محمد الدرويش يوجه رسالة مفتوحة إلى رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط

تحية وسلاما،
أما بعد،
ترددت كثيرا في مخاطبتك عن طريق هاته الرسالة المفتوحة، كما احترت في نوعها، وتوقيتها، ولكن الشيء الوحيد الذي لم يثر عندي أي سؤال هو مضمونها، خصوصا حين علمت ان لمجموعة كبيرة من الأكاديميين والفاعلين الاجتماعيين نفس الإحساس والرأي والقناعة، وذلك انطلاقا مما بلغته علاقة الرئاسة ببعض مؤسسات الجامعة وأساتذتها وكذا ما قد يكون حصل بها من تراجع في مجموعة من المشاريع والبرامج..

السيد الرئيس،
لا أريد أن أعود إلى ما يقارب السنتين تقريبا، أي لفترة قبيل الإعلان عن فتح منصب رئيس جامعة محمد الخامس، ولا أود أن أثير من جديد ما صاحب تلك الفترة من القيل والقال، أثبت الزمن بعدها صحة ما تم ترويجه، ولا أريد أن أذكر بالفراغ الذي ظل قائما مدة من الزمن، رغم أن السيد وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي جدد تعيين الأستاذ عبد الحنين بلحاج ثلاث مرات لسد الفراغ، ولا أريد أن أذكر كذلك برحلات الصفى والمروة التي نظمت إلى جهات معينة ، ولا أود أن أضع يدي على جروح النظر وإعادة النظر لأساتذة أجلاء رشحوا أنفسهم لهذا المنصب، ولن أعود لما صرحت به لإحدى المواقع بوجه مكشوف بشأن هذا الموضوع إذ قلت أن الذي سيعلن عنه رئيسا لهاته الجامعة معروف في وسط بعض الأساتذة والمسؤولين أشهر قبل تكوين اللجنة واصفا العملية برمتها بالعبث مع التقدير والاحترام الذين أكنهما شخصيا لأغلب أعضاء اللجن..

السيد الرئيس،
عادة لا أحب الرجوع إلى الماضي، لكن ما يحصل اليوم في جامعة عريقة احتضنت منذ تأسيسها من قبل جلالة الملك محمد الخامس سنة 1957 إلى الأمس القريب كبريات التظاهرات العلمية كما أنها تنال حظ استقبال أغلب أفراد العائلة الملكية المحترمة، وفي مقدمتهم ولي العهد سيدي محمد السادس جلالة الملك اليوم، باعتزاز وتقدير كبيرين، وقد استقبلت كبار العلماء، وأنجبت خيرة قياديي حقول المعرفة الفلسفية والأدبية والعلمية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية والسياسية، بل إن أسماء كثيرة منها تحملت مسؤولية تدبير دواليب الدولة المغربية عبر تاريخ المغرب المعاصر، وهي الجامعة التي جسدت الدبلوماسية الجامعية بمنحها الدكتوراه الفخرية لأسماء وازنة من مثل الرئيس السنغالي عبد الله واد سنة 2003، وللسيد نائب رئيس جمهورية الهند الدكتور محمد حميد انصاري سنة 2016، وللسيد الوزير الأول الروسي ديمتري ميدفيديف سنة 2017، ومن هذا المنطلق أذكرك بأنك تتحمل مسؤولية تسيير وتدبير جامعة بحمولتها الرمزية والمعرفية والتاريخية والسياسية والدبلوماسية وقد تحملها – في إطار القانون 01-00 – قبلك بنجاح وقدرات عالية في كل المجالات السادة المحترمون الدكاترة حفيظ بوطالب الجوطي، والطيب الشكيلي، ورضوان المرابط، ووائل بنجلون، وسعيد أمزازي.. كل واحد منهم ترك بصماته جلية، واضحة، متميزة، مختلفة عن بعضها البعض، لكنها مجمعة على تقدير واحترام تاريخ الجامعة، وتدبير منتج للأفكار والمشاريع، مشجع للبحث العلمي، محترم للزملاء والزميلات الأساتذة، متواصل معهم، حاضر في كل التظاهرات – ليس حبا في الظهور ولكن تشجيعا وتقديرا لمجهوداتهم، ولنا في ما ظل عالقا في أذهاننا جميعا وأنت واحد منا، وما تسجله محاضر الجامعات والمؤسسات والتنظيمات المدنية والاجتماعية في علاقاتها بالجامعة خير دليل على ذلك.

