في الحاجة إلى العدالة الطاقية

قررت الحكومة الأسبوع الماضي، تقديم دعم لمهنيي النقل بهدف “الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين”، في ظل الوضع الراهن الذي يتسم بارتفاع أسعار المحروقات على المستويين الوطني والدولي -المستوى الدولي الذي يؤخذ بعين الاعتبار في الزيادات فقط ويتم تجاهله فترة الانخفاضات-، في محاولة جديدة منها لحجب حقيقة الاحتقان الاجتماعي الذي أصبح يعيشه المواطنون المغاربة بمختلف مستوياتهم الاجتماعية، وتصريف الأزمة بعيدا عن أساسها الحقيقي.
لا غرو أن هذا الدعم سيكون له أثر نوعي مباشر على فئة عريضة من المجتمع -مهنيو النقل-، وبشكل غير مباشر على باقي مكونات المجتمع إن تم التفاعل معه بشكل إيجابي، من خلال تخفيض كلفة نقل المسافرين وأيضا البضائع وبالتالي انخفاض تكلفة المعيشة، لما يلعبه النقل من دور محوري في تحديد أسعار المواد الاستهلاكية -وهي النتيجة المستبعدة نظرا لارتفاع تكلفة إنتاج هذه المواد خلال السنوات الأخيرة للعديد من الاعتبارات من بينها ارتفاع أثمنة المحروقات-، إلا أن هذا القرار ورغم الأثر المنتظر منه فإنه يظل بعيدا عن الحلول الجذرية، فالمواطن البسيط الذي يمتلك سيارة أو دراجة نارية خاصة، يستقلها إلى عمله، أو قضاء أغراضه، بات بين مطرقة أقساط قرض سيارته/ دراجته الخاصة وسندان أسعار البنزين الحارقة لن يستفيد من هذا القرار.
وبالأرقام، أكثر من 4 ملايين مركبة تتجول فوق التراب الوطني، ما يقارب 3 ملايين منها تعود ملكيتها للخواص، حسب آخر التقارير لوزارة التجهيز والنقل سنة 2019، بمعنى أن 3 ملايين مغربي ستستمر معاناتهم مع الارتفاعات الصاروخية للمحروقات، لذلك فهذا الدعم يبقى في الأخير من المواطن وإليه، سيؤخذ من جيبه في محطات البنزين -على شكل الزيادات غير المنطقية-، ليذهب إلى جيوب لوبيات النقل الطرقي بكل أصنافه وقلة من المهنيين البسطاء، ليعود إليه -إن عاد- على شكل “تخفيض في أسعار المواد الاستهلاكية والتنقل” أو بالأحرى الحفاظ على قيمتها الثابتة خلال الأسابيع الماضية دون الرفع منها -وهذا هو الاحتمال الوارد جدا نظرا لأن الارتفاعات تعود للعديد من الأسباب وليس المحروقات فقط كما تم الإشارة إليه آنفا-.
ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه، ألم يحن الوقت للقطع مع هذه الحلول الترقيعية والمرحلية، التي لا هدف يرجى منها غير إبعاد المشاكل عن سياقها الأساسي، خدمة لأجندات لوبيات المحروقات، وبالتالي ضرورة نهج سياسات عمومية، تلائم الوضع المعيشي الراهن، الذي يشهد منذ سنوات ارتفاعا متباينا لمستوياته من سنة لأخرى.
ثم إن حكومتنا اليوم، تفضل غض الطرف عن المشكل الحقيقي في قطاع المحروقات، والمتمثل في تصفية شركة “لاسامير” التي كانت تقوم بتحويل المحروقات الخام، وتعمل ككابحة في يد الدولة للصدمات الخارجية والداخلية في أسعار المحروقات، قبل أن يتم في ظروف غامضة تصفيتها، وبذلك تقديم بيضة تبيض ذهبا لشركات المحروقات المحتكرة، ليزداد تحكمها في الأسعار كما تشاء دون رقابة، بعيدا كل البعد عن أسعار السوق الدولية.
لذا نكرر ونعيد القول إن إقبار “لاسامير”، كان أكبر خطأ، مما يؤكد ضرورة التفكير بجدية في مصلحة الوطن، من خلال إعادة تشغيل هذه الشركة الوطنية، حماية لجيوب المواطنين وقدرتهم الشرائية، على الأقل فيما يهم هذه المادة الحيوية التي تؤثر على حياة المواطن بشكل يومي.
من جهة أخرى، وفي سياق غلاء المستوى المعيشي للمواطن، فقد أصبح لزاما اليوم التفكير في العاطلين، من خلال تخصيص ميزانية سنوية محترمة لهم، تمكنهم على الأقل من العيش الكريم في أدنى مستوياته إلى حين إدماجهم في فرص الشغل على قلتها، دون أن ننسى أنه من غير المقبول في ظل هذا التطور المتسارع للمستوى المعيشي، أن تبقى قيمة الحد الأدنى للأجور ثابتة في 14.81 درهما للساعة، والأمر سيان بخصوص التعويضات الأسرية وغيرها التي وجب الرفع منها.
إن إرادة دعم القدرة الشرائية لكافة المواطنين، تقتضي من الحكومة نهج سياسة حقيقية من خلال التفكير في دعم مباشر للمواطن ولقدرته الشرائية، بدل هذا الدعم الفئوي الذي تستفيد منه القوى الرأسمالية بدرجة أولى فيما يبقى الفتات فقط للبسطاء.
فإذا أثر ارتفاع المحروقات على شركات النقل الكبيرة التي ستحصل على النصيب الأكبر من الدعم لا محالة -التي في الأصل يحصل أغلبها على المحروقات بسعر تفضيلي-، فما بال المواطن البسيط الذي همه الوحيد أن ينهي الشهر بنتيجة متكافئة بين حاجياته الأساسية وأجرته الهزيلة؟!
وأخيرا، ننوه إلى دور مجلس المنافسة -الهيئة الدستورية- من خلال تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، وتحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار، وسبق أن أبرز في تقاريره وجود تواطؤ بين هؤلاء المحتكرين، وطالبهم بأداء نسبة من أرباحهم، لكن لم يعرف طريقه لبلوغ النتائج المرجوة وإرجاع هذه الأموال التي استفيد منها بشكل غير مستحق وغير قانوني، مما يقتل مبادئ العدالة التوزيعية وبالتالي العدالة الاجتماعية.

عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top