تداعيات “كورونا” على نشاط الاقتصاد المغربي

تراجع الطلب الخارجي وتقلص وتيرة الطلب الداخلي وتباطؤ ملحوظ في الإنتاج

كشفت المندوبية السامية للتخطيط، عن توقعاتها للفصل الأول من سنة 2020 وعن توقعاتها للفصل الثاني من العام ذاته، وذلك أخذا بعين الاعتبار تأثيرات الأزمة الصحية لفيروس “كورونا” المستجد والحجر الصحي.
وتتوقع المندوبية أن يعرف الاقتصاد الوطني نموا يقدر بـ 1,1%، خلال الفصل الأول من 2020 و1,8-% في الفصل الثاني، عوض 1,9+% و2,1+% على التوالي المتوقعة في غياب تأثيرات الأزمة الصحية.

تراجع الطلب الخارجي الموجه للمغرب

وتتوقع المندوبية حسب مذكرة الظرفية، توصلت بيان اليوم بنسخة منها، أن يشهد الطلب الخارجي الموجه للمغرب انخفاضا يقدر ب 3.5%، خلال الفصل الأول من 2020، عوض +1.3% المتوقعة في غياب تأثيرات الأزمة الصحية، متأثرا بتراجع التجارة العالمية وتباطؤ النشاط الاقتصادي على مستوى الشركاء التجاريين للمغرب.
وبالموازاة مع ذلك، تتوقع أن تعرف الصادرات الوطنية انخفاضا يقدر بـ22.8%، عوض ارتفاعها بـ1.1%. حيث سيتأثر قطاع السيارات الذي شهد بعض التراجع مند السنة الماضية بسبب تقلص الطلب العالمي والأوروبي، بتوقف أنشطة شركتي “رونو” و”بوجو”.
بدورها، ستعرف صادرات الملابس والنسيج والتي تساهم بـ11% في مجموع الصادرات الوطنية، تراجعا بسبب انخفاض الطلب الخارجي الموجه نحوها وخاصة من أوروبا، حيث ستنخفض صادرات النسيج بـ4.3% خلال الفصل الأول من 2020، حسب المصدر ذاته.
أما صادرات الفوسفاط الخام ومشتقاته، والتي تشكل ما يقرب 17% من مجموع الصادرات، فستشهد تراجعا ملحوظا خلال الفصل الأول من 2020، بسبب انخفاض الطلب الخارجي على الحامض الفوسفوري والفوسفاط الخام وتقلص أسعارهما في الأسواق العالمية.
وحسب المندوبية، ستتقلص قيمة صادرات الفوسفاط ومشتقاته بـ40% في ظل تراجع أسعار الفوسفاط ومشتقاته، وخاصة فوسفاط الديامنيوم والثلاثي الممتاز، بنسب تقدر ب 28,5% و23,6% و28,5%، على التوالي.
في المقابل، ستستفيد بعض القطاعات كالفلاحة والصيد البحري من تحسن الطلب الموجه نحوها وخاصة الخضر والفواكه والحوامض عقب تقلص الإنتاج في بعض الدول الأوروبية كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا بسبب نقص اليد العاملة الموسمية في الضيعات الفلاحية.
ومن المرجح أن تنخفض الواردات من السلع، خلال الفصل الأول من 2020، بنسبة 4,8%، عوض 0,9 % المتوقعة سابقا، موازاة مع انخفاض الفاتورة الطاقية والتي تشكل ما بين 13% و %18 من مجموع الواردات، حيث سيساهم انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية في تراجع أسعار الغازوال والفيول والتي تشكل ما يقرب من 50% من الطاقة المستوردة.
في المقابل، ستعرف واردات المواد الغذائية ارتفاعا ملموسا بسبب زيادة مشتريات الحبوب والأعلاف.
وعلى العموم، تنظر المندوبية أن يزداد العجز التجاري بـ%23,8، خلال الفصل الأول من 2020، موازاة مع ارتفاع وتيرة الواردات مقارنة مع الصادرات، فيما سيحقق معدل تغطية الصادرات بالواردات انخفاضا بنسبة 11,6 نقطة لتناهز 49,7%.