السيد الرئيس،
مر على تعيينك اليوم قرابة السنتين – 14 دجنبر 2018 – فلم نر منك ما كنا ننتظر جميعا بما هيىء لنا،  حتى إننا أحيانا، نحس بأن ليس للجامعة رئيس، إذ لم نجدك بيننا في التظاهرات العلمية والمعرفية التي تنظمها أغلب المؤسسات الجامعية والتنظيمات المدنية، ولم نلمس أي انطلاق لمشروعك الذي تقدمت به أمام لجنة الانتقاء، بل إننا نحس وكأن لك عداوة مبطنة مع بعض التخصصات في الجامعة، وأنك بصدد تصفية حسابات بينك وبين بعض المسؤولين، وهذا ما نستبعده ونعمل على أن لا نقتنع بوجوده لأنك ابن هاته الجامعة، وتخرجت من إحدى مؤسساتها المقصود كلية العلوم، وتدرجت في المسؤوليات في إطارها بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بسلا خلال سنوات، وكنت نائبا لرئيسها لسنوات كذلك، فكيف يجوز عقلا أن نقبل بهذا الإحساس، لكن الوقائع والأحداث تكذب تكذيبنا، وتجعلنا نشك في كل شيء ونعاود البدء من البدايات..

السيد الرئيس،
أعود بك لقضية أسالت المداد، واعتبر أساتذة المؤسسات المعنية القرار المتخذ حيفا، وضربا لتاريخ مؤسساتهم، بل ومسحا للبنات أساس، وأدوار دبلوماسية عالمة قامت على جزء منها السياسة الخارجية لمغرب القرن الواحد والعشرين تجاه إفريقيا، بفضل القرارات الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، بدءا بعودة المملكة المغربية إلى الاتحاد الإفريقي، مرورا بالمسؤوليات التي تحملها ويتحملها المغرب اليوم في أجهزتها وبالمشاريع الواعدة التي دشنها المغرب هناك، وكذا تجاه مجموعة من دول أمريكا الجنوبية وإسبانيا والبرتغال، وأنهيت الموضوع بالمصادقة على دمج ثلاثة معاهد، وهي معهد الدراسات الإفريقية، والمعهد الجامعي للبحث العلمي – وهما مؤسستان أنشئا بقرار وظهير ملكيين، ومعهد الدراسات الإسبانية والبرتغالية في معهد واحد يحمل اسما يدعو للسؤال، IUEAEMIA
– مع احترامي وتقديري لمن صوت مع وضد وامتنع – وبالمناسبة لماذا تم التخلي عن معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بحمولته التاريخية والمعرفية والعلمية، والذي أنشئ بظهير ملكي كذلك وتركه يضم إلى المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية؟ وهل قامت الجامعة بالترافع والدفاع عنه أمام نواب الأمة والمعنيين بالموضوع؟
معاهد تم ضرب تاريخها عبر قرار دون استحضار لا ظروف وأهداف الإنشاء ولا صيغته التشريعية ولا كونها هي علامات مميزة لجامعة محمد الخامس – سنعود للموضوع لمساءلة هذا القرار فالطريق طويل –

