تواصلت، أول أمس، أشغال الندوة الخاصة بمأزق الوضع العربي الراهن، المنظمة في إطار الدورة الأربعين لموسم أصيلة الثقافي.
ففي تأطيره لهذه الندوة، أشار الباحث الأكاديمي المختار بنعبدلاوي إلى أن الوطن العربي لا يزال يتلمس الطريق باحثا عما يستقر عليه من منظومة الحكم الرشيد وتنمية مستدامة، وأنه ليس بالضرورة أن يكون نظام الحكم تقليدا واستنساخا لنماذج غربية بل تقاس جدواه بما يحققه من استقرار واطمئنان.
وتركزت مداخلة أستاذ العلوم السياسية عبد الخالق عبد الله حول الأسباب التي تعوق التحول الديمقراطي في الوطني العربي، خاصة بعد اندلاع ما يسمى بالربيع العربي الذي أعطى نتائج كارثية على حد قوله، مذكرا بأنه، على امتداد قرن كامل، لم يبرز في هذه الرقعة الجغرافية نموذج ديمقراطي يكون ملهما لتعميم الديمقراطية في بلداننا، واعتبر أن محاولة استيراد نموذج ديمقراطي من الغرب ومحاولة تطبيقه في الدول العربية لا يعد قرارا صائبا، بل لا بد من أن ينبع من الداخل وأن يكون متوافقا مع خصوصياتنا.
ومما ساهم في كبح التحول الديمقراطي، يضيف المتدخل، أنه لم تعد هناك دول حاضنة لهذا الاختيار، مذكرا بأننا نعيش حاليا عصر الرجل القوي، إذ صارت الشعوب تواقة لهذا النموذج وليس للثوابت الديمقراطية، إلى حد أن الديمقراطيين أصبحوا أيتاما وحدهم في الساحة السياسية، وبالتالي يظهر أن القوة الكابحة للديمقراطية هي أقوى من القوة الحافزة عليها.
ورأى المحلل السياسي الموريتاني عبد الله ولد باه أن فكرة العروبة ينبغي أن تكون هي مرجعية الوجود السياسي الحضاري العربي، من أجل مواجهة النزعات الأصولية المتطرفة.
أما مداخلة الكاتب الفلسطيني نبيل عمرو فتركزت حول الوضع السياسي في فلسطين ومغامرة بناء دولة في ظروف الاحتلال، مؤكدا على أن الوضع صار أسوأ من أي وقت سابق، حيث تحول مشروع السلام إلى نقيضه مع مجيء إدارة أمريكية تتبنى الطرح الإسرائيلي، حيث اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس..
ينضاف إلى ذلك أن الوضع الفلسطيني تعرض للخذلان من طرف الفلسطينيين أنفسهم، من خلال الانقسام الذي يوجد حاليا في أحرج أوقاته، والذي أدى إلى الوضع الحالي الذي استغلته إسرائيل لتعميق تحكمها في المنطقة.
ومما زاد الوضع قتامة، يضيف المتدخل، أن الربيع العربي أدى إلى التخلي عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية مركزية، وخلص إلى أن الحل يكمن في بناء مجتمع عربي قوي يقوم على أساس ديمقراطي.
من جهته، أوضح الكاتب الصحفي اليمني مصطفى النعمان على أن الديمقراطية في العالم العربي عاشت تحولا معاقا، معتبرا ذلك انعكاسا لسوء التدبير السياسي، وهو ما أعاق النمو الاقتصادي والاجتماعي.
أما النائب البرلماني المغربي عبد اللطيف وهبي فيرى أن من العوائق الأساسية التي تحول دون تحقيق التنمية، أن رأس المال الاقتصادي هو الذي يتحكم في مفاصل الدولة، فنحن مهددون يقول المتحدث، بـ “دكتاتورية الرأسمال الذي يتحكم في الاقتصاد ومن ثم في القرارات السياسية، وبالتالي من الضروري تحرير القرار السياسي من القوة الاقتصادية، كما أن على الأحزاب السياسية أن تضع مسافة بينها وبين الرأسمال الاقتصادي”.
وفي هذا السياق ذكر عبد اللطيف وهبي أن نجاح الدولة في أوربا، مثلا، راجع إلى كون الرأسمال يعمل بفكر أرقى، على عكس ما هو حاصل في مجتمعاتنا العربية.
من جانبه، أكد الكاتب الصحفي الفلسطيني نظير حمد على أن العروبة هي التي تصلح للخروج من المأزق الذي يشكو منه العالم العربي، واعتبر أن التحول الديمقراطي مسار طويل يحتاج إلى مقومات واستعدادات، تنطلق من الداخل وتعنى بالبحث عن القيم المنغرسة في عمق مجتمعاتنا والتي تقوم على أساس احترام قناعات الآخر.
وخلص نظير حمد إلى أن الإنسان العربي بحاجة إلى ثقافة تجعله يقتنع بالقيم الديمقراطية، وأنه بدون بناء هذا الإنسان لا يمكن بناء مجتمع قوي وديمقراطي.
