شكل موضوع “أرشيف العدالة تراث عريق وذاكرة وطنية في خدمة الوحدة الترابية”، محور ندوة وطنية نظمتها، بالعيون، ودادية موظفي العدل بشراكة مع وزارة العدل. وتروم هذه الندوة، المنظمة بمناسبة الذكرى الـ 47 للمسيرة الخضراء المظفرة، والذكرى الـ67 لعيد الاستقلال المجيد، واليوم الوطني للأرشيف، إبراز الدور الذي تضطلع به الوثائق والأرشيف في خدمة الوحدة الترابية، والوقوف على مكانة المراكز الجهوية للحفظ في حفظ الذاكرة القضائية كجزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية.
وأكد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في كلمة تلاها نيابة عنه مدير التجهيز وتدبير الممتلكات بوزارة العدل، مولاي سعيد الشرفي، أن الوثائق القضائية على اختلاف أنواعها، تعد من أكثر مصادر المعلومات موثوقية، بما تتضمنه من أحكام قضائية ومذكرات ترافعية ومحاضر جلسات وخبرات ووثائق داعمة.
وأضاف وهبي، أن الوثائق القضائية تعتبر مصدرا أساسيا من مصادر الذاكرة الوطنية الحية، وتمثل أهم أشكال الذاكرة الجماعية المكتوبة المكونة للهوية المغربية المتنوعة، والتي لطالما كانت محل عناية جلالة الملك محمد السادس منذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين.
وأبرز أن التدبير الجيد للأرشيف لا يعني صيانته وحفظه للتاريخ والذاكرة وتيسير الاطلاع عليه للباحثين والمختصين فحسب، بل اعتباره ركيزة ضرورية للحكامة والمساءلة، بما له من أثر إيجابي على عمل الإدارة وشفافيتها.
وأشار الوزير إلى أن الوزارة وضعت استراتيجية برؤية وأهداف محددة للارتقاء بأرشيف منظومة العدالة كرافعة لترسيخ الهوية المغربية، وتأصيل الذاكرة الجماعية، تقوم أساسا على دعم المراكز الجهوية للحفظ، وإعداد نظم معلوماتية لرقمنة أرشيف العدالة وتطوير قواعد البيانات، وكذا تفعيل وتطوير خدمة الاطلاع عن بعد، ومواصلة تجويد التشريعات المؤطرة لأرشيف العدالة.
من جهته، أبرز الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الرئيس الأول لمحكمة النقض، محمد عبد النباوي، الأهمية البالغة التي يكتسيها موضوع “الأرشيف القضائي” لدى المجلس الأعلى للسلطة القضائية وكل مكونات منظومة العدالة، مبرزا أن واجب الحفاظ عليه هو بمثابة الحفاظ على مقومات العدالة وأسانيدها ووثائقها ومضامينها على مر السنين، بالنظر إلى ما تؤمنه من خدمة للوطن والمواطن.
وأشار عبد النباوي، في كلمة تلاها بالنيابة عنه الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالعيون، ابراهيم بن تزرت، إلى أن الأرشيف القضائي يشكل رصيدا ثقافيا وحضاريا وتراثا وطنيا غنيا ومتنوعا يزخر به تاريخ القضاء في خدمة الوحدة الترابية وحفظ الذاكرة الوطنية للمملكة بمعانيها ودلالاتها وحمولتها وأبعادها.
وأكد أن التذكير بأهمية حفظ الأرشيف القضائي وتأهيله، لما يزخر به من محفوظات ووثائق ومستندات متنوعة وهامة، ولما يعقد عليه من واجب خدمة العدالة وقضاياها كمدخل لخدمة الوطن والمواطن، ستتبعه، لا محالة، استحضار العلاقة الجدلية الوثيقة بينه وبين موجبات حسن سير العدالة وحماية الحقوق والمراكز القانونية، مبرزا أن ذلك جعل هذا الورش الهام في صلب اهتمام المؤسسات المشرفة على الشؤون القضائية.
وأضاف عبد النباوي، أنه بالنظر إلى ما تحظى به محكمة النقض من مكانة واعتبار كأعلى هيئة قضائية بالمملكة وما تضطلع به من مهام قضائية ومبادرات دبلوماسية موازية، تم الحرص على توفرها على متحف خاص بحفظ الذاكرة القضائية، مشيرا إلى أن هذا المتحف يزخر بوثائق ومخطوطات وأحكام قضائية تليدة تعبر عن أصالة القضاء المغربي وتاريخه العريق وما يعكسه من ثقافات متنوعة ويجسده من روابط تاريخية صريحة ومتينة بين سكان الأقاليم الصحراوية والملوك العلويين.
من جانبه، أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، مولاي الحسن الداكي، أن التحولات التي عرفها العالم أظهرت مدى الحاجة اليوم إلى العناية بالوثيقة الأرشيفية، باعتبارها مصدرا مهما للمعلومة التي يمكن استثمارها في تحليل وقائع الماضي، واستشراف المستقبل.
