حراسة السيارات في عز موسم الاصطياف في المغرب

إزعاج للمواطنين و احتلال غير مشروع للملك العمومي

أثار موضوع الأداء عن وقوف العربات في الشارع العام جدلا واسعا، حيث انطلقت في السنوات الأخير حملات متكررة في مواقع التواصل الاجتماعي، تطالب بالحد من جشع حراس السيارات، خاصة أولئك الذين يمارسونها بشكل عشوائي، ويعطون لأنفسهم الحق في ابتزاز المواطنين والتعامل معهم بعدوانية وعنف. فيما يرى البعض أن “الباركينج” في المغرب يعتبر ملاذا لطبقة اجتماعية باحثة عن فرصة للعمل، إذ أن جزء من الشباب العاطل في المغرب يلتجئ “للجيلي” الأصفر من أجل كسب مدخول “متواضع”.

وظاهرة حراس السيارات، وانتشارها في عدد من شوارع المغرب، أصبحت لافتة للنظر بشكل غير مسبوق. ويعود ذلك بالأساس إلى الظروف الاجتماعية التي تمر منها عدد من الفئات نتيجة قلة فرص الشغل والهجرة القروية والهدر المدرسي

ومن أجل معاينة الوضع على أرض الواقع، طرحنا المشكل على بعض المواطنين، فصرح محمد، لبيان اليوم، أنه تعرض للابتزاز مرارا من طرف أصحاب “الجيلي الأصفر” بشوارع الدار البيضاء، حيث أنه في أحد المرات، اضطر لدفع 150 درهم لأحدهم بدعوى أنه اضطر لتغيير مكان السيارة إلى مكان أكثر أمانا.

أما عائشة وهي مواطنة بيضاوية أيضا، فقد حاولت العمل بالتسعيرة التي قررها المجلس لكنها تعرضت للعنف من طرف حارس غير مرخص.

 بينما يقول مصطفى “أنا ليست لدي مشكلة في التعاون مع هذه الفئة الهشة”، وأضاف متحدثا عن حارس حيه: “عبدالله يعيش حياة مزرية، فأمه مريضة ووالده رجل كبير في السن وله أخوات كذلك، ونحن نساعده هنا في الحي مقابل حراسة سيارتنا ليلا”.

بجانب ظواهر العنف هذه، فإن المواطنين اللذين لا يرفضون هذا الابتزاز يضطرون لدفع ثمن “الباركينج” قبل توقيف السيارات بدعوى “خويا/ ختي، خلصني بغيت نمشي”، مما يبين أن أصحاب “الجيلي” الأصفر لا يتحملون مسؤولية السيارة التي يتقاضون أجر حراستها، مما يطرح السؤال ” من يتحمل مسؤولية سيارات المواطنين المغاربة والأجانب داخل مواقف السيارات العامة؟”.

وفي دراسة كشف عنها المركز المغربي للمواطنة بخصوص الممارسات الأكثر إزعاجا وتضييقا على المغاربة في الفضاء العمومي بالمغرب، جاءت مضايقات حراس السيارات للمواطنين والمواطنات في صدارة الترتيب بنسبة 17,2 في المائة، وتتفشى هذه الظاهرة السلبية أساسا بجهات الدار البيضاء سطات، وطنجة تطوان الحسيمة، ومراكش آسفي.

قطاع يدر الملايير

يدر  سوق “حراس السيارات”، 300 مليار سنتيم سنويا، لكون أزيد من 4 مليون سيارة تتنقل يوميا في المغرب وبالتالي فأصحابها يؤدون ثمن ركن سياراتهم و الذي يتراوح ما بين 2 و 5 دراهم في اليوم الواحد.

 وإذا افترضنا أن 4 مليون من سائقي السيارات التي تتنقل يوميا بالمغرب يؤدون فقط 2 دراهم يوميا، فمعناه أن السوق تدر 8 مليون درهم يوميا، و 240 مليون شهريا و تصل إلى 3 ملايير درهم سنويا، و هو ما يمثل حوالي 13 في المائة من ميزانية وزارة الصحة لسنة 2022.. ومن المنتظر أن يرتفع هذا المبلغ نتيجة أن فاقم ظاهرة حراسة السيارات  نتيجة للتأثير المباشر للأزمة العالمية التي يتأثر بها المغرب على عدد من القطاعات الاقتصادية، وبالتالي فتواجد هذه الفئة في الشوارع وطريقة استخلاصها لواجبات الوقوف ستخلف مزيدا من الاحتكاك مع المواطنين..

