تنزيل الأهداف السبعة عشر.
ويبقى كسب المغرب لرهان تذويب أهداف التنمية المستدامة في المخططات الوطنية والاستراتيجيات البيئية والتنموية رهين بانخراط والتزام جميع الفاعلين على أساس تضامن وثيق وبناء، مما سيساهم في الحفاظ على كوكب الأرض وضمان موارده لأجيال المستقبل.
وكان المغرب سباقا في تقديم المشاريع على المستوى العربي والدولي فيما يخص البيئة والتنمية المستدامة، إذ أنه قبل الإعلان الأممي سنة 2015 عن برنامج أهداف التنمية المستدامة 2030، اعتمد المغرب مفهوم التنمية المستدامة في استراتيجياته التنموية عبر تعزيز التوازن بين أبعادها الأربعة: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك بهدف تحسين نوعية إطار عيش المواطنين، وتعزيز التدبير المستدام للموارد الطبيعية وتشجيع الأنشطة الاقتصادية التي تحترم البيئة.
وتماشيا مع التزاماته الدولية في إطار قمة الأرض المنعقدة في ريو دي جانيرو (1992) وقمة جوهانسبورغ (2002) والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وضع المغرب الأسس اللازمة لتحقيق التنمية المستدامة من خلال عدة إصلاحات في المجالات السياسية والمؤسساتية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وقد تعزز هذا المسلسل باعتماد الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي تم إعداده تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة عيد العرش بتاريخ 30 يوليوز 2009. ولقد تم تفعيل الميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة من خلال ظهير شريف رقم 1.14.09 صادر في 4 جمادى الأولى 1435 (6 مارس 2014) بتنفيذ القانون الإطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة.
تسريع تنزيل برنامج أهداف التنمية المستدامة بالمغرب
ولقد تعزز انخراط المغرب على مسار تسريع تنزيل أهداف التنمية المستدامة من خلال اعتماد الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030 من طرف المجلس الوزاري تحت الرئاسة الفعلية للملك محمد السادس يوم 25 يونيو 2017، هذه الاستراتيجية التي تم إعدادها بتشاور مع كل الفعاليات الوطنية من سلطات عمومية، وقطاع خاص، وممثلي المجتمع المدني على مرجعية واضحة دستوريا وقانونيا، استراتيجية اعتبرها الخبراء آلية ناجعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030.
وفي هذا الصدد، وبالنظر إلى الطابع الأفقي للتنمية المستدامة، فإن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة عملت بالضرورة على وضع إطار إستراتيجي للتحسين المستمر في إطار نظرة شمولية تأخذ بعين الاعتبار الإستراتيجيات القطاعية الفرعية والتي تم الشروع في إنجازها وأجرأتها والعمل بها على المستوى الجهوي، كالإستراتيجية الوطنية للماء، والإستراتيجية الطاقية، ومخطط المغرب الأخضر والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والميثاق الوطني الصناعي، استراتيجيات متقاطعة فيما بينها تعمل أيضا من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالمغرب، وهكذا فإن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة تعمل عبر دراسة وتحليل الإستراتيجيات القطاعية من أجل ملاءمتها مع متطلبات التنمية المستدامة، نذكر منها:
< “مخطط المغرب الأخضر” الذي كان يهدف إلى الرفع من مردودية القطاع الفلاحي والحفاظ على أثره الاجتماعي، عبر مواكبة مستمرة للساكنة القروية بواسطة مشاريع التجميع والحفاظ على الموارد الطبيعية، من خلال الاقتصاد وتثمين الموارد المائية الفلاحية، والحد من تلوث التربة وتشجيع الطاقات النظيفة في الفلاحة،
< “الإستراتيجية الطاقية” وأهدافها المتجلية في التخفيف من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، من خلال تطوير المشاريع المرتبطة بالطاقات المتجددة،
<“مخطط هاليوتيس للصيد البحري” وأهدافه المتجلية في حماية التنوع البيولوجي البحري وتجديد الثروة السمكية، ثم “رؤية 2020 للسياحة” وأهدافها البيئية، وخصوصا في تهيئة المركبات السياحية وتنفيذ الميثاق المغربي للسياحة المسئولة وتثمين العلامات الإيكولوجية للسياحة،
< “مخطط النجاعة الطاقية” ومساهماته البيئية كإنجاز المناطق الصناعية ذات “الإدارة الخضراء” وتشجيع الشهادة البيئية ISO 14001 لدى المقاولات،
< “مخطط رواج لتنمية القطاع التجاري” والذي يعطي مكانة خاصة لتجارة القرب وحمايتها والذي يحد من الآثار البيئية للمباني التجارية وذلك عبر الاستعمال المعقلن للماء والطاقة وتدبير النفايات.
