احتضنت المكتبة الوسائطية إدريس التاشفيني بالجديدة، بشراكة مع أصدقاء المكتبة وبدعم من مندوبية الثقافة ومجلس المدينة مؤخرا، لقاء ثقافيا الأديب الحبيب الدايم ربي ضمن سلسلة لقاءات” قهوة وكتاب”.
وبحضور ثلة من المبدعين والمبدعات الذين أثثوا اللقاء وأغنوه بنقاشهم ومداخلاتهم التي رامت بالأساس مساءلة المحتفى به عن إصداراته، وقبل أن تغوص الأستاذة نوال شريف التي تكلفت بتنشيط هذا اللقاء في عالم الكتابة لدى الروائي الدايم ربي، كان لجمهور المثقفين موعد مع كلمة افتتاحية ألقاها بالمناسبة محافظ المكتبة الأستاذ عبد الله السليماني، رحب من خلالها بالحضور الكريم، وأشاد بدور أصدقاء المكتبة الوسائطية في تنظيم مثل هذه اللقاءات الفكرية، كما رحب أيضا بضيف الحلقة الذي لم يتردد في تلبية الدعوة.
ونشطت هذا اللقاء الأستاذة نوال شريف التي قدمت المحتفى به في توطئة استهدفت التعريف بشخص المبدع الدكتور الحبيب الدايم ربي، الذي لم يكن إلا ذاك الروائي الذي ينحدر من أعماق أولاد جرار ضواحي سيدي بنور، ثم عرجت الأستاذة على أهم إصدارته، مرورا بالشهادات التي حصل عليها والجوائز الأدبية التي نالها.
وانتقلت بعد ذلك المنشطة إلى بسط مجموعة من الأسئلة على ضيف ” قهوة وكتاب ” الكاتب الحبيب الدايم ربي الذي اعتبر ما جاء في تقديم الأستاذة نوال شري، مجرد خامات تلقي ظلال الشك على حقيقة الكاتب، معتبرا أن وصفه بالكاتب مبالغ فيه، وأن الإنسان لا يمكن أن نعرفه
بالشهادات التي حصل عليها، وكل هذه التعريفات تبقى طوباوية وميتافيزيقية، وإذا أردت أن أعرف نفسي، فإني بكل بساطة مديني مزيف، وبدوي حقيقي لأني أعيش في المدينة وأحمل القرية في قلبي، وأنا عندما أزور البادية أجد نفسي أنتمي إليها، لأن البادية هي من صنعت الحبيب الدايم ربي،
وأرجع المحتفى به سر تكوين شخصيته الأدبية إلى طفولته التي عاشها في البادية، حين كان يمتهن حرفة بيع الخضر في الأسواق، وهذا الوضع أفاده كثيرا، أكثر مما أفادته الجامعة حين كان يصافح كتب رولان بارت وغريماس وميخائيل باختين، لأن الحياة حسب الدايم ربي لا تكتسب من الكتب أو من الكتابة أو المدرسة، بقدر ما تكتسب من الواقع ومن تم أعتقد أن الكاتب الكبير هو هذا الخلق الذي يحيا داخله، وهو التناغم بين الفرد ومحيطه.
وإذا صح أن ننعت نفسي بالكاتب، فيجب القول إني كنت مضطرا بل لاجئا إلى الكتابة، لأن ما عشناه ونعيشه ضرب من الجنون، والكتابة هي تلك القشة التي وجب التمسك بها، والتوهم بأننا لم نجن ولكننا جننا في الحقيقة.
وعن ثنائية الواقع والخيال في الرواية، ذهب المحتفى به إلى أن هناك سوء فهم للخيال باعتباره مفارقا للواقع، بمعنى أن الواقع والخيال جزء من واقع حياتنا، والكتابة التي تجنح إلى الخيال هي كتابة مهما ارتقت تظل قاصرة، وأن الكتابات الناجحة في الغرب اليوم هي الكتابات الفولكلورية التي ترصد بسذاجة واقعنا العربي الذي لا يسر عدوا ولا صديقا.
وفي معرض حديثه عن الرواية العربية، وكيف لها أن تصل الكونية، أوضح أن مفهوم الكوني أو العالمي يكتنفه نوع من اللبس وجب توضيحه، لأنه حينما نقرأ لماركيز ونعتبره كاتبا كونيا، فالامر لا يعدو أن يكون محليا صرفا، لأن ماركيز من خلال كتاباته يتضح أنه رصد بدقة متناهية محليته الخاصة.
ومحمد شكري كان يعتبر نفسه كاتبا طنحاويا، وهو بذلك كاتب كوني، وأعتقد أن السبيل الوحيد الذي يجعلني أثوق إلى كونية ولا أزعمها، هو أني أنتمي إلى ديور الشعاب بأولاد جرار ضواحي سيدي بنور، وهي حبل الصرة للكون كله بالنسبة لي، لأن كل كونية ينبغي أن تمر من محلية صادقة ومن انسياق وتصالح مع الذات في الزمان والمكان.
وعن مفهوم الأخلاق في الكتابة الروائية، اعتبر الحبيب الدايم ربي روايته “المنعطف” أنها أفسدت أخلاق جيل كامل، لكن مفهوم الأخلاق هذا غير قيمي، لأن رولان بارت يعتبر الكتابة أخلاق الشكل، بمعنى بعيد عن أي حكم قيمة، والرواية العربية من هذا المنطلق تبحث عن أخلاقها الخاصة وعن تشكلها النمودجي، وهو بحث سيزيفي لم يكتمل، لأنه لو صارت الرواية أخلاقية بالمعنى”البارتي” فحتما سنكون أمام نهايتها.
وأظن – يضيف الحبيب- حسب باختين الذي يعرف الرواية بأنها شكل تلفيقي يبحث عن شكل مستمر، والرواية العربية هي الأخرى تبحث عن هذا الأفق أو عن ضوء هارب، وكل عمل يشعر صاحبه بالندم لأنه لم يأخذ أخلاقه نهائيا فيفكر في عمل ثان.
وبخصوص الأجناس الأدبية التي يجد فيها الدايم ربي ذاته، شدد على أنه لا يحب الاصطفاف، ولا يحب أن يكون قاصا أو روائيا أو كاتبا، فكل لحظة تبحث عن تشكلها، فأحيانا يكتب القصة لأنه في وضعية تسمح له بالتعبير بهذا الجنس الأدبي، وأحيانا يحب أن ينساق لمزاج الشعر، وحينما يكون هناك نفس طويل ودفق من الصبر يفكر في كتابة الرواية، وعموما فالاصطفاف -حسب المحتفى به-
يقتل الموهبة لأنه ينمطه ويجمده فكريا.
وفي ختام هذا اللقاء الثقافي بامتياز، فتح باب النقاش أمام الحضور الذي أمطر الدكتور الحبيب الدايم ربي بوابل من الأسئلة، حيث ساد نوع من النقاش المثمر حول إصداراته، وأسلوب السخرية المرة التي وظفها في أغلب كتبه، وخاصة روايته “زريعة البلاد”.
> متابعة: عبدالله مرجان