حراس السيارات يهددون السياحة الوطنية

وبالنظر إلى هذه المناطق الثلاث نجد أنها مناطق سياحية بامتياز، وبالتالي فإن تفشي ظاهرة الإبتزاز والعنف فيها هو ضرب مباشر للمجال السياحي خاصة خلال موسم الاصطياف.

وتعرف المناطق السياحية في المغرب خصوصا الشاطئية منها والجبلية خلال موسم الاصطياف تحول بعض المناطق العامة إلى مواقف سيارات خاصة تحت حراسة مجهولين من دون رخصة، أو أصحاب الرخصة من الجماعات الذين لا يتناسبون دائما مع مواصفات تحق لهم الحصول على الرخصة، أو شركات خاصة تتعاقد مع الجماعات الحضرية والقروية، في حالة من  الفوضى وغياب المشروعية.

وبهذا تعتبر مشكلة مواقف السيارات في المغرب مؤثرا سلبيا رئيسيا على السياحة الداخلية، فكيف يعقل أن يضطر المواطن الضعيف أو المتوسط إلى دفع مبلغ 50 درهم من أجل ركن سيارته في مكان عام في مراكش، ناهيك عن المناطق الأكثر اكتظاظا في المغرب التي يرتفع فيها المبلغ خصوصا منها الشاطئية، كشاطئ أكادير وشاطئ الجديدة وشاطئ سيدي بوزيد وشاطئ الواليدية، وشاطئ الشهدية، وشاطئ مارتيل وشاطئ مولاي بوسلهام وشاطئ الدالية وشاطئ بليونش…

ومع بداية عملية “مرحبا” التي تستقبل المغاربة المقيمين في الخارج، لا يمكننا أن نتناسى معالجة مشكلة “الباركينج”، في المغرب، الذي يتم خلاله ابتزاز الأشخاص بدفع مبالغ مقابل توقيف السيارة في أماكن عمومية، مبالغ لا علاقة لها بما تنص عليه قرارات الجماعات، على الأقل في غياب لقوانين تجزر أي تجاوزات.

هذا الإشكال يمتد صداه إلى السياح الأجانب، مع بداية موسم الربيع لكل سنة، لكنه قد تفاقم على غير عادة خلال موسم الاصطياف الأول بعد أزمة “كوفيد” بالمغرب والعالم، حيث تعم منصات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات ل “أصحاب الجيلي الأصفر” خلال عمليات ابتزاز، ونصب، واحتيال على المغاربة والأجانب، في ظل تساؤلات عميقة حول أحقية هذه الفئة، وترخيصاتهم، دون أن ننسى القوانين والقرارات التي تنظم مواقف السيارات في المغرب، بذلك تكون مشكلة “الباركينج” نقطة سوداء في عملية استقبال السياح المغاربة والأجانب.

تدخل لم ينه المشكل

وكان مسؤول حكومي قد كشف، شهر في يونيو من السنة الماضية، أن السلطات الإقليمية تعمل على عقد اجتماعات حول مسألة تنظيم مواقف السيارات؛ وذلك تفاعلا مع الجدل الذي أثير في المغرب بشأن “ابتزاز” “وجشع” بعض الحراس لأصحاب السيارات.

وأوضح المسؤول في جوابه عن سؤال “غياب إطار تنظيمي لمهنة حراسة السيارات”، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب، ، أن مسؤولية تدبير هذا الموضوع تعود إلى الجماعات صاحبة الاختصاص القانوني، مشيرا إلى تحرك السلطات الإقليمية بمعية مختلف المتدخلين من أمن وطني ودرك ملكي وسلطات محلية من أجل “اتخاذ التدابير وتكثيف المجهودات بغرض مواجهة كل فعل من شأنه أن يخل بتنظيم السير والجولان بشكل عام”.

وتابع المسؤول الحكومي أن حراسة السيارات تدخل في إطار الاحتلال المؤقت للملك العمومي، والذي يخضع لمجموعة من القوانين والأنظمة، لا سيما القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الذي خول لها صلاحيات تنظيم واستغلال الملك العمومي المؤقت بشكل عام.

وأشار إلى اتجاه مجموعة من الجماعات إلى بلورة تجارب عصرية لتدبير وقوف العربات في المرافق العمومية عن طريق شركات تنمية محلية أو تدبير مفوض، مردفا أن هذه “الآليات العصرية بدأ تطبيقها في بعض المدن الكبرى، وأصبح معها القطاع منظما وتم الحد من تطاول بعض أشخاص بصفة غير قانونية”.

