افتتح، مساء يوم الخميس الماضي بالرباط، معرض الفنانة التشكيلية كريمة دي لينا المقيمة بفرنسا، والذي يحتضنه رواق ضفاف بمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج على مدى شهر كامل، محتفلا بفنانة اختارت الرسم منذ الصغر، كبوح وعلاج لألم فقدان الأم وإعادة بناء الذات، لتتمرس مع توالي الأيام وتكتسب مهارة متفردة في هذا النوع من التعبير والإبداع والذي يتجسد في لوحات تنضح ببهجة الألوان، بل تكاد تنطق من خلال رسم ملامح وجوه نسائية وأشكال تجريدية.
وشهد حفل الافتتاح حضور عمر عزيمان رئيس مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، وعبد القادر الشاوي، الكاتب القاص والسفير السابق للمغرب بالشيلي، ونخبة من أهل الفن والإعلام. وقد انتظم المعرض تحت عنوان” أحبي” ليشكل دعوة صريحة للحب وتقاسم كل جميل عبر اللوحات التي تعرضها دي لينا، والتي وزعت على قاعتي العرض التي يضمها رواق ضفاف، حيث خصص جزء للوحات التجريدية، وجزء ثان خصص في أغلبه للوحات وجوه نساء بملامح إفريقية وأخرى أوربية، بينها بورتريه للفنانة أم كلثوم، ويتوسط هذا التوزيع بورتريه لامرأة دون رداء، فضلا عن لوحات علقت عند مدخل الرواق ضمت لوحة لسيدة ترتدي لباسا تقليديا مغربيا، وتحمل اللوحة عنوان “ربما يوما ما”.
بدايات الفنانة كريمة دي لينا كانت بمراكش التي ولدت وكبرت بها، ويبدو أثر هذه المدينة الساحرة منعكسا بشكل لافت في لوحات الفنانة التشكيلية، فالألوان المختارة ناصعة وتحيل من خلالها على ما تتميز به المدينة ودروبها العتيقة، حيث اختارت منها الأصفر كخيوط الشمس التي لا تغيب عن المدينة طوال العام تقريبا، غير مبالية بفصول السنة الباردة، والقرمزي والأزرق الذي يبدو وكأنه يستمد زرقة صفاء السماء، فكل الألوان المبهجة المستوحاة من بهجة المدينة الحمراء وأرضها وطبائع ساكنتها، تسكن التعبير والإبداعات الموقعة باسم دي لينا.
وقالت الفنانة التشكيلية كريمة دي لينا، في ردها على جواب لسؤال لجريدة بيان اليوم، حول ما يمثله ضمن تجربتها الإبداعية تنظيم معرض للوحاتها بمؤسسة تعنى بقضايا مغاربة العالم، “إن إقامة معرض للوحاتي في رواق لمؤسسة رسمية داخل المغرب، كان حلما حملته طيلة سنوات، وكنت دائما أتمنى أن يتحقق، حتى يتعرف علي الجمهور المغربي ويكتشف لوحاتي التي أعبر من خلالها عن مشاعري والقيم النبيلة التي استقيتها من تربة بلدي المغرب ومن مسار تنقلي والاندماج في بلد المهجر، وأنقل إليهم الحمولة الإيجابية للفن والثقافة عموما، خاصة جمهور الأطفال الذي يمثل الجيل الصاعد الذين أهفو أن انقل إليهم عبر لوحاتي حب الرسم والاهتمام به وبالثقافة عموما.
فكمغربية ومراكشية فإن الوطن يبقى هو المغرب وأحتفظ لهما في قلبي وروحي بالمشاعر والقيم التي انغرست في كياني والتي تشكل حمولة جميلة، أساسا قيم التضامن والاحترام وتقدير الآخر، لذا أحرص على أن أشاركها بل وأتقاسمها من خلال لوحاتي”.
