فؤاد بن أحمد: التعددية في التراث الإسلامي تقدم ردا قويا على كل أشكال التطرف في العصر الحالي

أكد أستاذ الفلسفة ومناهج البحث بمؤسسة دار الحديث الحسنية، فؤاد بن أحمد، يوم الجمعة الماضي بالرباط، أن التعددية الثقافية واللغوية والدينية التي يحفل بها التراث الفلسفي والعلمي للحضارة الإسلامية تمثل خير رد على مختلف أشكال التطرف السائدة اليوم.
 وقال بن أحمد خلال محاضرة نظمتها مؤسسة المدى-فيلا الفنون بالرباط، حول موضوع “التراث العلمي والفلسفي بصيغة التعدد”، إن مختلف مظاهر التعددية في تراث المسلمين بما في ذلك المتون والأعمال الفلسفية والعلمية المعروفة، يمكن أن تشكل ردا على أشكال التطرف في الفكر والواقع سواء تلك التي تصدر عن المنتمين لهذا التراث أو عن خصومه.
 واستحضر المحاضر في هذا الصدد نماذج من هذه التعددية، مشيرا إلى أن الطبيب الخاص للخليفة عمر بن العزيز، على سبيل المثال، كان يهوديا من أصول سريانية وأول مترجم معروف في الحضارة الإسلامية، تماما مثلما كان المشرف على تربية أبناء الخليفة معاوية بن أبي سفيان هو المسيحي يوحنا الدمشقي الذي كانت له أيضا كتابات ضد الإسلام.
 واعتبر بن أحمد أن التراث الإسلامي ظل محاطا بعدد من الأحكام المغلوطة التي ظلت تختزله في كونه تراثا مختصا في الفقه والحديث ولا يتعداه إلى غير ذلك من العلوم الفلسفية والعلمية، معتبرا أن البحث في هذا التراث سرعان من يفضي إلى تهاوي أحكام كثيرة من تلقاء نفسها.
 وأشار على سبيل المثال إلى احتكاك المسلمين بالتراث العلمي الذي تجلى على مثلا في ترجمة كتب الطب لأبقراط وجالينوس وغيرهم فاق عددها 130 كتابا، ينفي صحة الادعاء القائل بأن المسلمين كانوا رافضين للعلوم اليونانية باعتبارها “علوما برانية”.
 كما أشار إلى علوما مثل النحو وأصول الفقه ما كانت لتأخذ مجراها وتتطور دون الاحتكاك بعلم المنطق، تماما مثلما يصعب الحديث عن علم الأخلاق الإسلامية دون استحضار لعلم الأخلاق كما تناولته الفلسفة، مستحضرا في الوقت ذاته مساهمة علماء مسلمين من العرب وغيرهم، في المسيرة العلمية الإنسانية، من قبيل الرازي وابن سينا وابن الهيثم.
 وعن جدوى البحث التراث العلمي والفلسفي الإسلامي اليوم، قال المحاضر إن قيمة ذلك تنبع من اعتبار أن “هذا التراث ليس جزءا من الماضي فحسب، وإنما هو جزء من المستقبل”، مبرزا أن المطلوب اليوم هو تحويل هذه التركة إلى رأسمال يمكن الإفادة منه، تماما مثلما حدث في أوروبا في القرن التاسع عشر في تعاملها مع الإرث اليوناني.
 وتندرج محاضرة اليوم ضمن سلسلة من ثلاث محاضرات تنظمها مؤسسة المدى – فيلا الفنون بالرباط، يقدمها الباحث بن أحمد وتناقش أيضا موضوعي “المسلمون وبدايات الاحتكاك بالمراكز العلمية والفلسفية” (تنظم يوم 17 فبراير المقبل)، و”الفاعلون السريان في الترجمات العلمية والفلسفية” (10 مارس المقبل).
 وبحسب المنظمين، فإن الغرض من هذه السلسلة من المحاضرات يتمثل في “إظهار المكونات المتعددة التي تفاعلت في ما بينها لتنتج ما يسمى اليوم بالتراث الفلسفي والعلمي لمجتمعاتنا، وإظهار كيف أن الفاعلين في هذا التراث لم يكونوا على مذهب واحد ولا على دين واحد ولا كانوا ذوي لغة واحدة، لكن هذا لم يمنعهم من التواصل مع بقية الفاعلين”.
 وبحسب المصدر ذاته، فإن الأبعاد التربوية لهذه السلسلة تركز على تقديم هذا التراث العلمي والفلسفي في صيغه المتعددة وبأصوله المتنوعة، وعلى تقديم مختلف الفاعلين والمسهمين فيه بمختلف خلفياتهم اللغوية والدينية والثقافية والعرقية، وذلك عبر استهداف فئة الشباب أساسا عن طريق التركيز على التربية على التعدد والتنوع والاعتراف بهما وبدورهما، وترسيخ قيم التفكير النقدي وثقافة الاختلاف.

Related posts

Top