تأكد وقوف العالم مشدوها شبه عاجز أمام الجائحة التي تحدت أحدث تكنولوجيا العصر وأرقى مختبراتها.
ويبدو أن العالم قد ضاقت به السبل مهما رحبت، حتى أضحى يتعلق بخيوط العنكبوت ويراها حبل النجاة السميك.
وكم تعددت هاته الحبال بتعدد مصادرها من كل الثقافات والمواقع، من مشارق الأرض ومغاربها، حيث لا تمر ساعة إلا وخرج على الناس متحدثون يعلنون اكتشاف الدواء المنتظر .
ولعل أبرز مشروع دواء، كان من اقتراح الرئيس الأمريكي، ترامب، الذي طالب الخبراء بحقن رئات المصابين بالكوفيد، بسوائل التعقيم – ما دامت تقضي على الفيروس في الأيدي -، ودليله هو أنها (المعلمات) ستقضي على ما سكن الجيوب العاتمة في الصدور والحناجر من فيروسات، ما دامت تقضي عليها وهي في الأيادي.
وفي اليومين الأخيرين، تناقلت وسائل الإعلام بقوة، خبر انكباب خبراء على الحسم القريب في استعمال التدخين ضمن البروتوكول العلاجي من الفيروس القاتل، بعد تجارب مشجعة ولو نظريا.
نعم، هكذا هي الأمور تسير في أزمنة الحيرة والارتباك الناتجين عن هول الصدمة وارتفاع منسوب العجز أمامها في ذات الآن.
فقريبا جدا تنطلق التجارب على عينات من المصابين في فرنسا الراقية المتقدمة، حيث سيتحول النيكوتين العدو القاتل إلى مشروع دواء صديق، قد يكون ناجعا.
وإذا ما تم تبني وتعميم هذا البروتوكول، فإننا سنكون حقا أمام مفارقة عبثية، ضلعها الأول هو الرغبة في العلاج، وضلعها الآخر هو المصالحة مع السيجارة التي حملناها، في الأمس القريب، المسؤولية الأولى في أخطر أنواع السرطان.
وهكذا نستحضر قول أبي فراس الحمداني: “ما أمران أحلاهما مر..”، حيث لا خيار إلا الموت إما بكوفيد أو بسرطان، وهنا يردد المغاربة المثل الشعبي: “لهلا (أصلها اللهم لا) يخيرنا فضرار.
لكن ألا يحق للعالم حين يكون في عنق الزجاجة، أن يلجأ إلى آخر الدواء الذي هو الكي بكل ما يكلف من أضرار أخرى قد لا تقل خطورة عن المرض نفسه ؟!
نعم، إن الضرورة لا بد أن تفضي إلى أصعب الخيارات، وإني أرى الآن الابتسامة التي تعلو ملامح وجوه المدخنين، فالأمر في صالحهم، وسيكون عاملا حاسما في تغيير نظرة غير المدخنين للمدخنين، حيث سيحظى المدخنون بكل الفضاءات، وستقام فضاءات مغلقة لغير المدخنين.
أتصور مشهد الناس في الشوارع وهم يتجمهرون حول المدخنين من أجل التقاط صور معهم، وأتصور الذين كانوا، خلال الحجر الصحي، يجدون حرجا في التدخين داخل البيوت، وقد أصبح الكل الآن يطلب منهم التدخين في كل أرجاء البيت، ففي دخان النيكوتين شفاء.
إنه الكوفيد 19، وحده القادر على تغيير العادات في إطار هدم عالم وإقامة آخر.
لكن – وأنا مع الشروع في استعمال النيكوتين في العلاج من كورونا – لا بد أن يعمل الجميع على فرض الالتزام بتكافؤ الفرص والحق في العلاج، وذلك بعدم التمييز بين المصابين، إذ لا ولن يجوز أن يحقن فلان بتبغ كوبي، وفرتلان بتبغ أمريكي، وعلان بتبغ آسيوي، وقران بتبغ…، و…
فإذا كان التبغ يسبب السرطان – كما أفهمونا زمنا طويلا – فليحقن الجميع بنفس التبغ، وإنها حقا لخطوة عالمية موحدة في ترسيخ حقوق الإنسان.
أرأيتم ماذا فعل في العبد الضعيف الحجر الصحي و تراكم الأخبار المثيرة، حتى ذهبت في اللغو مذهبا أقرب نقطة وصول فيه، هي العودة إلى عادة التدخين بعد زهاء عام من الإقلاع.
الله يفعل فينا خيرا، ولنقل جميعا آمين.
بقلم: عبد المجيد فنيش