مشروعات البنية التحتية المتطورة تشعل فتيل الصراع بين الهند والصين

هدأت الأمور نسبيا بين الصين والهند عقب أعنف اشتباك بين قوات العملاقين الآسيويين في منطقة متنازع عليها، وذلك في أعنف مواجهة بين البلدين منذ ما يزيد عن 45 عاما.
ومع انتباه العالم لبوادر هذا التشنج العسكري بين قوتين نوويتين، ما استدعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لعرض وساطته منذ شهر مايو الماضي، لا ينظر المتابعون لسجالات هذه المعركة على أنها عابرة بل يرون فيها معركة جديدة قديمة تحيي الصراع المزمن على الحدود المتنازع عليها في منطقة الهيمالايا منذ عقود طويلة.
وشهدت سفوح جبال الهيمالايا الحدودية بين الصين والهند، مناوشات بين حرس حدود البلدين، في الأسبوع الأول من مايو الماضي، على خلفية اعتراض الجيش الصيني دورية للقوات الهندية في منطقة “لاداخ” الحدودية.
ولم تكن هذه الشرارة الأولى بين عملاقي آسيا على مر التاريخ، إلا أنها استدعت انتباه العالم، إثر التطورات التي أعقبتها، بمقتل 20 جنديا هنديا في 15 يونيو الجاري.
وتدعمت المخاوف الدولية من نشوب حرب شاملة بين البلدين، لاسيما بعد إعلان وكالة أنباء آسيا الدولية “ANI” الهندية، عن إيقاع 43 جنديا صينيا بين قتيل وجريح.
وبحسب الكثير من المراقبين فإنه من المنطقي أن ينصب الاهتمام الدولي على النزاع الحدودي بين الصين والهند لكونهما جارتين نوويتين وتعتبران أيضا أكبر قوتين ديمغرافيتين في العالم، ولكونهما من أكبر اقتصادات العالم.
وتقول دويغو تشاغلا بيرم، الباحثة الإستراتيجية في مركز دراسات جامعة البحر الأسود التقنية، إن جذور الخلاف بين بكين ونيودلهي تعود إلى نزاعات حدودية، سببها غياب تعريف مشترك حول مفهوم “خط السيطرة الفعلي” الذي يرسم حدود البلدين.
وتوضح بيرم أن “خط السيطرة الفعلي بين البلدين يمتد على طول 4 آلاف و57 كيلومترا، وأن الهند تعتبره 3 آلاف و488 كيلومترا، فيما تراه الصين ألفي كيلومتر”. وتلفت إلى أن هذا الخط الحدودي تم ترسيمه وتحديده عام 1959 من قبل الصين، وجرى فرضه على الهند.
وتتابع أن “الهند اعترفت بهذا الخط بعد مفاوضات تمت بين نيودلهي وبكين عام 1993، إثر اندلاع حرب بينهما في 1962”. وتشير إلى أن الغموض ما زال يلف ما يسمى الحد الفاصل بين البلدين، وأن الوضع الراهن أكسب الصين المرونة والمماطلة من الناحية السياسية.
وفي خضم هذه المعركة تتهم الصين لا فقط من قبل الهند بل من قوى أخرى بأنها تنتهج منذ عقود سياسة التسويف، موظفة التطور الذي حققته في العقود الأخيرة على المستويات السياسية والاقتصادية والذي بات محل مراقبة من القوى العظمى وخاصة الولايات المتحدة.
وتقول بيرم في هذا الصدد إن الصين “تلكأت في تحديد مفهوم خط السيطرة الفعلي، وذلك بالتوازي مع اتباعها سياسة الحفاظ على الوضع الراهن، والمماطلة، مستفيدة عبر العقود الماضية من ميل ميزان القوة لمصلحتها”.
شرارة استدعت انتباه العالم
وتستدرك بأن “الوضع اليوم ليس كما هو بالأمس، من ناحية ميزان القوى المتكافئ بين البلدين، بعد تعزيز الهند أعمال البنية التحتية وتطويرها على الحدود مع الصين، ومراجعة شاملة لخطها السياسي، بإقامة تحالفات إقليمية ودولية جديدة”.
وتضيف أن “الصين اليوم باتت تدرك أن الوضع لم يكن كما هو عليه عام 1962، حينا كانت صاحبة الكلمة العليا على الحدود”. وتستبعد بيرم أن تكون التطورات الحدودية الأخيرة “قرعا لطبول الحرب”، بل تعتبرها بمثابة استعراض للقوة.
وتلفت إلى أن الصين سرّعت من وتيرة مطالباتها بالأراضي الحدودية لأنها ترى نفسها الطرف الأقوى في نزاعها مع الهند، في الوقت الراهن.
ويرجع المراقبون الموقف العدائي للصين في المناطق الحدودية إلى أنها باتت تلحظ بشكل واضح تنامي البنية التحتية الإستراتيجية للهند، والأهمية الإستراتيجية لمنطقة “لاداخ” الحدودية.
وتقول بيرم في هذا السياق “لا شك أن مشروعات البنية التحتية المتطورة التي تقيمها الصين والهند، تؤجّج التوتر في المناطق الرمادية”. وفي حال نشوب حرب بين البلدين، يقر الخبراء بأن قدرات الهند على حمل الجنود والقوى البشرية والإمدادات اللازمة إلى المنطقة تتطور بشكل ملحوظ.
وتتوقع  بيرم أن “تشهد مناطق حدودية أخرى بين البلدين، تطورات كالتي حصلت في لاداخ، وخاصة المناطق الواقعة شرقها، ووادي جالوان وبحيرة بانجونج”.
وتوضح أن “الهند غيرت وضع جامو كشمير في أغسطس الماضي، بإلغاء الحكم الذاتي في الجزء الذي تسيطر عليه من منطقة كشمير الحدودية”، مشيرة إلى أن “من بين نتائج هذا التغيير، تشكل إقليم لاداخ الاتحادي”.
وتبيّن بيرم أن “هذا التغيير سيفتح الباب أمام الهند للمطالبة بمنطقتين تابعتين للإقليم، هما منطقة آكساي تسين الخاضعة لسيطرة الصين، وغلغت بالتستان التي تحت السيطرة الباكستانية”.
وفي علاقة بهذا النزاع تتهم جمهورية نيبال بأنها تلعب دور المصطف مع إرادة بكين التي تحرضها على إصدار مواقف معادية لنيودلهي. وتشير بيرم إلى أن “نيبال أعربت عن انزعاجها من أنشطة الهند في تعزيز بنيتها التحتية على حدودها الشمالية”.
وتضيف أن المناوشات التي حدثت بين نيبال والهند بالتزامن مع اشتباكات الأخيرة مع الصين، دفعت نيودلهي إلى الادعاء بأن بكين هي من حرضت نيبال على ذلك.
وتعتبر بيرم أن “الهند والصين ستخسران الكثير في أي صراع عسكري محتمل قد يحدث بينهما على نطاق واسع”، متوقعة “ما يحدث الآن سيستمر في حلقة مفرغة دون نهاية”.
وتشير إلى أزمة “دوكلام” (هضبة ضيقة متنازع عليها، تقع في نقطة تلاقي بوتان والصين والهند) التي حدثت في 2017 واستمرت 73 يوما، دون إحداث تقدم ملحوظ في النزاع.
وتخلص إلى أن الحرب تبقى الخيار الأخير لكلا البلدين، وأنهما لا يرغبان في العودة مرة أخرى إلى حرب عام 1962 التي استغرقت 31 يوما، لما تترتب عليه من نتائج كارثية في وقتنا الراهن.

Related posts

Top