مشروع تعديل قانون المسطرة المدنيّة بالمغرب: مسألة إلزامية الاستعانة بمحامٍ في الواجهة

صادق المجلس الحكومي بالمغرب على مشروع قانون جديد للمسطرة الجنائية أعدّته وزارة العدل، وذلك في إطار ورش واسع لمراجعة القوانين المتعلقة بالعدالة بعد المصادقة على دستور 2011. ويشمل هذا المشروع تعديل أزيد من 400 مادة من القانون الحالي وإضافة 145 مادة جديدة وإدماج 45 أخرى، وذلك بهدف تبسيط المساطر ورقمنة الإجراءات القضائية، ومواكبة التحوّلات العديدة التي عرفها المجال القضائي بعد إداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية واستقلال النيابة العامو عن وزارة العدل.

مستجدات مشروع قانون المسطرة المدنية

بحسب مذكرة التقديم، أكد مشروع قانون المسطرة المدنية على أهمية العدالة الإجرائية في تحسين جودة الخدمة القضائية وضمان المحاكمة العادلة وتسريع وثيرة معالجة الملفات وتنفيذ الأحكام للتصدي لما يعانيه المتقاضون من تعقيد في الإجراءات وبطء في العدالة. وفي هذا السياق راهن المشروع على توسيع دور القاضي المدني في تجهيز القضايا، من أجل تقليص حالات صدور الأحكام بعدم القبول، وتم تخويل المحاكم صلاحية اعتماد المعلومات المتوفرة بقاعدة معطيات بطاقة التعريف الوطنية لحلّ مشكل التبليغ، مع إحداث مؤسسة جديدة وهي قاضي التنفيذ. كما تمّ تخويل محاكم الاستئناف ومحكمة النقض صلاحيّة التصدّي في الجوهر في حالة إلغاء الحكم المطعون فيه أو إبطاله.

وعلى مستوى حماية حقوق المتقاضين، تمّ التنصيص على عدم إمكانية التّصريح بعدم قبول الدعوى في الشكل في حالة انعدام الأهلية أو الصفة أو المصلحة أو الإذن بالتقاضي إن كان ضروريا، إلا بعد إنذار المعني بالأمر لتصحيح المسطرة داخل أجل محدد، مع فرض غرامات لفائدة الخزينة العامة على حالات التقاضي بسوء نية من أجل التقليص من عدد القضايا الكيدية، بغضّ النظر عن التعويضات التي قد يحكم بها لفائدة المتضررين.

وعلى مستوى تنزيل مبدأ وحدة القضاء، أدمج المشروع المقتضيات المتعلقة بقضاء القرب والمحاكم المتخصصة والمحاكم العادية في نصّ واحد. كما تمّ ملاءمة عدد من النصوص مع مستجدّات الدستور تجسيدا لاستقلالية السلطة القضائية من خلال نقل بعض الصلاحيات التي كانت لوزير العدل للمؤسسات القضائية.

مقتضيات إجرائية مقلقة في مشروع قانون المسطرة المدنية

اتّجه مشروع قانون المسطرة المدنية إلى تقليص نطاق المقررات القضائية القابلة للطعن بالاستئناف، وقصرها على القضايا التي تتجاوز قيمة الطلبات بشأنها أربعين ألف درهم 40000 درهم. كما قصر إمكانية الطعن بالنقض على الأحكام الصادرة في الطلبات التي تتجاوز قيمتها 100000.00 درهم وذلك لتخفيف الضغط عن المحاكم. كما اتّجه إلى رفع مبالغ الغرامات الماليّة المقرّرة لفائدة الخزينة العامة في حالة ممارسة المتقاضين لبعض الطعون، من دون أخذ مدى ثبوت خطأ المتقاضي أو سوء نيته أو تعسفه بعين الاعتبار.

من جهة ثانية وفي إطار التخفيف على الفئات الهشة من الأعباء المالية المتعلقة بتنصيب دفاع، تمّ توسيع نطاق القضايا التي يجوز فيها للأطراف الترافع شخصيا من دون مساعدة محام لتشمل إلى جانب قضايا الزواج والطلاق والحالة المدنية والقضايا التي تختص المحاكم الابتدائية بالنظر فيها ابتدائيا وانتهائيا، أيضا القضايا التي يكون أحد أطرافها قاضيا أو محاميا، والقضايا الأخرى التي قد ينص عليها القانون. وتطرح هذه المقتضيات إشكاليات تمس مبدأ الحق في الولوج إلى العدالة والمساواة أمام القانون خاصة وأن اعفاء الأطراف في بعض القضايا من شرط التمثيل القانوني لا ينبغي أن يؤثر سلبا على حق الفئات الهشة في الانتصاف الفعال. كما أن تخفيف الأعباء على المحاكم لا ينبغي أن يتمّ على حساب الحقّ في الولوج إلى العدالة الذي يبقى حقّا دستوريا كرّستْه الاتفاقيات الدولية.

مطالب باحترام حقوق الدفاع وتفعيل مبدأ التشاركية

انتقد نادي قضاة المغرب غياب المقاربة التشاركية في اعداد هذا القانون، على خلفية أن وزارة العدل اكتفت باستشارة المؤسسات الدستورية، مستبعدة الجمعيات المهنية القضائية والحقوقية من نطاق المشاورات. وقد اعتبر النادي أن مبدأ الديمقراطية التشاركية المنصوص عليه في الفصل 12 من الدستور، هو مبدأ ملزم لا يقبل التراجع أو التجزئة.

