قبل ساعات من انعقاد اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أدار «المطبخ السياسي» في رام الله ماكينته الإعلامية، لتبشر الرأي العام بأن الاجتماع، سوف يترأسه الرئيس محمود عباس، وهو الاجتماع الأول للجنة، التنفيذية الذي يترأسه رئيسها، من البداية حتى النهاية منذ أن انتخبها المجلس الوطني في 30/4/2018، أي منذ حوالي السنة تقريباً، وهو اجتماع قيل إنه سوف تصدر عنه قرارات ترسم «آليات جديدة» لتنفيذ قرارات المجلس الوطني، وإن القضية لم تعد بحاجة إلى قرارات جديدة، وأنه آن الأوان لتنفيذ ما تقرر، ومازال نائماً في الأدراج منذ أكثر من عام.
انعقدت الجلسة، وانتظرنا نتائجها بفارغ الصبر، لنفاجأ أنها لم تصدر بياناً ختامياً، بل صدر عنها خبر صحفي مطول وزعته «وفا»، حمل سلسلة من المواقف البروتوكولية كأن «ترحب، وتنتقد، وتحيي، وتؤكد، وتتمنى». أما القرار الوحيد الذي اتخذته اللجنة فهو إحالة قرارات المجلس الوطني إلى حكومة السلطة الجديدة لتعمل على تنفيذها (!) ما أثار استغراب الكثيرين.
* * *
المجلس الوطني، وإلى جانبه المجالس المركزية، أحالت قراراتها إلى اللجنة التنفيذية. (وحسب دورتي المركزي الـ29 و الـ30، إلى «الرئيس واللجنة التنفيذية» ).
واللجنة التنفيذية منذ دورة المجلس المركزي الـ28 (15/1/2018) أحالت القرارات إلى المجلس الوطني في 30/4/2018.
المجلس الوطني بدوره، صادق على قرارات المركزي، وأدخل عليها تطويرات وإضافات مهمة، وانتخب لجنة تنفيذية جديدة، كلفها بتنفيذ هذه القرارات.
«التنفيذية» بدورها شكلت لجنة جديدة لوضع آليات التطبيق. ثم لجنة ثالثة للغرض نفسه. ثم دعت لدورة جديدة للمجلس المركزي (الدورة الـ29) ناقشت الاقتراحات وصادقت عليها، ثم علقت تنفيذها إلى ما بعد انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث ألقى الرئيس عباس كلمة فلسطين تراجع فيها عن قرارات المجلس الوطني، بالدعوة لمؤتمر دولي، وفك الارتباط بأوسلو، وأعاد تأكيده التمسك بما بات يعرف «رؤية الرئيس» أي كلمة السر، بما معناه « عدم مغادرة اتفاق أوسلو». أما آخر جلسة عقدها المجلس المركزي، فكانت باهتة، محبطة، ليس لديها ما تقوله، سوى إعادة التأكيد على ما تم تأكيده سابقاً، وإعادة التمسك بـ«رؤية الرئيس».
قرار التنفيذية بإحالة قرارات «الوطني» و «المركزي» إلى حكومة اشتيه، فيه عودة إلى المربع الأول. نسف كل المرحلة السابقة، وعمرها على الأقل سنة (هذا إذا تجاوزنا قرارات المركزي في 5/3/2015 التي دعت إلى فك الارتباط بأوسلو) وأوضح إلى أي مدى كانت اللجنة التنفيذية تخفي الحقائق على شعبها، وإلى أي مدى كانت عاجزة عن القيام بالأعباء المطلوبة منها، وكيف، بصفارة من «المطبخ السياسي»، رمت كرة القرارات في حكومة ذات مواصفات لم تعد خافية على أحد.
* * *
حكومة ولدت ولادة قيصرية شديدة التعقيد، وتحمل في ملامحها نتائج هذه الولادة وعلاماتها.