تعثر تنزيل برنامج التنمية المستدامة بالمغرب
ومن أجل نجاعة الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتنزيل الصحيح لبرنامج أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر ووضعهما على السكة الصحيحة، أصدر المجلس الأعلى للحسابات تقريرا برسم سنة 2018، ضمن تقاريره السنوية، كشف من خلال ملاحظاته البارزة أن برنامج “التنمية المستدامة” الأممي، والذي انخرط المغرب فيه والتزم بتنفيذ أهدافه في أفق 2030، شابته عدة عيوب ومعيقات حالت دون مضي أهدافه كما خطط لها واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أنجز قضاة المجلس الأعلى للحسابات تقريرا موضوعاتيا حول مراجعة مدى جاهزية المغرب لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة برسم الفترة 2015-2030، وخلص التقرير إلى أن قطاعي التعليم والصحة بالمغرب شكلا حجر عثرة في طريق مضي هذا البرنامج.
وحسب التقرير فقد تمت المصادقة على الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة في شهر يونيو 2017، وكان بإمكانها أن تمثل الإطار المناسب لتحديد أولويات أهداف التنمية المستدامة والتخطيط لتنفيذ خطة 2030، إلا أن التحريات التي قام بها المجلس الأعلى للحسابات لدى مجموعة من الفاعلين كشفت العديد من أوجه القصور المتعلقة بعملية اعتماد الإستراتيجية الوطنية، مما أدى إلى تباطؤ عملية تكييفها وتقاربها لأجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
إن تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2018، وما يحمله من وقائع تتجلى في الاختلالات التي عرفتها عملية تدقيق مدى جاهزية المغرب لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2020-2030، والخروقات التي شابت صرف المال العام من خلال تخصيص مكتب دراسات معين قصد إجراء دراسات تتعلق بالتتبع وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة وما إلى غير ذلك من الاختلالات، شكلت صورة قاتمة بالنسبة لتسيير وتدبير الشأن البيئي بالمغرب.
وأظهرت جلسات العمل التي أجراها المجلس الأعلى للحسابات، مع بعض الأطراف أن النهج المتبع يثير عدة خلافات بين القطاعات الوزارية ولا يعكس الاهتمام بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، لا سيما فيما يتعلق بالحاجة إلى إشراك جميع المتدخلين. وأشار التقرير أنه تم في سنة 2018 إحداث “لجنة استراتيجية للتنمية المستدامة” لتعنى بتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، لكن المرسوم المتعلق بهذه اللجنة لم يشر إلى أهداف التنمية المستدامة وإلى الدور الذي يمكن أن تضطلع به في تنزيل خطة 2030، وقد تسبب هذا الوضع في خلق ارتباك بين الأطراف المتدخلة حول الهيئة المكلفة بتنسيق المجهودات في إطار تنفيذ هذه الخطة، مع العلم أن اللجنة الاستراتيجية لا تضم بين أعضائها بعض الهيآت الرئيسية كالمندوبية السامية للتخطيط.
وأشار إلى أن المرسوم رقم 670-17-2 الصادر في 6 أبريل 2018 بتحديد اختصاصات وتنظيم المندوبية السامية للتخطيط منح مهمة إعداد تقارير حول أهداف التنمية المستدامة لمديرية التخطيط التابعة للمندوبية السامية للتخطيط، غير أنه لم ترد أي إشارات صريحة حول الجهة المختصة للقيام بمهمة الرصد والتتبع.