أما الأكاديمي القطري أحمد عبد الملك فيرى أن الحديث عن الديمقراطية في العالم العربي “لم يحن وقته بعد”، مذكرا بالتجربة الخليجية حيث الدولة تحرص على توفير الرفاه لشعبها بغاية جعله يقبل بالأنظمة الحاكمة رغم استبداديتها، وعدم المطالبة بالديمقراطية، وهو ما أسس لعلاقة نفعية بين مؤسسة الحكم وبين مؤسسة المجتمع المدني.
وذكر أحمد عبد الملك فيرى من بين الأسباب الرئيسية لمأزق الوضع العربي الراهن استبعاد النخب المثقفة من المشاركة في القرار السياسي.
الأديب المغربي أحمد المديني ركز، من جانبه، على الوضع الاعتباري للكاتب، مذكرا بأنه يواجه الظلم والبطش من طرف الأنظمة السياسية نظرا لأنه يحمل نزعة ثورية تسعى إلى تغيير واقع الاستبداد والتخلف، ولأنه حر لا يقبل الخضوع والاستسلام ويضم موقفه إلى موقف الشعب استشرافا لمستقبل أفضل.
ودعا المتدخل إلى ضرورة إعادة الاعتبار إليه وإحلاله المكانة اللائقة به، بصفته المنقذ من الوضع المتردي الذي تعيشه مجتمعاتنا على جميع الأصعدة.
وتحدث الأكاديمي البحريني محمد الخزاعي عن انعكاسات الربيع العربي، مذكرا بنتائجه الكارثية، حيث أدت محاولته القضاء على الأنظمة الاستبدادية إلى تدمير الدولة وتفتيتها إلى كيانات متحاربة، كما تحدث عن أن هناك قطبا واحدا يتحكم حاليا في العالم، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، مما أفضى إلى تشكيل منظمات إرهابية تحت سمات مختلفة لإنشاء دولة الخلافة.
وخلص محمد الخزاعي إلى القول إن العالم العربي يعيش المأزق بامتياز، وأنه علينا، لكي نخرج من هذا المأزق، أن ندرك أننا ضحية من ضحايا الأمم المسيطرة على المنطقة العربية باسم الدين.
وتركزت مداخلة الأكاديمي الفلسطيني حسن عبد الرحمان على تجربة أمريكا اللاتينية فيما يخص تفوقها في الخروج من مأزق الأنظمة العسكرية والحروب الأهلية رغم أن شعوبها ليست أكثر تعليما وتعددية من شعوب المنطقة العربية، وبالتالي تمكنت من إقامة أنظمة شبه ديمقراطية، في حين فشلت التجربة العربية في ذلك، عازيا ذلك إلى أن طرفي الصراع قبلا باتفاق يضمن حقوقهما ولم ينظرا إلى الوراء، بمعنى آخر أنه تم تجميد الخلافات التي كانت قائمة لصالح مشروع مستقبلي، قائم على أسس ديمقراطية.
وعزا الكاتب المصري مامون فندي سبب المأزق العربي إلى غياب المعلومة، علما بأن توفر المعلومات الصحيحة يساعد على فهم ما يجري في المجتمع، وبالتالي يسهل تحقيق الانتقال الديمقراطي، مع ضرورة وجود دول جوار لديها استعداد ورغبة لتحقيق هذا المبتغى، والأهم من ذلك وجود نخبة راغبة في هذا الانتقال، وليس جماعات لها مصلحة في استمرار النظام الاستبدادي السائد، كما هو واقع مجتمعاتنا العربية.
وذكر المحلل السياسي اللبناني عبد الوهاب بدر خان أن الأنظمة السياسية العربية التي سقطت بعد الحراك، أورثتنا اقتصادات معوقة، مؤكدا على أنه لأجل تحقيق الانتقال الديمقراطي لا بد من احترام خصوصيات المجتمعـ والتخلي عن الخلافات المتعفنة -على حد قوله- عن طريق إصلاح سياسي يتأسس على فرض حكم سديد وعدالة اقتصادية.
ورأى البحريني يوسف حمزة أن الحل للخروج من المأزق السياسي الذي يتخبط فيه العالم العربي، يكمن في بناء جيل يفتخر بهويته ويسعى إلى نشر بذور التسامح والتعدد ونبذ العنف، وركز على قضية التربية والتعليم باعتبار دورها الأساسي لمواجهة التحديات المطروحة.
وأكد الكاتب التونسي حسونة المصباحي على أهمية المجتمع المدني، فيما يخص استعادة القوة لبناء الديمقراطية الحقيقية، عن طريق الإصلاح الديني.
وتوالت بعد ذلك المداخلات والمناقشات التي تقاطعت فيما بينها، للخلوص إلى أن معالجة الأزمة السياسية العربية يمر بالضرورة عبر المخارج التالية:
* إعادة النظر في مناهج التربية والتعليم
* بناء الإنسان العربي القادر على مواجهة تحديات العولمة
* الرهان على فئات الشباب
* القضاء على الفساد وإصلاح الاقتصاد
* حماية الطبقة المتوسطة
* احترام حقوق الإنسان ودعم المجتمع المدني
* مراعاة دور الأحزاب في تأطير المواطنين
* فتح قنوات التواصل والتوافق بين المجتمعات العربية حفاظا على السلام والاستقرار.
> مبعوث بيان اليوم إلى أصيلة: عبد العالي بركات