وحول مغزى رسم لوحات لوجوه نساء بملامح إفريقية، تشير الفنانة دي لينا، أن الأمر ليس محدودا في رسم وجود ذات ملامح إفريقية بل هناك وجود نساء أوروبيات أيضا، وأن رسم وجود لنساء يرتبط بثقافة وأحاول عبرها نقل رسائل الحرية والاحترام، وأنا كامرأة تعلمت الاندماج في ثقافة أخرى وتعلمت تقاسم ثقافتي عبر الجمعية التي أسستها بفرنسا والتي تحمل اسم” آرت إيسن بلوس”والتي مكنتني من إقامة روابط وعلاقات مع الناس والاستماع والتعلم من كل ما يحيط بي”.
وحول مسار حياتها في المهجر كمبدعة وما إن كانت قد اعترضتها صعوبات خاصة في المجال الإبداعي، تشير الفنانة دي لينا، على أنه “بالعكس لم تعترضني أية صعوبات وتلقيت كل الدعم، فعند وصولي لفرنسا كنت جد نشيطة، فإلى جانبي ممارستي فن الرسم دخلت عالم المسرح الذي كان أيضا مجالا أنشط به بمراكش، وتطور الأمر إلى تنظيمي لعرض مسرحي حول موضوع التسامح، بمسرح بسان كوينتين، وقد كان العرض باهرا حيث شهد مشاركة العديد من الجمعيات والأطفال.
فعند انتقالي لفرنسا كنت أرغب في أن أظهر أن المغربية ليست امرأة تركن للعزلة بل هي قادرة على العطاء وتقديم إضافة نوعية داخل المجتمع، كما كنت أشارك في دورات تكوينية للحصول على قدر من الاستقلالية والتوازن مع الحفاظ على كوني فنانة تسعى دائما للتطور وتقديم الأفضل”.
ومن جانبها، أفادت فتيحة أملوك، مديرة قطب الفن والتواصل بمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، في تصريح لجريدة بيان اليوم، حول معرض الفنانة كريمة دي لينا، على أن فضاء ضفاف، كرواق بمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، استضاف منذ إحداثه عدة فنانين من بلدان مختلفة، وبالنسبة لاستضافة معرض الفنانة دي لينا التي تعيش بمدينة سان كوينتين في فرنسا، فيأتي تزامنا مع تخليد اليوم العالمي للمرأة، وهو معرض يقدم فنانة تتميز بأسلوب في الرسم خاص بها، حيث شكل الفن بالنسبة لها بمثابة علاج وإعادة بناء الذات بعد وفاة والدتها وهي لازالت في سن السادسة من عمرها، وقد اختارت عبر الرسم تقاسم ما تبدعه عبر الفن.
وحول ما يميز لوحات دي لينا، تشير فتيحة أملوك، أنها تتميز بتنوع وغنى الألوان، حيث بمجرد النظر لتلك اللوحات نغرق في بحر غني من الألوان التي تستمدها من مسقط رأسها مدينة مراكش، هذا رغم أنها انتقلت منذ مدة طويلة للعيش في فرنسا، وأضافت أملوك في المقابل موضحة “أن هذا المعرض يعد أول معرض فردي للفنانة كريمة دي لينا في المغرب وأول معرض مهم بالنسبة لها يحتضنه فضاء رواق مؤسسة رسمية، والذي تم التحضير له بعناية فائقة.
وبالنسبة لعرض بجزء من الرواق للوحات وجود نسائية بعضها بملامح إفريقية، وإن كان لذلك ارتباط بجذور وهوية الفنانة دي لينا، تقول أملوك “بالتأكيد فالفنانة بقيت على صلة وثيقة بجذورها من خلال مدينة مراكش، ورسمها باختيار ألوان معينة هو طريقة لمشاركة جمالية مراكش ومحاولة لإقناع الجمهور بما تزخر به المدينة من خلال غنى الألوان وبأنها تستحق أن تحظى بالزيارة”.
فنن العفاني