أكدت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان على أن جرائم الاتجار بالبشر تعد انتهاكا جسيما لكرامة الإنسان، منبهة إلى التعقيدات والتحدي الذي يواجهه المتدخلون لمواجهتها والمتمثل في صعوبة تكييف جرائم تقع ضمن جرائم الاتجار بالبشر، حيث يسجل وجود عدد من الجرائم التي لازال تدخل ضمن جرائم الاتجار بالبشر.
وقالت آمنة بوعياش، في افتتاح أشغال الندوة التي نظمها المجلس مساء يوم الخميس الماضي، والتي تمحورت حول موضوع” الاتجار بالبشر، أية حصيلة لإعمال القانون”، إن التحدي الذي يواجهه المجلس يرتبط بتكييف جريمة الاتجار بالبشر، معتبرة أن الأمر يحتاج للاجتهاد الفكري والعمل القضائي للتمكن من توسيع رؤيتنا بشكل واضح من أجل ترتيب قضايا تدخل في صميم الاتجار بالبشر وتصبح جريمة واقعة ويتمكن القضاء من تكييفها بشكل سلسل”.
وأفادت أن مديرية التحسيس بالقانون الخاص بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر التباعة للمجلس، وأيضا لجانه الجهوية، قامت بعدة عمليات في إطار مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، الذي يعد أخطر الجرائم التي تسلب إرادة الشخص وكرامته وقراره في الحياة والاختيار”.
ومن جانبها، شددت السعدية وضاح رئيسة اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الدار البيضاء سطات، والتي سيرت الندوة، على الفظاعة التي تمثلها جريمة الاتجار بالبشر والتي تعد أخطر الجرائم لانتهاك حقوق الإنسانية باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، بل تعد من جرائم العبودية المعاصرة، لكون” الشخص المتاجر به تمارس عليه السيطرة من خلال معاملته كشيء ممتلك أي تنزع منه كرامته الإنسانية” وفق وصف وضاح.
هذا وذكرت، خلال تقديمها للمشاركين ولأسباب نزول الندوة، بالمسار الذي قطعه المغرب في مواجهة جرائم الاتجار بالبشر، مشيرة في هذا الصدد، إلى أن المغرب الذي انخرط في منظومة حقوق الإنسان صادق بتاريخ 19 شتنبر 2002 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 وانضم بتاريخ 7 ماي 2009 للبروتوكول المكمل لهذه الاتفاقية الذي يعتبر نقطة تحول ساهمت في التعريف الأول المتفق عليه دوليا للاتجار بالأشخاص.
وأضافت أن المملكة، في إطار ملاءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات التي صادق عليها المغرب، جاء بالقانون 27 /14 المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 25 غشت 2016، أي ما يزيد عن نحو خمس سنوات، ليتم بعد ذلك سنة 2018 اعتماد المرسوم المحدث للجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر والمنصوص عليها في المادة 6 و7 من قانون مكافحة الاتجار بالبشر.
وفي عرضه، وصف، ذ رشيد مزيان، رئيس مصلحة قضايا المرأة والطفل بوزارة العدل، عضو اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات الاتجار بالبشر، جرائم الاتجار بالبشر بكونها جريمة خطيرة، إذ تعد من بين ثالث أكبر الجرائم من حيث العائدات بعد تجارة السلاح والمخدرات”.
قاعدة بيانات وطنية في موضوع الإتجار بالبشر
وأفرد مزيان مداخلته لمضامين القانون 27-14، المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، والذي عزز صدوره الترسانة التشريعية الوطنية، بحيث أصبح المغرب يتوفر على قانون يتضمن تعريف خاص بجريمة الاتجار بالبشر يتماشى والمعايير الدولية خاصة المادة 3 من بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالبشر المعروف ببروتوكول باليرمو.
وأشار إلى المميزات التي حملها القانون الخاص بمكافحة الاتجار بالبشر، حيث جعل الجريمة في حكم الجناية ووضع لها العديد من ظروف التشديد وأقر المسؤولية الاعتبارية كما أقر مجموعة من الجرائم التي تلحق هذه الجريمة أو يمكن أن تقع بمجرد حدوث جريمة الاتجار بالبشر، كما أكد على إلزامية مصادرة الأدوات التي استعملت في هذه الجريمة وعائدات هذه الجريمة.
و لفت إلى أن القانون المغربي نص صراحة على عدم تجريم الأفعال المرتبكة من الضحايا، مادام أن القضاء المغربي قد استقرت قناعته على أن الأمر يتعلق بضحايا لهاته الجريمة، ووضع مجموعة من الضوابط للتعرف عليهم، مشيرا إلى أن المشرع المغربي لم يفرق بين الضحية الأجنبي والضحية المغربي، كما أنه لم يتحدث عن الوضعية الإدارية للضحية الأجنبي، إذ حتى لو كان هذا الأخير” الضحية الأجنبي أي مهاجر في وضعية غير مشروعة “وتبت تعرضه لجريمة الاتجار بالبشر فلا يمكن إلا القيام بتمكينه من مجمل الحقوق المنصوص عليها في هذا القانون.