وأضاف الداكي، في كلمة تلاها بالنيابة عنه الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالعيون، محمد الراوي، أن الأرشيف القضائي يشكل رأسمالا لاماديا ذا قيمة قضائية وقانونية وحقوقية، وشاهدا ينطق بكل ما تقوم به السلطة القضائية بمختلف مواردها البشرية، من خلال ما تم أو يتم إصداره من مقررات قضائية وما يتم تداوله من ملفات وسجلات ومستندات.
وأشار في هذا الصدد، إلى إحداث لجنة الأرشيف القضائي ولجان أرشيف المحاكم بناء على القرار المشترك بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة، الذي أوكل للجنة الأرشيف القضائي اتخاذ جميع القرارات المتعلقة بالتدبير المشترك لأرشيف المحاكم، مضيفا أن هذا القرار أناط أيضا بلجان أرشيف المحاكم مهمة اتخاذ التدابير اللازمة لتنظيم الأرشيف داخل المحاكم والسهر على حسن تدبيره، وكذا احترام الآجال المحددة في الجدول الزمني للحفظ.
بدوره، أبرز المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، أهمية الأرشيف والوثيقة كمصدر من مصادر التاريخ الأكثر وثوقية وصدقية وحجية دحضا أو تأكيدا، مضيفا أنها تشكل أداة للدفاع عن الهوية المغربية والثوابت والمكتسبات الوطنية، مما دفع المغرب إلى إيلائها كامل العناية في جل معاركه الدبلوماسية وعلى وجه التحديد عند تجند مثقفيه بمختلف خلفياتهم المعرفية، والسوسيولوجية والقانونية والتاريخية للدفاع عن القضية الوطنية لإعداد ملف الصحراء المغربية أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي سنة 1975.
وأشار الكثيري، في كلمة تليت بالنيابة عنه، إلى أن البحث التاريخي والتوثيق والتأليف لأمجاد وروائع الكفاح الوطني والتحريري، يشكل ورش عمل مفتوح ومتواصل أثمر تراكمات في الكتابة التاريخية والتدوين والتوثيق لمتون وأسفار الذاكرة التاريخية الوطنية والجهوية والمحلية، المشهود بجدارتها وقيمتها المعرفية والعلمية، وفي مقدمتها مشروع موسوعة الحركة الوطنية والمقاومة وجيش التحرير بالمغرب.
وذكر بأن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، وفي إطار انفتاحها على الجامعات المغربية، أصدرت هذه السنة مؤلفا بعنوان “مجتمع فضالة من خلال العقود والسجلات العدلية 1930 1956م”، بالإضافة لمجلة الذاكرة الوطنية التي بلغت أعدادها الأربعين، وكذا الأطاريح الجامعية والتأليف والمصنفات الجامعة لأشغال الندوات والملتقيات العلمية التي قاربت الـ 608 عنوانا.
أما رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، آمنة بوعياش، فأكدت، من جانبها، أن وحدة حفظ الذاكرة، التي أحدثت لدى رئاسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، تشكل فضاء للتفكير والبحث الموضوعي في القضايا التي تهم التاريخ الراهن وامتداداته، وآلية لدراسة مجالات وأشكال حفظ الذاكرة والاهتمام بالتاريخ الراهن، واقتراح توصيات لتفعيلها من طرف المؤسسات المعنية.
وأبرزت بوعياش، في كلمة تلاها بالنيابة عنها عضو المجلس، المصطفى المريزق، أن هذه الوحدة التي يندرج إحداثها في إطار تفعيل أشغال لجنة متابعة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ذات الصلة بحفظ الذاكرة والاهتمام بالتاريخ، تهدف إلى الانكباب على النهوض بالتاريخ الحقوقي المغربي بكل روافده ودعم إعماله في المناهج والمقررات التعليمية، في أفق تفعيل استراتيجية واضحة ومتكاملة تعكس مسار التطور الذي يعيشه المشهد الحقوقي في المغرب، والمساهمة في بناء الديمقراطية وانغراس حقوق الإنسان في الدولة والمجتمع.
وتضمن برنامج هذه الندوة، تقديم عدة مداخلات تمحورت حول “أرشيف المجلس الأعلى للسلطة القضائية آلية لحفظ الذاكرة القضائية “، و”دور الوثائق في خدمة الوحدة الترابية”، و”حفظ الذاكرة التاريخية الوطنية بما تمثله من رمزية ودلالات تجسد انتصار إرادة العرش والشعب والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية”، و”دور المراكز الجهوية للحفظ في حفظ الذاكرة القضائية كجزء لا يتجزأ من الذاكرة الوطنية”، و”الأرشيف الوطني في خدمة الوحدة الوطنية والترابية للمملكة”، بالإضافة الى زيارة لفضاء الذاكرة القضائية بالمركز الجهوي للحفظ بالعيون.