القيادة تحدد دائما بتلك القدرة على التأثير في الآخرين بعد تبني مجموعة من التقنيات التواصلية الموجهة والمحددة، واعتماد كل الوسائل والأدوات المناسبة والمتاحة، زيادة على إثبات كل الحجج والبراهين اللازمة والضرورية لأجل تبرير أو تفسير موقف معين.. كما تتطلب العملية القيادية استحضارا كليا للمنطق والعقل اللازمين لتأكيد المواقف والحسم فيها بعيدا عن التردد والشك وخصوصا التحكم وتلقي الأوامر وبيع الذمة والكرامة.
تتم غالبا السيطرة على الآخرين واستغلالهم عن طريق التحكم في نقط ضعفهم ومدى قوتهم أو ضعفهم وأوجه النقص المتواجدة لديهم، مما يجعلهم في الأخير يستسلمون ويرضخون للسيطرة والطواعية وقبول الانتماء والولاء إلى كيان ما وإن لم يكن بإرادتهم وبمنتهى الحماسة. بل ويتفاعلون بمنتهى الصدق في إنجاز الأهداف التي يتفقون ويتوافقون عليها لأجل تحقيق الأهداف المشتركة.
القيادة هي حلقة الوصل التي تعمل على توحيد جهود المجموعة التي ينتمي إليها الشخص لأجل حل المشكلات وتنمية الأفراد وتحفيزهم ولم شملهم تحت مظلة واحدة وموحدة جامعة مانعة بعيدا عن التحكم والاستغلال والاستبداد والجحود.
أما بالنسبة للريادة فتعني الإرادة الحرة الحازمة القادرة على تحويل الأفكار إلى مشاريع وبرامج تنموية يصنع من خلالها الشخص واقعا جديداً وفق منهجية استراتيجية كفيلة ببناء وتنمية مجتمع معين. تقنية سوسيوسيكولوجية تجعل الفرد يقتنع بضرورة استحضار مؤهلاته بمنطق وتكامل لأجل مواجهة التحديات وتجاوزها، والوقوف صفا قصد التصدي لها وإيقاف عدائها المحتمل… ليس هذا فحسب، بل يسعى الرائد عن طريق صناعة القيادة بين كل مكونات مجموعته إلى خلق الأحداث وتغيير الرؤى المستقبلية والاستمرار في تحريك عجلة الإبداع وخلق مبادرات وبرامج تنموية ناجعة تشكل في غالبيتها حلولا أو مشاريع حلول للمشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. دون أن ننسى قدرة الرائد على تكوين خلايا متخصصة في التسيير وإدارة الأزمات التي تستمر في التفكير في المصلحة العامة وإن كان ذلك خلال الأزمات كالتي يعيشها شبابنا إبان أزمة كوفيد التي لم يعلن بعد عن تراجعها ونهايتها بعد بل تستمر في تفشيها وحصادها للضحايا.
أزمة مرحلة كوفيد 19 لم تترك للقيادة اختيارا. فكما عهدنا أن نراه في الساحة السياسية وفي صفوف نوع من القادة والسياسيين الحاليين، من خلال ترؤسهم وتربعهم على عرش اللقاءات والندوات والمؤتمرات، فإن أسلوب حقن الأجواء بوابل من الوعود والالتزامات الشكلية والحلول الغير ممنهجة، لم يعد يجني ثمارا. فقد أصبحوا الآن وبلا رجعة في «دار تَلْفُون» وفي ارتباك وشتات وانهيار بلا رجعة. بحيث لم تعد الأطوار السوسيو سياسية كما كانت. خصوصا بعدما انهارت عليهم وفوق رؤوسهم تلك القلع الوهمية وتبخرت تلك الأحلام والرؤى المستقبلية لنجاحات خيالية في مدن فاضلة طالما اعتزموا أن يجعلوا من بلدنا المغرب نمودجا منها..
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما سبب هذا التردد والتراجع السياسي؟ وما سبب افتقارهم لمنهجيات واستراتيجيات محكمة؟ لماذا يتم الاختباء وراء الرؤية الملكية التي كان الهدف من طرحها خلق وسائل وسبل مؤقتة لأجل تفعيل وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتنميته اعتمادا على رؤى ممنهجة ومحكمة؟
وبعيدا عن منطق التحيز والعاطفة والثقة في النفس وفي مؤهلات شبابنا، أقول بأن بلادنا قادرة على تقديم مشاريع حضارية تنموية نهضوية تلملم عن طريقها شتات الأمة وتتعزز بها متطلبات شعبها وتحقق أحلام ومتطلبات وانتظارات شبابها… كل ذلك عن طريق إدماج الكفاءات وتثمينها وإعطاء القيمة المستحقة لحاملي البرامج الموسعة والمستدامة والعمل على الحفاظ على هذه الكفاءات بدل تخطيها وتهميشها باعتبارها المفتاح الأساسي لإنجاح هذه البرامج المعقدة والتي ستحل شفرة الوضعية الحالية والاستثنائية التي يعيشها المغرب ..
لكن، مع الأسف، هذه الفئات والطاقات الشبابية لا تزال، ونحن في بداية الأزمة الخانقة التي يشهدها العالم، تتخبط بين القيادة والريادة . ولعل ذلك سبب أساسي لتراجع معظم هؤلاء الشباب وتخليهم عن حلم النضال وحلم تحقيق أهداف اعتبروها شخصية غير أنها في الحقيقة أهداف مشتركة.
من المؤكد أن من أهم مبادئ وأسس القيادة تجميع الشتات، وتهيئ نواة مركزية تشتغل على مشاريع كبرى بفضلها سيتعزز البحث العلمي وينمو الإنتاج المعرفي.. مما يخدم أهداف الشباب أنفسهم وكذا تطلعاتهم وطموحاتهم المختلفة والمتعددة في الوقت الراهن.. الشيء الذي يدفعهم ويحفزهم لأجل الإبداع والابتكار والانخراط في المنافسة وكذا توفر قابلية الالتحاق بكل المجالات المجتمعية الحيوية التي بإمكانها استيعابهم كالممارسة السياسية والجمعوية والاستثمار والبحث العلمي باعتبارها ميادين خصبة ومدرة للنفع، والتي سيتمكن هؤلاء الشباب بواسطتها من البحث عن حلول بديلة، دون أن ننسى مبدأ تبني هذه المشاريع الشبابية وضرورة دعمها ومواكبتها إلى حين تحقيقها حسب منهج استراتيجي تنموي طويل المدى ومستدام في نطاق تعزيز الانتماء والاعتزاز بالهوية المغرببة الغنية والمتكاملة، المتعددة والمختلفة، وهاذا ما يستدعي تبني مجموعة من المناهج والمرجعيات العلمية البحثية اعتمادا على قادة ورواد شباب متحضرين، مطلعين ومواكبين للتغيرات والمتطلبات الغير قارة بالنسبة للشباب سواء وطنيا أو في مناطقهم وفي دوائر نشاطهم، خصوصا في ظل الأزمات والأحداث المفاجئة التي تتطلب وقفة تعاضدية وموحدة وواحدة واتحادا قويا بين أفراد المجتمع…
لا ننسى كذلك ضرورة بناء منظومة أخلاقية موحدة ومجتمعاتية تضبط مدى وكيفية التعامل وعلاقات الأفراد بعضهم مع بعض وتنظم حقوقهم وواجباتهم والتعايش المرن بين كافة الأطياف والجماعات والمذاهب وغيرها تحت شعارات تنتصر لقيم التسامح والتفاهم…
بقلم: نادية واكرار