مراسلو الفايسبوك.. صحافيون بالوكالة

لا أحد يشكك في أن موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، هو أكبر منبر إعلامي بالمغرب والعالم. يعمل بدون ترخيص من الحكومة المغربية وباقي الحكومات. هذا الموقع الذي يوظف كل المغاربة كمراسلين له بدون أدنى شروط، لا من حيث المستوى التعليمي أو الثقافي ولا من حيث السن. مراسلوه أطفال وكبار. مثقفون وأميون. غفر ووزراء في الحكومة ونواب الأمة. هم صحافيون بالوكالة، بلا بطائق مهنية ولا اعتمادات صادرة عن (مارك مول الفايس).
أصبح وحده يشكل سلطة إعلامية مؤثرة على كل القطاعات العمومية والخاصة. بل إن كل الجرائد الالكترونية وحتى الورقية، لا حياة لها بدون صفحات فايسبوكية. تتغذى من أخباره وتسوق منتوجها الإعلامي داخله. بل إن هناك صفحات فايسبوكية باتت أكثر قراءة من مجموعة من المواقع الالكترونية. معظم منشورات الفايسبوك، تدوينات وتعاليق مجانبة للصواب أو تافهة. يلقي بها البعض هنا وهناك على صفحات موقع التواصل الاجتماعي الفايسبوك. تتسبب في إيذاء البعض وأفراد من أسرهم، لا ذنب لهم سوى الرابط الأسري أو المهني أو القبلي أو العرقي أو.. منشورات نقرأها بمرارة كلما اخترنا الاسترخاء والغوص في هذا العالم الافتراضي. تكيل الشتائم لهذا والاتهامات لذاك. وتذهب إلى حد التحريض على العنف. كنت أطمح في أن يكون الفايسبوك أداة للتشخيص الواقعي والكشف عن الحقائق بالأدلة والقرائن، ومنبرا للتربية والتعليم والإبداع. بل حتى عالما للاستثمار الفكري والاقتصادي والتكامل والتنافس الشريف بين كل الأجناس البشرية بغض النظر عن ألوانهم وعقائدهم وأعراقهم. لكنني وجدت أنه احتل من طرف لوبي الفساد وهواة الفتن.
ما دفعني إلى الاهتمام بموضوع الحروب الدائرة فايسبوكيا، هو اتساع رقعتها، وانتشار عشاقها أو بالأحرى مدمنيها. الذين وجدوا ضالتهم في السب والقذف وتلفيق التهم والإساءة إلى الأشخاص والمؤسسات و.. بعضهم لا يجد حرجا في إظهار هويته. ومعظمهم اختاروا التسجيل بأسماء مستعارة. وهي حروب تنطفئ لتعود من جديد مع كل تعليق أو رد على تعليق وهكذا. وغالبا ما تنتهي بالهدنة أو التوافق. ضحاياها في الغالب هم أناس لم يشاركوهم تلك الحروب. بل إنهم لا يعلمون شيئا عن عالمهم الأزرق. ناذرا ما تكون تلك الحروب ذات أهداف حقيقية. حروب يقودها أناس معظمهم غير قادرين على الظهور بالعالم الحقيقي. وأناس وظفوا من طرف دعاة الفتن، لكي يشعلوا نيران تلك الفتن هنا وهناك. والسهر على عدم إخمادها أملا في أن تفرز ما تخطط له خصوم البشرية. بل إن هناك حروب يشعلها أطفال دون العاشرة أو فوقها بسنوات لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، لا يقدرون مدى خطورتها. ويتفاعل معهم الكبار في السن والصغار فكريا وعقليا، أو مدمني السباحة في المياه العكرة.
ما دفعني لإثارة هذا الموضوع. هو أن تلك الحروب باتت مشتلا للفتن والصراعات المجانية. تشغل الرأي العام الوطني عن همومه وقضاياه الحقيقية.معظم الفايسبوكيون باتوا يناضلون في أمور تافهة، لن تفيدهم في عالمهم الحقيقي. لم يعودوا يهتمون بصفحات عالمهم الافتراضي ، مثل ما كانوا يهتمون بالصفحات الورقية بعالمهم الواقعي. لم تعد تحظى كتاباتهم بالتفكير والتأمل اللازمين. ولا بالصياغة والأسلوب اللازمين. ولا بالاحترام الواجب لمن توجه له تلك العبارات. لم يعد هناك مشكل في المداد ولا في الأوراق ولا في الحيز الزمني لتحرير موضوع ما. فالعالم الأزرق منحهم إمكانيات الكتابة والتصحيح والتعديل بلا مداد. وحتى الرسم والتلوين وانتقاء اللغات والجمل والأفكار. ومدهم بصفحات لا تنتهي. جعلهم مهووسين بالتدوينات والتعاليق وعدم الاهتمام بالزمان وبالمكان. بل وازى بين الأطفال والكبار والجيد والرديء. وساعد حتى هؤلاء الذين لا يتقنون التعابير الكتابية في التواصل باستعمال باقي حواسهم وأعضائهم الجسدية والتواصل بالصوت والصورة. لكنهم لا يدرون أن لكل بداية نهاية. وبعد كل نهاية حساب وتقييم.
ليعلم كل الرواد أن صفحات الفايسبوك لاشك ستنتهي اليوم أو غدا. لأنه لاشيء فوق الأرض سيحظى بالأبدية. وأن الحصيلة الآنية لمحتوياتها، تفيد أنهم يعيشون في عالم لا يحمل من الزرقة إلا الاسم. عالم كله سواد في سواد. ومعظم صفحاته يغمرها الفساد الفكري والجنسي والتحريض على الانحراف والدعوة على الفتن والحروب ودروس في تعلم الحقد والكراهية. وحدها الشركة التي صنعت هذا العالم ترى البياض ومعها باقي الشركات التي تعيش وتحيى بامتصاص دماء الرواد وترويض عقولهم.
وصيتي إلى هؤلاء الذين قرروا فجأة أن يجعلوا من صفحاتهم أسلحة للقضاء على الفساد والمفسدين. أن يلتزموا بالمهنية في الكتابة لكي لا يتحولوا هم كذلك إلى مفسدين. ولا يرموا الناس بالباطل. وأن يعلموا أن هناك المشتبه فيهم. وهناك المتهمين وهناك المدانين. وأن لتلك الكلمات وقعها في كل تدوينة. والقضاء هو الفاصل فيها. وصيتي ألا يضربوا بعضهم البعض بالتعاليق السيئة، وألا يدخلوا في صراعات واهية ومواضيع جانبية. تاركين المفسدين الحقيقيين يقتاتون من أموال الشعب وثرواته. لنجعل من صفحات الفايسبوك جسور للتواصل والتلاحم والتربية والتعليم والتكوين والترافع من أجل قضايانا الوطنية ومطالبنا اليومية المشروعة.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top