فاطمة الركراكي تغادر دنيانا

رحلت، أمس الاثنين، رائدة المسرح المغربي، الفنانة فاطمة الركراكي، بعد صراع طويل مع المرض.

تعد الراحلة من الفنانات الأوائل اللواتي كسرن الحاجز الذي كان يحول دون ولوج المرأة إلى عالم الفنون وبالأخص التمثيل، بالنظر إلى الطابع المحافظ الذي كان يتسم به مجتمعنا في ذلك الإبان، أي في الخمسينيات من القرن العشرين.

تميزت الفنانة الراحلة فاطمة الركراكي بأداء خاص سواء على خشبة المسرح أو في الدراما التلفزيونية أو في السينما، أداء يغلب عليه طابع التلقائية والانصهار الكلي في الشخصية، حيث أدت ببراعة شخصيات مختلفة، منها ما يتسم بتركيبته الصعبة، لكن بفضل موهبتها وعشقها الكبير للتمثيل، استطاعت أن تقنع في الأداء وتبلغ الرسالة.

لقد كانت مختلف الأدوار التي أدتها تصب في معالجة قضايا اجتماعية ونفسية. لم تمارس الفن لأجل كسب العيش، بل كان هاجسها الأساسي تبليغ رسالة  إلى المتلقي.

واستمرت على هذا النهج إلى أن وافتها المنية عن عمر يناهز الثمانين سنة. عانت في أواخر حياتها من مضاعفات المرض، حيث فقدت بصرها، غير أن ذلك لم يمنعها من تحدي هذه الإعاقة والحفاظ على حضورها الإيجابي في مجتمعنا، حريصة على إيصال خبرتها وتجربتها في الفن والحياة إلى الأجيال اللاحقة.

وفي توثيقه للتجربة الفنية للراحلة فاطمة الركراكي، يقول الباحث أحمد السجلماسي، في مراسلة خاصة ببيان اليوم: “كان دخولها الأولي إلى عوالم المسرح بالصدفة، وذلك بفضل المصور والممثل المسرحي عبد القادر بنسليمان، الذي اكتشفها واقترح عليها الانضمام إلى فرقة “التجديد المسرحي” سنة 1957.
 لم يمر وقت طويل على فاطمة لتندمج مع أعضاء فرقة التجديد وتكتشف أن لها قدرات تشخيصية في حاجة إلى صقل ومزيد من التمرن، وبعد أن تمكن منها عشق أب الفنون وهي لم تكمل بعد عقدها الثاني شاركت في مباراة نظمتها وزارة الشبيبة والرياضة لاختيار ممثلين وممثلات من أجل تكوين فرقة للتمثيل. نجحت الركراكي في الاختبار. وبعد عدة تداريب شاركت في مسرحية “عمايل جحا” التي يمكن اعتبارها بمثابة الانطلاقة الفعلية والحقيقية لمسيرتها في التشخيص .

 وبعد توقف هذه الفرقة، التحقت بفرقة المعمورة الشهيرة،  وكان أول دور لها معها في مسرحية “أهل الكهف” لتوفيق الحكيم، وتلته أدوار أخرى إلى جانب ممثلين ومخرجين كبار من عيار الطيب الصديقي، وأحمد الطيب لعلج، ومحمد سعيد عفيفي، وآخرين .

إن هذا الحضور المسرحي المستمر كان يوازيه حضور لا يقل أهمية في أعمال إذاعية مع فرقة التمثيل التي كان يشرف عليها رائد المسرح الإذاعي بالمغرب الأستاذ عبد الله شقرون، وفي أعمال تلفزيونية، نذكر منها: أفلام “آخر طلقة” (1995) لعبد الرحمان ملين و”أمواج البر” (2001) من إخراج محمد إسماعيل و”للأزواج فقط” (2008) و”يما” (2013) لحسن بنجلون (فازت فاطمة الركراكي عن دورها في هذا الفيلم  بجائزة أحسن ممثلة في الدورة الثانية لمهرجان مكناس للفيلم التلفزيوني) والسلسلة التلفزيونية الفرنسية البلجيكية “أرض النور” ( 2008 ) للمخرج الفرنسي من أصل أوكراني سطيفان كورك . …
أما السينما، فكان لفاطمة الركراكي أول لقاء معها سنة 1960 من خلال تشخيص دور البطولة في الفيلم القصير “من أجل لقمة عيش” من إخراج العربي بناني، وبعده، ببضع سنوات، شاركت في أول أعمالها الأجنبية وهو فيلم قصير كذلك من إنتاج ألماني فرنسي أخرجه جيمس هاستون سنة 1964 تحت عنوان ” شهر عسل بالمغرب”.

بعد هذين الفيلمين القصيرين توالت الأفلام واختلفت الأدوار، ومن مكونات الفيلموغرافيا السينمائية للممثلة فاطمة الركراكي، نذكر العناوين التالية للأفلام المغربية والأجنبية الطويلة التي شاركت فيها: “شمس الربيع ” ( 1969 ) للطيف لحلو و”السراب ” ( 1979 ) لأحمد البوعناني و”غراميات” ( 1986 ) للطيف لحلو و”كريستيان” ( 1989 ) لغابريال آكسيل، وهو فيلم درامي من إنتاج دانماركي إيطالي شارك فيه من الجانب المغربي عبد الله العمراني ونزهة الركراكي وعبد القادر مطاع وفاطمة الركراكي وآخرين ، و”ياريت” ( 1994 ) لحسن بنجلون و”أنا الفنان” (1978 – 1995)  لعبد الله الزروالي و”المقاوم المجهول” ( 1995 ) للعربي بناني و”وداعا أمهات” ( 2007 ) لمحمد إسماعيل و ” جوق العميين ” (2014) لمحمد مفتكر …

 تغمد الله الفقيدة بواسع رحمته.

عبد العالي بركات

Related posts

Top