علاوة على ذلك، لاحظ المجلس الأعلى للحسابات أن مهمة الرصد والتتبع لا زالت موضوع خلاف بين مختلف الأجهزة المعنية، خاصة كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة سابقا، التي كانت ترأس لجنة القيادة من أجل التتبع والمصاحبة التابعة للجنة الإستراتيجية للتنمية المستدامة، بالإضافة إلى المندوبية السامية للتخطيط ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون والوزارة المنتدبة المكلفة بالشؤون العامة والحكامة.
الخروقات البيئية للمجمع الشريف للفوسفاط
يعتبر المجمع الشريف للفوسفاط أول مقاولة مغربية ذات بعد وطني ودولي، وأول مصدر للفوسفاط ومشتقاته على الصعيد العالمي، وكان قد حقق المجمع الذي يشغل أكثر من 20000 عامل رقم معاملات عادل 5.48 مليار درهم خلال سنة 2017 مساهما بذلك بنسبة 17 بالمائة من صادرات المغرب و18 المائة من احتياطي العملة الصعبة، ويتكون رقم المعاملات المذكور الذي تم تحقيق أغلبه مع الخارج من 19 بالمائة من مبيعات الفوسفاط الخام و24 بالمائة من مبيعات الحامض الفوسفوري و57 بالمائة من مبيعات الأسمدة الفوسفاطية.
ويحدث النشاط المنجمي بطبيعته آثار بيئية مختلفة وبحدة متفاوتة، وسعيا منه لتقليص هذه اآاثار أطلق المجمع برنامج “التميز البيئي” الذي تم اعتماده منذ سنة 2013 والذي يضم ثلاث مجموعات من التدابير تهم مجموع أنشطة المجمع، غير أن بعض النواقص التي تم تسجيلها بهذا الشأن تستوجب تداركها.
فبالرغم من التقدم الملموس الذي تم تسجيله خلال السنوات الأخيرة في إطار برنامج التميز البيئي والتدابير المتخذة بهذا الشأن فإن مجهودا إضافيا يجب بذله من أجل إعادة تأهيل المساحات الكبيرة المستغلة والتي لا تزال دون معالجة.
ويتعلق الأثر البيئي الآخر باستمرار الإشكالية المرتبطة بتصريف الأوحال الناتجة عن غسل الفوسفاطـ، التي تعرف تناميا مستمرا لمساحات الأحواض المستعملة لتخزين هذه الأوحال مما يؤدي إلى تدهور مساحات مهمة من الأراضي بالإضافة إلى الآثار البيئية التي قد تحدثها.
وبخصوص الأثر البيئي للنشاط المنجمي، أوصى المجلس الأعلى للحسابات المجمع الشريف للفوسفاط ببلورة وتنفيذ خطط طموحة لمعالجة وإعادة تأهيل الأراضي المستغلة من أجل تدارك المساحات المتراكمة في أفق زمني معقول.
كما أوصى المجلس بالبحث عن حلول ملائمة للتحكم في تنامي مساحات الأحواض المستعملة لتخزين الأوحال الناتجة عن غسل الفوسفاط بالتركيز خاصة على البحث العلمي إضافة إلى دراسة وتتبع الاثار البيئية لهذه الأحواض.
جهود المكتب الشريف للفوسفاط لتجاوز الاختلالات البيئية
ولتجاوز الاختلالات البيئية التي تخلفها أنشطة المجمع الشريف للفوسفاط، التزم المجمع الشريف للفوسفاط بانتهاج برنامج طموح للتميز البيئي بغية التحسين من آثار أنشطته المنجمية والصناعية، وفي هذا الإطار بذل المجمع الشريف للفوسفاط جهودا كبيرة للامتثال للمعايير الدولية في هذا المجال.
فبخصوص إعادة تأهيل الاراضي المنجمية المستغلة، مكنت التدابير المتخذة من معالجة مساحة شاسعة تبلغ حوالي 3870 هكتار، لكنها تظل دون المستوى المأمول بالنظر إلى حجم الأراضي التي تم استغلالها خلال 70 سنة الماضية، ومن أجل تدعيم جهود إعادة تأهيل الأراضي المنجمية المستغلة اتخذ المجمع مجموعة من الاجراءات أهمها الالتزام بمعالجة مساحة تعادل كل سنة ضعف المساحة المستغلة، مع إطلاق مزارع تجريبية، بالتعاون مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ببن جرير، بالأراضي المستغلة التي تمت معالجتها بهدف تحديد أنواع الزراعات الملائمة ذات القيمة بالنسبة للساكنة المحلية.