ويطالب نادي قضاة المغرب بضرورة ترشيد العمل القضائي لضمان الحق في محاكمة عادلة، وتسريع وتيرة رقمنة الإجراءات القضائية، مع ضرورة احترام مبادئ  الاستقلال الداخلي للمحاكم، من خلال اعتماد التوزيع الآلي للملفّات بين القضاة والهيئات القضائية من دون تدخّل من المسؤول القضائي والتنصيص على تعليل الأوامر الصادرة بتغيير القضاة المكلفين بالقضايا أو المقررين، مع احترام جدول الجمعيات العمومية بالمحاكم.

وقدمت جمعيات هيئات المحامين مذكرة مبادىء حول مسودة المشروع، سلّطت الضوء من خلالها على التراجعات الواردة في المشروع والمتمثلة في المس بالحق في الولوج المتبصر إلى العدالة من خلال تهميش دور المحامين أمام المحاكم والإبقاء على المسطرة الشفوية كأصل، وفرض غرامات مالية لفائدة الخزينة في حالة رفض بعض الدعاوى، فضلا عن ضرب نجاعة التقاضي عن طريق مراجعة مسطرة التبليغ بجعل المدعي مسؤولا عن التبليغ.

وطالبت المذكرة بضرورة العدول عن جميع النصوص القانونية التي تجيز الاستغناء عن تنصيب المحامين، وأن يقتصر تمثيل الخصوم أمام المحاكم على المحامين دون غيرهم، سواء في إطار النيابة الأصلية أو في إطار المساعدة القضائية التي تتحمل فيها الخزينة العامة أداء أتعاب الدفاع.

في السياق ذاته، سجلت الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية بالمغرب،

، أن المشروع “محبط للآمال، ومكرس للبعد الواحد للهوية المغربية، ومتعارض مع المعطيات اللغوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمغرب”، ويتنافى مع الالتزامات الواردة في قانون ترسيم اللغة الأمازيغية ويكرس التمييز ضد مبدأ المساواة. إذ هو يخلو من أي تدبير مسطري مجسد لكون اللغة الأمازيغية لغة رسمية للدولة، ولا يستجيب للحاجيات التي يعبر عنها المتقاضون وباقي الفاعلين المرتبطين بالمحيط القضائي، ويعيق السكان الأصليين الأمازيغ، من الولوج إلى مرافق السلطة القضائية.

مطالب بإدماج مقتضيات إجرائية لتيسير ولوج الفئات الهشة الى العدالة

من جهته، قدّم المجلس الوطني لحقوق الإنسان بناء على طلب رأي من وزارة العدل  مذكرة حول مشروع تعديل قانون المسطرة المدنية، طالب فيها بضرورة إدماج مقتضيات إجرائية جديدة لتيسير ولوج الفئات الهشّة إلى العدالة، وخاصة النساء والأطفال والأشخاص في وضعية إعاقة والأجانب، مع توسيع نطاق الحصول على المساعدة القانونية والقضائية.

وفي هذا الإطار، اقترح المجلس وضع مقتضيات إجرائية مفصلة تنظّم كيفية الاستماع إلى الأطفال بوصفهم أطرافا أو شهودا أو في باقي الحالات التي يفرض القانون الاستماع إليهم، بما يشمل التنصيص على قائمة الضمانات الأساسية لضمان معاملة منصفة للطفل، والحق في حصوله على المعلومات وسرعة اتخاذ القرارات، وحق الطفل في الاستماع اليه وأخذ آرائه على محمل الجد.

وبخصوص ولوج النساء إلى العدالة، اقترح المجلس إعطاء الأولوية لموطن الزوجة في ترتيب الاختصاص المحلي في دعاوى الطلاق والتطليق، مع توسيع نطاق الاستفادة من محامٍ عوض التنصيص على عدم إلزامية ذلك لتجنب صدور أحكام قضائية بعدم القبول.

كما أوصى بوضع مقتضيات إجرائية تكفل الاستعاضة عن نظام “الوكالة” بنظام “المساعدة” للأشخاص في وضعية إعاقة؛

وبخصوص تقييد اللجوء إلى ممارسة بعض الطعون بقيمة مالية معينة، أكّد المجلس على أنّ التقييدات ينبغي أن تراعي مبدأ الضرورة والتناسب وأن تستحضر وضعية بعض الفئات كالأجراء والمستهلكين، مؤكدا على ضرورة البحث عن حلول أخرى غير مالية لتخفيف عبء القضايا المعروضة على المحاكم كإخضاع بعض الطعون إلى إذن قضائي مسبق للتأكد من جديتها، ومراجعة شكلية تحرير الأحكام القضائية، وربط الغرامات المفروضة بثبوت خطأ المتقاضي أو سوء نيته أو تعسفه، مع تحديد سقف مالي أعلى لها.

وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون المسطرة المدنية سيعرض على أنظار البرلمان مع افتتاح الدورة التشريعية المقبلة، وسط مطالب بإحالته على أنظار المحكمة الدستورية للنظر في دستوريته على غرارمشروع قانون التنظيم القضائي، نظرا لتأخر تفعيل قانون الدفع بعدم دستورية القوانين.

Top