تقلص وتيرة الطلب الداخلي

كما تتوقع المندوبية السامية أن تشهد نفقات الأسر الموجهة نحو الاستهلاك بعض التقلص في وتيرتها، خلال الفصل الأول من 2020، لتحقق نموا يقدر بـ1,2 %، عوض 1,8 المتوقعة في غياب تأثيرات الأزمة الصحية.
وسيشهد الاستهلاك العمومي نموا يناهز 3,2%، خلال نفس الفترة، بالموازاة مع تطور نفقات التسيير في الإدارة العمومية. في المقابل، يرجح أن يواصل الاستثمار تطوره المتواضع ليحقق نموا طفيفا يقدر بـ1,2%، خلال الفصل الأول من 2020، وذلك بالموازاة مع تراجع الاستثمار في المواد الصناعية وأنشطة البناء.

تباطؤ ملحوظ في الإنتاج

وتتوقع المذكرة أن يتراجع معدل النمو الاقتصادي ليصل الى 11,% في الفصل الأول من عام 2020 باعتبار تداعيات أزمة “كورونا”، بدلاً من 1,9% المتوقعة دون احتساب تأثيرات الازمة. و يعزى هذا الانخفاض إلى التباطؤ في الأنشطة الثانوية، والذي سيشهد معدل نموها ارتفاعا ب 0,5 % ، بدلاً من 1,6 +%. كما ستعرف الأنشطة الثالثية تقلصا ملحوظا في معدل نموها، الذي قد لا يتجاوز 2,7% فقط من 3,1%.

ارتفاع نسبي لأسعار الاستهلاك

ومن المرتقب أن تشهد أسعار الاستهلاك ارتفاعا في وتيرتها، خلال الفصل الأول من 2020، لتحقق زيادة تناهز 1,4%، عوض 0,7+%، خلال الفصل السابق.
وتعيد المندوبية هذا التحول بالأساس إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بـ1,8%، في ظل حالة الطوارئ الصحية. كما يتوقع أن تواصل أسعار المواد غير الغذائية تصاعدها لتحقق نموا يقدر بـ%1,2.
وفي المقابل، سيعرف معدل التضخم الكامن، والذي يستثني الأسعار المقننة والمواد الطرية والطاقية، نموا يقدر بـ0,6+% في الفصل الأول من 2020، عوض 0,7+% في الفصل السابق، وذلك عقب تباطؤ أسعار المواد غير الطرية، والتي ستساهم بنسبة -0,1 نقطة في تطور معدل التضخم الكامن.

تباطؤ القروض المقدمة للاقتصاد

تتوقع المندوبية أن تحقق الكتلة النقدية، خلال الفصل الأول من 2020، زيادة تقدر بـ3,6%، حسب التغير السنوي، عوض 3,7+% في الفصل السابق.
وستشهد حاجيات السيولة بعض التراجع مقارنة مع الفصل السابق، وذلك عقب خفض معدل الاحتياطي النقدي من 4% إلى 2% وكذلك تحسن الموجودات الخارجية من العملة الصعبة بنسبة 3,6%، حسب المصدر ذاته.
في المقابل، تتوقع المندوبية أن تواصل القروض الموجهة للإدارة المركزية تصاعدها، موازاة مع ارتفاع مديونية الخزينة بنسبة تقدر بـ7,9%، حسب التغير السنوي.
وبالموازاة مع ذلك، ترجح المذكرة أن تشهد القروض المقدمة للاقتصاد بعض التباطؤ في وتيرتها، خلال الفصل الأول من 2020، لترتفع بنسبة 84,%، عوض 5,4+% خلال الفصل السابق، بالموازاة مع تراجع القروض الموجهة لخزينة المقاولات واستهلاك الأسر.
وبعد تقليص سعر الفائدة التوجهي بـ25 نقطة أساس من طرف البنك المركزي، ينتظر أن تعرف أسعار الفائدة بين البنوك انخفاضا بنسبة 5 نقط أساس لتستقر في حدود 2,22%، وبفارق 22 نقاط مقارنة مع سعر الفائدة التوجهي (%2). ويرتقب أن تعرف أسعار فائدة سندات الخزينة بعض التقلص مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، حيث ستنخفض أسعار فائدة سندات الخزينة لسنة و5 و10 سنوات بـ18 و41 و52 نقط أساس، على التوالي.