تقنيات جديدة لمعالجة الأوحال
وفيما يتعلق بالأحواض المستعملة لتخزين الأوحال الناتجة عن غسل الفوسفاط وتعويمه، التي تزداد مساحتها مع تطور الطاقة الإنتاجية للمغاسل، يبحث المجمع عن تقنيات جديدة لمعالجة الأوحال وتخزينها، وهكذا في سنة 2019 بدأت اختبارات تجريبية لترشيح الأوحال عبر استعمال تقنية الطرد المركزي بمغسلة المراح الأحرش بخريبكة وتقنية مكابس الترشيح بمغسلة اليوسفية، حيث سيتم تعميم هذه الحلول التقنية على المغاسل الأخرى بهدف استعادة 100% من المياه الموجودة في الأحواض المستعملة لتخزين الأوحال الناتجة عن غسل الفوسفاط واستعمالها من جديد في عملية معالجة الفوسفاط، مما سيرفع معدل إعادة التدوير لمياه الغسل والتعويم إلى 95%، بالإضافة الى تقليص الأراضي المخصصة للأوحال الناتجة عن غسل الفوسفاط وتعويمه، حيث ستسمح تقنيات الترشيح باعتماد التخزين على ارتفاع أكبر على غرار ركام النفايات المنجمية.
المكتب الشريف للفوسفاط ورؤية 2020
ومن الجدير بالذكر أن المجمع حدد، في إطار رؤيته الجديدة حول الاقتصاد الدائري التي رأت النور سنة 2018 أهدافا طموحة تتعلق بالطاقات المتجددة والحفاظ على الماء، إذ يسعى المجمع بحلول سنة 2028 إلى تحويل كل إمداداته الطاقية إلى الطاقة النظيفة وتلبية كل احتياجاته المائية عن طريق المصادر غير التقليدية، مع العلم بأن الطاقة النظيفة بنوعيها الحراري الكهربائي والريحي تمثل حاليا 70%من الاستهلاك الإجمالي للمجمع و42% من استهلاك المواقع المنجمية.
وفيما يتعلق بالاستغلال العقلاني لموارد المياه، حافظ برنامج التنمية الصناعية للمجمع الشريف للفوسفاط على نفس مستوى الاستهلاك للمياه من المصادر التقليدية على الرغم من الزيادة الكبيرة في الطاقة الإنتاجية وقد تم تحقيق ذلك من خلال استخدام تقنيات أكثر نجاعة وتطوير مصادر غير تقليدية للمياه عبر خلق محطات معالجة مياه الصرف الصحي في خريبكة واليوسفية وبن جرير؛ ووحدات تحلية مياه البحر بالجرف الأصفر والعيون و بالتالي يتم تلبية 30% من إجمالي استهلاك المياه حاليا من المصادر غير التقليدية وتهدف المجموعة إلى تغطية كل احتياجاته المائية عن طريق هذه المصادر بحلول سنة 2028.
الاستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية
عرف المغرب منذ أزيد من عقد من الزمن وضعية طاقية اتسمت بنمو مستدام للطلب الطاقي، حقق خلالها المغرب متوسط نسبة نمو سنوي تصل إلى 5.6 %، وقد زادت من حدة هذه الوضعية التبعية الطاقية القوية التي كانت تتجاوز 90% والفاتورة الطاقية التي تلقي بعبء ثقيل على التوازنات الاقتصادية والمالية للدولة، حيث بلغت هذه الفاتورة 239.82 مليون درهم سنة 2018 ممثلة بذلك نسبة 1.17% من مجموع الواردات، وقد بلغ الاستهلاك الوطني من المنتجات البترولية 6.10 مليون طن ومن الغاز الطبيعي 16.1 مليار متر مكعب، أما الاستهلاك الطاقي النهائي فقد بلغ 6.13 مليون طن مقابل بترول بتزايد سنوي يناهز %4.4 منذ سنة 2004، في حين استأثرت المنتجات البترولية بنسبة 75 %من هذا الاستهلاك، وبلغت القدرات الانتاجية من الكهرباء بالمغرب 300.8 ميغاوات، موزعة على التوالي ما بين الفحم الحجري 31% والوقود والدييزال 10% والطاقة الكهرومائية 22% والغاز 8.25% والطاقة الهوائية 4.9%، وبهذا فإن قطاع الكهرباء يواجه صعوبة المحافظة على توازن العرض والطلب الذي يسجل سنويا نموا مستمرا يقدر بأزيد من %4.