وتابع المسؤول الحكومي، في جوابه، أن هذه الخطوة مكنت من إعطاء الفرصة لتشغيل هؤلاء الحراس لفائدة شركات مهيكلة

التنظيم القانوني

وبالحديث عن الباركينج فنحن أمام ثلاثة أصناف، فالأول يكون بمقتضى عقد إسناد من طرف الجماعات للشركات الخاصة “رخصة مدفوعة الضرائب” كشركة “صوماجيك” بطنجة، وصنف ثاني وهو الرخصة التي تمنح لأشخاص مدنيين تتوفر فيهم شروط ومعايير خاصة “مدفوعة الضريبة أيضا”، أما عن الصنف الثالث فيتعلق بأشخاص لا يتوفرون على رخصة لمزاولة هذه المهمة.   

رغم شح النصوص التشريعية والتنظيمية المرتبطة بموضوع الأداء عن وقوف العاربات في الشارع العام، إلا أن هناك القانون رقم 14.113 المتعلق بالجماعات. فالمادة 83 من هذا القانون تخول للجماعة الحق في إحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية اللازمة لتقديم خدمات القرب في ميادين عدة منها السير والجولان وتشوير الطرق العمومية ووقوف العربات.

كما أنه وفي إطار صلاحيات رئيس مجلس الجماعة التي حددها القانون رقم 14.113 في مادته 100، فإن للرئيس الحق في منح رخص احتلال الملك العمومي دون إقامة بناء وذلك طبقا للشروط والمساطر المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وكذا تنظيم السير والجولان والوقوف بالطرق العمومية والمحافظة على سلامة المرور بها.

ويتم تدبير هذه المرافق عن طريق التدبير المفوض أو إحداث شركات التنمية المحلية أو التعاقد مع القطاع الخاص حسب الفقرة 3 من المادة 83 من القانون رقم 14.113. ويتم كراء هذه المواقف انطلاقا من مسطرة طلب العروض التي تتم وفقا لمقتضيات المرسوم 2.12.349 الخاص بتحديد شروط وأشكال صفقات الدولة أو انطلاقا من السمسرة العمومية، وفي كلتا الحالتين فإن ذلك يطبق وفق دفتر تحملات يحدد حقوق وواجبات مسير الموقف، كما يحدد تسعيرة الوقوف.

وبالحديث عن موضوع التسعيرة، فقد خولت المادة 94 من القانون 14.113؛ لرئيس مجلس الجماعة الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بإحداث أجرة عن الخدمات المقدمة وتحديد سعرها.

جدير بالذكر أن مجلس الدارالبيضاء سبق وأن حدد في 2020 تسعيرة الوقوف في درهمين للدرجةت والدرجات النارية،  و3 دراهم للسيارات، و 5 دراهم للحافلات الصغرى والكبرى.

وفي حديث لهم مع بيان اليوم، أكد محمد بورحيم، نائب رئيس جهة الدار البيضاء أن العمل بقرارات مجلس الدار البيضاء الصادر سنة 2020 والذي سعر مواقف السيارات المرخصة، لا زال ساريا للمفعول، ودعا أيضا ساكنة الدار البيضاء لأخذها بعين الاعتبار ورفض أي ابتزاز من مواقف السيارات غير المرخصة وحتى المرخصة منها التي تتجاوز التعريفة المنصوص عليها.  

إلا أنه ومن جانب آخر أكد الدكتور يوسف حنان، المحامي بهيئة الدارالبيضاء، في حوار سابق له مع بيان اليوم أن الرصيف الذي يقع في الشارع العام لا يعتبر ملكا للجماعات، بل هو ملك عمومي، مضيفا أنه ليس هناك أي نص قانوني يمنح الجماعات الحق في كراء الشارع العام، معتبرا أن الرخص التي تصدر في هذا الشأن غير قانونية من أساسها مستندا في ذلك بحجة أن القانون رقم 14.113 يخول للجماعات تنظيم هذه الفضاءات والحفاظ عليها واستخلاص السوم التي فرضها القانون فقط لا أكثر.

ومن أجل الحد من الظاهرة فالسلطات العمومية مدعوة للقيام بالتدابير اللازمة لحماية المواطن، كتعميم لوحات التشوير الطرقي الخاصة بمواقف السيارات، وتعميم لوحات التعريفة الواجب أداؤها في المواقف المخصصة لذلك، ثم مراقبة مدى احترام مسيري مواقف السيارات للالتزاماتهم في دفتر التحملات. 

كوثر الصابري- الحسين الزاعي  (صحفيان متدربان)

Top