السيد الرئيس،
أحمل لك بعض ما يروج بين مجموعة من مكونات الجامعة من مثل هل صحيح أنك حجزت على ميزانية 2019 ولم تصرف منها للمؤسسات ميزانيات التجهيز والبحث العلمي ووو؟ ولماذا منذ سنتين أوقفت صرف الاعتمادات المخصصة لمراكز البحث المعتمدة الأمر الذي خلف استياء وتدمرا لدى الأساتذة الباحثين وساهم في تعطيل ديناميتهم وجعلهم يصابون بالإحباط وهذا هدر للزمن العلمي وتعطيل لمسار ودينامية البحث بالجامعة والذي لن يعوض بأي استدراك؟ ولماذا أوقفت كل أو بعض الاتفاقيات والمشاريع التي كان صادق ووقع عليها الرئيس قبلك؟ ولماذا تصر على تدبير ميزانية الاستثمار خصوصا في ما يرتبط ببناء القاعات والمدرجات ووو؟ وما دور مجالس المؤسسات والعمداء والمدراء في هاته العمليات؟، وكيف تعود بالجامعة للوراء في موضوع التفويض الذي أقره الرؤساء قبلك بالتدرج؛ لتعود أنت بها إلى نقطة الانطلاق أي سنة 2002؟.. وما معنى أن تعين نائبا لك – وهو المكلف بالنظام المعلوماتي والحكامة – لتدبير أربع مؤسسات – معاهد مديرا لها بالنيابة؟ هل يعني ذلك أن تلك المؤسسات لا تتوفر على كفاءات قادرة على التسيير بالنيابة؟ وهل صحيح أنك رئيس بعض المؤسسات، وبعض التخصصات وبعض المكونات، ولست رئيسا لها كلها، حد التصرف سرا أو علنا أحيانا بعداوة مع بعضها وهذا هو ما يحس به المنتمون إليها كما هو الحال مثلا بالنسبة لكلية الآداب والعلوم الإنسانية؟
ولماذا تعطلت الواجهة الالكترونية الأساسية للجامعة في التعريف بأنشطتها ولقاءاتها والموضوعة في مكان استراتيجي مهم يثير انتباه كل من يمر بمقر الجامعة صباح مساء عبر المدار الدائري لساحة الأمم المتحدة؟ ولماذا قررت إطفاء شمعة جامعة محمد الخامس بمنعك تعليق لافتات الأنشطة العلمية التي تنظمها المؤسسات الجامعية والتنظيمات المدنية المنتمية لها وغير المنتمية كما كان الحال دائما؟ ولماذا تعطلت الأجهزة التقريرية للجامعة – قبل وزمن كورونا – في وقت حرج انتظر المغاربة آراء نخبة المجتمع؟ وحتى حينما نفذت دعوة السيد الوزير لكل رؤساء الجامعات إلى ضرورة تفعيل مقتضيات القانون 01 – 00 خلال اجتماعين لندوة الرؤساء الاستشارية، واستجابة لنداء وجهه المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين عبر رسالة مفتوحة فإنك عومت الاجتماع بإدراج 15 نقطة للمناقشة والمصادقة في اجتماع عن بعد، في حين أن أغلب زملائك الرؤساء أدرجوا نقطة فريدة مرتبطة بامتحانات الدورة الربيعية وأنهيت الشوط الثاني من الاجتماع بمتمنياتك للأعضاء عطلة سعيدة في عز أزمات كوفيد 19 وتدبير نهاية سنة جامعية غير مكتملة وأخرى تنطلق دون رؤيا واضحة؟؟؟

السيد الرئيس،
اسمح لي بأن أتوجه لك بالنصائح التالية – إن قبلتها طبعا من زميل لك – راجيا أن تأخذها بعين الاعتبار، وتجعلها أساسا في ما تبقى لك من مدة قانونية في تحملك مسؤولية رئاسة الجامعة فالأصل أنك أستاذ باحث، قبل المسؤولية هاته وبعدها تعود إلى موقعك الأصلي، وأن زمنها، كيف ما كان، وأيًا كان منقض ومحدد، وعليه، حاول أن تكون رئيسا لكل المؤسسات ولكل السيدات والسادة الأساتذة الباحثين والموظفين والطلاب – وابتعد عن أسباب الفشل في التسيير والمبنية مثلا على القيل والقال وسياسة الانتقام وتصفية الحسابات على حساب المصلحة العليا للوطن والتدبير الجيد لمؤسسة عمومية كبيرة، واعلم أن رئيس الجامعة، ليس فقط مدبرا محاسباتيا؛ وليس مقاولا، وليس مسؤولا عن سر من أسرار الدولة حتى يتوانى إلى الوراء ويدبر الجامعة فقط، بمنطق المحاسباتي المقاول، ولا يكون حاضرا في الصف الأمامي للتظاهرات العلمية والفكرية، وحتى يجعل بينه وبين مكونات الجامعة دربا زجاجيا بعمق حديدي كما هو الحال بالطابق الرابع للجامعة، ولا تنتقص في تدبيرك للجامعة من أي تخصص، أو مؤسسة، أو شخص، ولا تميل لإحدى المؤسسات ضد الأخرى، ولا إلى زيد ضد عمرو ولا فاطمة ضد زينب،  فأنت رئيس الجامعة بكل مكوناتها ومؤسساتها، ولا أخفيك السيد الرئيس، بأننا سنعود لعدة ملفات تخص بعض المشاريع وانعدام المعلومة بخصوصها لإطلاع الرأي العام الجامعي، ومؤسساته، وبنياته التنظيمية عليها، وأخيرا وليس آخرا، أقول لك السيد الرئيس تكلم حتى نراك وحتى لا تكون رئيسا لجامعة مع وقف التنفيذ !!!

محمد الدرويش

– الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي قبلا 
– رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين
– أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس

Related posts

Top