ومن أجل التصدي لهذه التحديات، حددت الاستراتيجية الوطنية للطاقة المعتمدة سنة 2009 مجموعة من الأهداف تتضمن بالأساس تأمين الإمداد والتزويد بالطاقة وإتاحة إمكانية الولوج والوصول إلى الطاقة على نطاق واسع وضبط الطلب الطاقي وتحفيز زيادة العرض من الطاقة والمحافظة على البيئة، وترتكز التوجهات الاستراتيجية بالأساس على التنويع الكهربائي والطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية والتوازن ما بين الإنتاج الوطني والواردات من الطاقة.
هذا وقد تم الارتقاء بالنجاعة الطاقية منذ سنة 2009 إلى أولوية وطنية قصوى حيث تم تكريس هذه الإرادة بموجب القانون رقم 47.09 المتعلق بالنجاعة الطاقية الذي يرتكز تنفيذه بالأساس على مبادئ الأداء الطاقي ومتطلبات النجاعة الطاقية ودراسات التأثير الطاقي والافتحاص الطاقي الإلزامي والمراقبة التقنية للنجاعة الطاقية.
غياب لوحة القيادة للإستراتيجية الوطنية للنجاعة الطاقية
ولقد تم سنة 2011 إدراج برامج النجاعة الطاقية المقررة في إطار الاستراتيجية الوطنية للطاقة ضمن مشروع الإستراتيجية الخاصة بالنجاعة الطاقية الذي يهدف إلى تحقيق 12% من الاقتصاد في استهلاك الطاقة في أفق 2020، و15% في أفق 2030 وكذا تقليص كثافة استخدام الطاقة بنسبة 2% سنويا، ويتمحور هذا المشروع حول سبع أولويات استراتيجية موزعة على 22 هدفا استراتيجيا موضوع برنامج للتعاقد ما بين القطاعات الوزارية المعنية والوكالة المغربية للنجاعة الطاقية، كما يتضمن إجراءات ذات طابع أفقي وأخرى قطاعية تهم القطاعات الانتاجية الأكثر استهلاكا للطاقة منها النقل 41% والصناعة %21 والبناء 33% والفلاحة والإنارة العمومية 5%، ووقف تقرير قضاة جطو على عدم إرساء نظام للمحاسبة ولوحة للقيادة لقياس وتتبع الأداء الطاقي، و كذا وجود قصور في مجال المراقبة والقياس.
اختلالات تدبير الملك المائي
يبقى الملك العمومي المائي هو مجموع الأملاك المائية وتلك ذات الصلة بالماء، وتنقسم عمومية طبيعية تشمل المياه واأاراضي المغمورة بهذه المياه، وأملاك عمومية اصطناعية تشمل المنشآت المائي، ويتكون الملك العام المائي الطبيعي، وفقا لمعطيات وكالات الاحواض المائية لسنة 2017، من حوالي 77884 كلم من مجاري المياه، و 4647 كلم مربع من المسطحات المائية، و250400 كلم مربع من فرشات المياه الجوفية، 783 من المنابع المائية.
ويتكون الملك العام الاصطناعي أساسا من 139 سد كبير بسعة تخزينية تزيد عن 6.17 مليار متر مكعب، و157 سد صغير وبحيرات تلية بسعة تخزين أولية تبلغ حوالي 86 مليون متر مكعب، كما يتكون الملك العام الاصطناعي أيضا من عدة ألاف من الكيلومترات من القنوات وأنابيب المياه والسواقي، ويتوفر المغرب على إمكانيات من الموارد المائية، يقدر متوسطها السنوي بحوالي 22 مليار متر مكعب، بما في ذلك 18 مليار متر مكعب من المياه السطحية، و2.4 مليار متر مكعب من المياه الجوفية، أي ما يعادل 700 متر مكعب للفرد في السنة.
