حين نقوم بالبحث عن موقع الفكر والأدب ضمن خريطة برامج قنواتنا: الأولى والثانية والمغربية والرابعة والأمازيغية.. يتجلى لنا مدى التهميش الذي يشكو منه هذا القطاع بالرغم من دوره الحيوي.
ليس هناك توازن على مستوى البرمجة، ففي الوقت الذي نجد فيه المسلسلات الدرامية والهزلية والبرامج الترفيهية.. تحتل حيزا معتبرا، سواء خلال البث الصباحي أو المسائي أو الليلي، بشكل يومي، لا نكاد نعثر على برنامج أدبي أو فكري سوى مرة واحدة في الأسبوع أو نصف الشهر، بصرف النظر عن قيمة هذا البرنامج الذي عادة ما تكون مدته الزمنية جد ضيقة، تعكس مدى الشعور بالضيق الذي ما فتئ يحس به المسؤولون عن البرمجة تجاه كل ما يشكل جانبا من التوعية والرقي بالذوق لدى المتلقي.
هناك اعتقاد سائد بأن كل ما يتعلق بالفكر والأدب، فهو مرتبط بالضرورة بنخبة محدودة من الجمهور، ولا شك أن هذا ما يجعل المسؤولين عن البرمجة يحرصون على تخصيص حيز زمني جد قصير للمجال الآنف الذكر، والعناية في مقابل ذلك بالبرامج التي يفترض أنها تستقطب اهتمام قطاع واسع من المشاهدين، على اعتبار أن البرمجة التلفزية ذات صلة بجلب المواد الإشهارية التي تحقق التوازن المالي لهذه القناة أو تلك.
إن نسبة كبيرة مما يتم برمجته على مدى الأسبوع، هو مجرد إعادة بث لبرامج سالفة، أغلبها لم يمر على زمن عرضه أكثر من سنة، ماذا يعني هذا؟ هناك إهدار فاضح للمساحة الزمنية اليومية للبرمجة، بعض البرامج يعاد بثها بحذافيرها بشكل يومي، هذا العطب يذكرنا بتلك الأسطوانات التقليدية، من قبيل اثنين وعشرين لفة التي كانت تسقط في التكرار كلما أصابها خدش، كل هذا ينطوي على تفسير واحد، هو أن المسؤولين عن البرمجة يفتقدون لمنهجية دقيقة في العمل، الشيء الذي جعلهم يتركون الحبل على الغارب.
كان يمكن جدا أن تكون البرمجة التلفزية وازنة، وأن يحظى مجال الفكر والأدب بحصة زمنية معقولة، إذا استحضرنا الطاقم البشري الذي يعمل في كل قناة من تلك القنوات على حدة، والذي له راتبه الشهري القار، مقابل العمل الذي يؤديه والذي لا نجد له انعكاسا على الشاشة، الشيء الذي يدل على أن هناك كفاءات معطلة ومجمدة، أو لا تعدو أن تكون شبحا بكل بساطة.
التلفزة المغربية بمختلف قنواتها بحاجة إلى رجة قوية لأجل وضع البرمجة التلفزية على السكة الصحيحة، ينبغي استغلال الطاقات البشرية التي تتوفر عليها من أجل إنتاج برامج متجددة،علما بأن هناك نقصا حادا ليس فقط في البرامج الفكرية والأدبية، بل في غيرها من المجالات.
لا يعقل أن ثلاثة أرباع الحصة الزمنية اليومية للبرمجة تهدر في المسلسلات الدرامية والهزلية والبرامج الترفيهية المسلية المكرورة والمتجاوزة.
بعضها ما كان ينبغي استيىراده وعرضه علينا، بل كان من الممكن أن ننتج أفضل منه ونقوم بتصديره.
هذا يتطلب طبعا تدبيرا جيدا للموارد المالية، سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار مداخيل الإشهار والاقتطاع الضريبي المفروض على المشاهدين سواء كانوا يشاهدون هذه التلفزة أم كانوا لا يشاهدونها بالمطلق.
وإلى جانب هذا التدبير الجيد للموارد المالية، لا بد من أن يكون هناك تدبير جيد كذالك للموارد البشرية، الشيء الذي الذي تفتقد إليه تلفزتنا بالرغم من أنها عمرت أكثر من نصف قرن.
< عبد العالي بركات