ومن جهتها، كشفت ذ سارة بنتفريت عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة المنظمة بالمغرب، وهي مسؤولة عن برنامج مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، أن الذكور في منطقة شمال إفريقيا هم الأكثر تعرضا لجريمة الاتجار بالبشر، حيث أنه، وفق الإحصائيات التي تضمنها التقرير السنوي للمكتب الأممي سنة 2018، تم اكتشاف 5 آلاف حالة من الضحايا الذين تم الإبلاغ عنهم، ملفتة بالقول” فما بالك بعدد الضحايا الذين لا يعون أنهم ضحايا “
وأفادت أن الإحصائيات على المستوى العالمي تختلف على مستوى منطقة شمال إفريقيا، فبالنسبة للضحايا على المستوى العالمي سجلت نسبة 50 في المائة من الضحايا تم استغلالهم لأغراض جنسية في حين تم استغلال 38 في المائة في العمل القسري، فيما في منطقة شمال إفريقيا سجلت نسبة 30 في المائة من الضحايا في الاستغلال الجنسي، و30 في المائة في العمل القسري، وباقي النسب تتوزع على الصور الأخرى من جرائم الاتجار بالبشر.
ضرورة إيجاد نموذج لإشراك المجتمع المدني
وأضافت أن الضحايا الإناث، يشكلن المستهدفات الأساسيات على المستوى العالمي، حيث تشكل النساء 46 في المائة والفتيات 19 في المائة، فيما بالنسبة لمنطقة شمال إفريقيا فالضحايا الذكور يفوق عدد الضحايا الإناث، حيث تبلغ نسبة الضحايا الذكور الذي يرتبط استغلالهم بالعمل القسري، كما أن عدد الأطفال مضاعف خمس مرات.
هذا وركزت المتدخلة في بداية عرضها على الحديث عن دور المكتب الأممي والأدوار التي يضطلع بها في إعمال الاتفاقيات الدولية في المجال، والمضامين التي حملتها هاته الأخيرة، حيث يعد البروتوكول المكمل لاتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة أول برتوكول يعطي تعريف لجريمة الاتجار بالبشر، واشارت إلى اوجه التعاون التي تجمع السلطات المغربية بالمكتب والتي تشمل مجالات التشريع والمساعدة التقنية والفنية وتقديم المشورة.
ورصدت خديجة تبان، عضو اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر وهي مكلفة بتنسيق قضايا حقوق الإنسان بالكتابة العامة بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، في مداخلتها التي تمحورت حول الإطار المؤسساتي الوطني، ممثلا أساسا في اللجنة الوطنية لتنسيق إجراءات مكافحة الاتجار بالبشر، التحديات والتي يواجهها الفاعلون في مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، على رأسها ضعف بالوعي بخطورة الظاهرة، ونقص في التكوين لدى المهنيين خاصة مع التعقيد الذي تعرفه الجريمة والتي تتطلب ضرورة إيجاد أدوات لتصنيفها وتكييفها.
ضعف ثقافة التبليغ
كما لفتت إلى تحدي ضعف ثقافة التبليغ، ووجود غموض في مسار رصد ومتابعة الضحية، وأيضا ضعف وعدم وضوح على مستوى مسار التكفل وتوجيه الضحية، بل عدم توفر تشخيص دقيق وتقييم سليم للظاهرة، مشيرة إلى أن الإحصائيات الموجودة غير دقيقة بالنظر للصعوبات المرتبطة بتعريف الجريمة وصعوبة رصد الضحية التي أحيانا لا تعي بكونها ضحية أما خوفا أو جهلا بكونها ضحية”
ويضاف إلى هذه التحديات النقص الحاصل على مستوى المجتمع المدني الذي رغم أنه يحاول الاشتغال على الظاهرة يبقى غير كاف، لأن الأمر يتطلب وجود مجتمع مدني قوي ومتخصص في المجال، كما لفتت إلى عدم توفر استراتيجية واضحة بالبرامج ومخطط ملائم لمكافحة الظاهرة، فضلا عن عدم توفر اللجنة على موارد مالية للقيام بتنزيل أنشطة اللجنة.
وشددت في هذا الصدد أن مكافحة جرائم الاتجار يتطلب وضع خطة وطنية، وإيجاد آليات واضحة لمساندة الضحايا والتعاون في مجال القضاء الدولي، هذا مع الرفع من وتيرة التحسيس والتواصل حول خطورة هذه الجرائم، مع ضرورة التفكير في إحداث مراكز لإيواء الضحايا والتكفل بهم وإحداث آلية لإعادة إدماج الضحايا في المجتمع وإحداث دلائل إرشادية للمتدخلين.
كما دعت إلى ضرورة العمل على تصحيح بعض المغالطات والإقرار أن عدد الضحايا لا يقتصر على النساء والأطفال بل الجريمة تمس الرجال أيضا، والعمل بشكل حثيث من أجل التشجيع على التبليغ وتوفير الحماية للمبلغين ومعالجة الخصاص المسجل على مستوى التكفل بالضحايا والتفكير بإيجاد نموذج خاص لإشراك المجتمع المدني في جميع مراحل مواكبة الضحية في الكشف والحماية والمتابعة.
فنن العفاني