وتتميز موارد المياه السطحية بتقلبات كبيرة جدا، تتفاوت، حسب السنوات، من 5 إلى 50 مليار متر مكعب. وحسب تقرير البنك الدولي حول تكلفة التدهور البيئي الصادر سنة 2017، يعد المغرب من بين العشرين بلدا الاكثر “شحا” من حيث توفر الموارد المائية، ووفقا لمعطيات السلطة الحكومية المكلفة بقطاع الماء، فإن معدل نصيب الفرد الواحد من الماء، الذي كان يقدر بحوالي 1700 متر مكعب في السبعينيات، أصبح لا يتجاوز حاليا حوالي 700 متر مكعب، مع الاشارة إلى أن هذا الاتجاه التنازلي للموارد المائية أخذ يتفاقم جراء تدهور جودتها بمختلف أنواع الملوثات الصلبة منها والسائلة وبأصنافها المختلفة: المنزلية والفلاحية والصناعية.
الملك المائي ممتلكات غير معروفة
تدبير الملك العام المائي بدوره خضع لافتحاص قضاة جطو، حيث و في إطار جرد وتقييم وقياس الموارد المائية لاحظ التقرير أن الملك العام المائي هو عبارة ممتلكات غير معروفة وغير مضبوطة بشكل كاف من طرف وكالات الاحواض المائية، ويتطلب التدبير الفعال للممتلكات العمومية المائية من طرف وكالات الأحواض المائية ضبط جميع هذه الممتلكات المتواجدة بالمناطق الخاضعة لنفوذها، بغض النظر عما إذا كانت تدار من قبلها أو من قبل هيئات أخرى، غير أن هذا الأمر لن يتحقق بعد ما دامت جميع الوكالات لا تتوفر على معطيات شاملة حول الممتلكات العمومية المائية، خاصة تلك التي تدار من طرف هيئات أخرى، مثل المكتب الوطني للماء والكهرباء، والمكاتب الجهوية للاستثمار الفلاحي، ومصالح وزارة الفلاحة، والجماعات الترابية.
وتطرق تقرير المجلس الاعلى للحسابات إلى استغلال المياه الجوفية، حيث تعرف الموارد المائية في السنوات الأخيرة ندرة بسبب التغيرات المناخية والاستغلال المفرط وهدر المياه، وفي هذا الصدد، لوحظ استغلال مفرط لمياه بعض الفرشات المائية حيث شهدت العديد منها انخفاضا كبيرا في مستوياتها، وخاصة بتادلة وسوس وسايس.
كما أشار التقرير الى هدر المياه على مستوى شبكات نقل وتوزيع مياه الري: حيث يعد ضياع المياه على مستوى شبكات نقل وتوزيع مياه الري مصدرا من مصادر هدر المياه، وهكذا، ووفقا للمعطيات المدلى بها من قبل بعض وكالات الأحواض المائية، فإنه يتم ضياع 120 مليون متر مكعب من الماء سنويا على مستوى منطقة عمل وكالة الحوض المائي لسبو، و100 مليون متر مكعب بمنطقة عمل وكالة الحوض المائي لملوية، و64 مليون متر مكعب بمنطقة عمل وكالة الحوض المائي لكير زيز غريس درعة، و51 مليون متر مكعب بمنطقة عمل وكالة الحوض المائي اللوكوس.
حماية الموارد المائية من التلوث
وبالنسبة لحماية جودة الموارد المائية تطرق التقرير الى أنه يفترض مبدأ الملوث المؤدي أن أي شخص يقوم بنشاط من شأنه أن يؤدي إلى تدهور الوسط الطبيعي يجب أن يتحمل تكلفة هذا التدهور من خلال دفع رسوم ضريبية لتصريف المياه العادمة، وفي المقابل عندما يقلل الملوث من التلوث أو يزيله، يمكنه الاستفادة من إعانات وكالات الاحواض المائية التقنية منها والمالية.