• أكثر من نصفها من فتح (اللجنة المركزية، والمجلس الثوري وكوادر في مجالات أخرى)
• تحدث رئيسها المكلف عن مشاركة 7 فصائل في تشكيلها، ليتبين أنها ثلاثة إلى جانب فتح، واختفى الآخرون بقدرة قادر ودون أي توضيح.
• أدار رئيسها المكلف مشاوراته مع اللجنة المركزية لفتح، أكثر من مشاوراته مع باقي الأطراف الأخرى.
• كان واضحاً منذ لحظة تكليف محمد اشتيه أن الصف الوازن في فصائل م.ت.ف، سيقاطع الحكومة لأنه لا يرى فيها أولوية وطنية، بل خطوة انقسامية، وقدم البديل: حكومة وحدة وطنية للإشراف على انتخابات شاملة.
• وصف أنها تعبير عن «ائتلاف لم يسبق أن رأته حكومة أخرى منذ قيام السلطة عام 1994». هلوسة وتزوير تاريخي وتزييف للواقع ومحاولة لطمأنة الذات، علماً أنها حكومة «فتح المتحالفة مع فتح».
• تعبيراً عن ارتباك ولادتها، أخطأ البروتوكول في تنظيم مراسيم أداء القسم، مما اضطر الحكومة لإعادته مرة أخرى. وهذه سابقة من شأنها أن تثير السخرية والشفقة في آن.
• أدت القسم في غياب اللجنة المركزية لفتح، واللجنة التنفيذية في م.ت.ف، ما طرح تساؤلات، لم تجد من يجيب عنها.
• لم تجد الترحيب من الحالة الفلسطينية. حتى من الفصائل التي قيل إنها ستشارك. ويبدو أن عدم الترحيب من هذه الفصائل دليل حرد.
يبقى أن نسأل: ماذا على هذه الحكومة أن تفعل وأن تنجز:
• القضية الأولى حل مشكلة العجز المالي في السلطة الفلسطينية (أكثر من 800 مليون دولار) في وقت تواصل فيه دولة الاحتلال مصادرة أموال المقاصة.
• حل قضايا قطاع غزة، والعودة عن الإجراءات الظالمة التي اتخذها المطبخ السياسي بحقه. ويمكن أن نستمر في سرد العديد من المهام الاقتصادية والاجتماعية والتنموية وغيرها.
أما سحب الاعتراف بدولة إسرائيل فهذا من صلاحية م.ت.ف، فهي التي وقعت وثائق الاعتراف المتبادل والمنقوص. أي صلاحية اللجنة التنفيذية.
• اتفاق التنسيق الأمني، جرى توقيعه أيضاً باسم م.ت.ف. وليس مع السلطة.
• بروتوكول باريس الاقتصادي جرى توقيعه مع م.ت.ف، وليس مع السلطة.
• مهام رفع القضية إلى الأمم المتحدة، للدعوة لمؤتمر دولي، وطلب العضوية العاملة لدولة فلسطين، وطلب الحماية للشعب والأرض، وإحالة جرائم الحرب إلى المحكمة الدولية، والانتساب إلى الوكالات الدولية المختصة، كلها مهام من اختصاص وصلاحيات اللجنة التنفيذية.
وبناء عليه، كيف نفسر (مرة أخرى) إحالة كل هذه القرارات إلى حكومة مبتورة، تفتقر إلى الإجماع السياسي، يثير تشكيلها خلافات، ويفتح على نزاعات جديدة، سوى أنها محاولة للتهرب من المسؤولية، في وقت يستعد فيه الجانبان الأميركي والإسرائيلي لإطلاق «صفقة ترامب».
بعد جلسة التنفيذية (14/4/2019) من المتوقع أن تنام حتى إلى ما بعد عيد الفطر (أي إلى حزيران – يونيو- القادم) .
وحتى هذا الموعد نقول لكم: «تصبحون على وهم».
> معتصم حمادة