انخفاض ملحوظ لسوق الأسهم
ترجح المندوبية أن يشهد سوق الأسهم تراجعا مهما خلال الفصل الأول من 2020، متأثرا بتداعيات جائحة “كورونا” التي أثرت سلبا على أفاق تطور الاقتصاد الوطني، لتتوقع المندوبية أن يشهد كل من مؤشري مازي ومادكس انخفاضا بنسبة تقدر بـ11,1% و11%، على التوالي، حسب التغير السنوي، بعد ارتفاعهما بـ7,1% و7,7%، في الفصل السابق.
كما تتوقع أن تتراجع رسملة البورصة بـ10,5%، بعد ارتفاعها بـ7,7%، بسبب انخفاض معظم أسهم الشركات المدمجة في سوق البورصة، وعلى الخصوص قطاعات الهندسة والتجهيزات الصناعية وإنعاش العقار والترفيه والفندقة والمعادن والنقل.
كما سيساهم تراجع ثقة المستثمرين في الرفع من مبيعات الأسهم ليحقق حجم المعاملات زيادة بنسبة 60,2%، مقارنة مع السنة الماضية.

انخفاض النشاط الاقتصادي خلال الفصل الثاني
وباعتبار استمرار الحجر الصحي حتى حدود 20 أبريل 2020، تتوقع المندوبية أن يتطور الاقتصاد الوطني خلال الفصل الثاني من 2020 في ظل ظرفية دولية تتسم بتزايد التخوفات الناتجة عن تسارع انتشار الوباء حول العالم وآثاره السلبية على صحة واقتصاد البلدان.
وستشهد المبادلات التجارية العالمية، حسب المصدر ذاته، تراجعا ملموسا، فيما سيواصل الاقتصاد العالمي تباطؤه بوتيرة أشد حدة من الفصل السابق.
في المقابل، ستظل الضغوطات التضخمية مرتبطة بتطور أسعار النفط والمواد الغذائية في الأسواق العالمية في ظل ارتفاع العرض مقارنة مع الطلب العالمي من المواد الطاقية.
في ظل ذلك، سيشهد الطلب الخارجي الموجه للمغرب، حسب المندوبية، تراجعا بنسبة 6%، خلال الفصل الثاني من 2020، متأثرا بانخفاض الواردات وخاصة الأوروبية، مما سيساهم في تراجع الصناعات المحلية الموجهة للتصدير.
وتتوقع المذكرة أن يعرف الاقتصاد الوطني انخفاضا يقدر بـ1,8%، خلال الفصل الثاني من 2020، بسب تقلص القيمة المضافة دون الفلاحة بما يعادل النصف من وتيرة نموها، موازاة مع توقف معظم أنشطة المطاعم والفنادق، وكذا تقلص 60% من أنشطة النقل و22% من أنشطة التجارة. وإضافة إلى تراجع الخدمات المؤدى عنها، ترجح المندوبية أن تنخفض القيمة المضافة للقطاع الثانوي بـ0,5%، متأثرة بتراجع الصناعات التحويلية في ظل انخفاض الطلب الخارجي وتقلص صناعة السيارات والنسيج ولإلكترونيك. بدوره سيتأثر قطاع المعادن من تراجع الطلب على الصناعات الكيميائية عقب انخفاض صادرات الحامض الفوسفوري، حسب المصدر ذاته.
في المقابل، ينتظر أن تعرف القيمة المضافة الفلاحية بعض التقلص في وتيرة انخفاضها، ليناهز 2,9-%، وذلك بفضل تحسن الزراعات الربيعية عقب عودة التساقطات المطرية أواخر شهر مارس واستقرار أسعار أعلاف الماشية، إلا أن هذا التحسن قد يتلاشى في ظل تداعيات الإجراءات المتخذة للحد من تنقل العمال الموسميين داخل المغرب وكذلك مساطر المراقبة المشددة على الواردات من طرف الدول الأوروبية ابتداء من شهر أبريل 2020، وخاصة بالنسبة للمنتوجات القابلة للتلف كالفواكه والخضر.
وعلى العموم، تتوقع المندوبية أن يتسبب تأثير الحجر الصحي على الاقتصاد الوطني، خلال شهر أبريل 2020، في ضياع ما يقرب 3,8 نقطة من نسبة نمو الناتج الداخلي، خلال الفصل الثاني من 2020، وهو ما يعادل 10,918 مليار درهم عوض 4,1 مليار درهم خلال الفصل الأول.

Related posts

Top