وفي هذا الصدد، يتميز تدبير جودة الموارد المائية بضعف نسبة الربط بشبكة التطهير السائل وإعادة استعمال المياه العادمة بالعالم القروي، وفقا للدراسة المتعلقة ببرنامج التطهير السائل بالعالم القروي تبين أن تصريف المياه العادمة المنزلية عرف ارتفاعا كبيرا في العقود الأخيرة، بالإضافة الى تدهور جودة المياه الجوفية في المدارات السقوية حيث تتميز المدارات السقوية باستهلاك متزايد للأسمدة المعدنية، بما في ذلك اأمسمدة النيتروجينية والفوسفاطية، ونتيجة لذلك، فإن مخاطر تلوث الموارد المائية بسبب استعمال الأسمدة يبقى مرتفعا في الأحواض المائية التي تحتضن المدارات السقوية، وخاصة حوض سبو، وحوض أم الربيع، وحوض سوس ماسة، حيث تسجل هذه المدارات السقوية 54% من الاستهلاك الوطني للأسمدة، دون أن ينسى التقرير الإشارة الى غياب آلية لحماية الموارد المائية من التلوث الفلاحي، حيث تتعرض مياه الفرشات المائية للتلوث الفلاحي بسبب جريان المياه السطحية وتسلل الأسمدة والمبيدات إلى أعماق الأرض غير أنه لم يتم وضع أي آلية لتشجيع الفلاحين على الحد من آثار التلوث ذي الاصل الفلاحي من خلال تخفيض استخدام الكيماويات الفلاحية.
وفي انتظار أن يحقق قضاة المجلس الأعلى للحسابات في أزمة الماء وندرته، وفي صفقات تشييد السدود، الكبرى والصغرى، بسبب استمرار خطر ندرة المياه، وتقلص نصيب الفرد من الموارد المائية، من 3500 متر مكعب في 1960 إلى 650 مترا مكعبا العام الجاري، واشتداد الضغط على الفرشة المائية الجوفية التي تتراجع بحوالي 860 مليون متر مكعب سنويا، واستنزاف الخزانات الجوفية بانخفاض يقارب 3 ملايير متر مكعب، واستنفاد مياه الأنهار والوديان، تبقى وضعية السدود جد مقلقة مع امتلائها بالأوحال العالقة في قعرها، إذ يقدر حجم المياه غير المستغلة جراء هذه الأوحال بحوالي مليارين ونصف مليار متر مكعب سنويا، وتصب كلها في البحر، وتمثل قرابة 12 في المائة من مجموع المياه التي توفرها السدود سنويا. وأصابت الأوحال 40 سدا كبيرا من أصل 140، من قبيل سد محمد الخامس على وادي ملوية، وعبد الكريم الخطابي على وادي النكور، اللذين فقدا أكثر من نصف سعة التخزين، وفقدان سد النخلة 45 في المائة من قدراته على التخزين، وفقدان 17 سدا 30 في المائة من سعة تخزين المياه، كسد لالة تاكركوست، وسد المنصور الذهبي، وسد حسن الداخل، وفقدان 20 سدا أخرى 10 في المائة من قدرتها على التخزين كالمسيرة والوحدة وعبد المومن.
وفي الأخير تبقى أهم القضايا البيئية التي يمكن أن نقف عندها ونحن نحتفل باليوم العربي للبيئة هي السياسة الحكومية الرامية الى المحافظة على الفرشة المائية، حيث تستهلك بعض الزراعات التي تصدر إلى الخارج مثل الطماطم والجزر والبطيخ الأحمر، الأطنان من المياه، مستنزفة الفرشة المائية ومخلفة وراءها دواوير ومدنا ومراكز حضرية بدون ماء صالح للشرب في فصل الصيف، مثل القرار الأخير الذي عرفته مدينة أكادير حيث شرع في تطبيق قرار بقطع التزود بالماء الصالح للشرب طيلة الليل وابتداء من بداية شهر أكتوبر. هذا بالإضافة الى السياسة الحكومية لحماية الوديان والأنهار من التلوث، نهر أم الربيع نموذجا.
> بقلم: محمد بنعبو
•خبير في المناخ والتنمية المستدامة
رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة