ضمن هذا الجنون المتفشي منذ أسابيع بين روسيا وأوكرانيا، يريدنا الإعلام الموجه أن نعلن اصطفافنا البدائي مع هذا الطرف أو ذاك، وأن نمسك عن الكلام فيما عدا ذلك.
الحرب قلنا منذ البداية إنها حرب المصالح والنفوذ والتاريخ و… الإستراتيجيا، ولكنها ابتداء وانتهاء هي حرب، وتنشر القتل والدمار والألم والبشاعة في أرض المعارك وحواليها، وأيضا بعيدا عنها حتى، ولهذا يجب أن تتوقف.
المطالبة بالسلم والأمن والسلام ليست كلاما من معجم الماضي، ولكنها أكثر راهنية اليوم، وعجز منظومة الأمم المتحدة عن إيجاد الحل ليس مبررا لكي لا تناضل الشعوب والقوى الديمقراطية وكل الأصوات الحرة من أجل السلام.
المؤيدون اليوم لروسيا بوتين أو الذين يدافعون عن واشنطن والناتو، جميعهم يرفعون شعارات القيم الإنسانية والديمقراطية الكونية بلا استثناء، وينتصرون، قولا على الأقل، للإنسان، ولحقه في الأمن والسلام والاستقرار، كما أن كل الفلسفات والديانات والمواثيق الدولية ترفض القتل والخراب، وتنادي من أجل حق الإنسان في الحياة، وحماية الأرض، وصيانة السلم والعيش المشترك، ومع ذلك تكاد تختفي هذه القيم علاقة بالحرب المجنونة في أوكرانيا، ويسود الاصطفاف العاطفي، ولا يبالي الكثيرون بالمأساة الإنسانية الكبيرة.
بغض النظر عن قوة مبررات هذا الطرف أو ذاك، فإن الشعوب تستحق التضامن، ومن أجل سلامتها يجب أن تتوقف الحرب أو الحروب.
أبرياء في أوكرانيا يموتون اليوم، ولا يهم كثيرا على يد من يقتلون، وعشرات الآلاف فروا من مدنهم وقراهم، وتحولوا إلى لاجئين ونازحين ومهجرين، وكم كان لافتا ومعبرا كون الناس يغطون النصب الأثرية والتذكارية واللوحات الفنية في شوارع المدن الأوكرانية، وذلك لتحصينها، وحتى لا تطالها شظايا القذائف والصواريخ، كما لو أنهم يعلنون تمسكهم بالمكان وذاكرته، ويتطلعون إلى العودة، ولا يطلبون سوى العيش الآمن في الديار.
الحرب دائما تخرب الأمكنة وتدوس عليها، وتستهتر بالحياة والفنون.
ليس المهم اليوم الترافع من أجل هذا الطرف أو ذاك، أي لنبرر(حق) أحدهما في إشعال الحرب، لأن هذا يعني الاصطفاف ضد الحضارة الإنسانية، وضد حق الشعوب في السلم والأمن والحياة…
لا مجال للعمى الفكري ولمجاراة جنون الخراب من أي طرف.
الوقت للمطالبة بالوقف الفوري للحرب، وعودة الفارين والمهجرين إلى ديارهم، وإعادة الأمن والاستقرار، ثم حل كل المشكلات السياسية والإستراتيجية والحدودية عبر الحوار، وبالطرق السلمية والديبلوماسية الحضارية.
وفضلا عن الشعبين الشقيقين والجارين، الروسي والأوكراني، فإن الشعوب الأوروبية كلها توجد مصلحتها في وقف الحرب وعودة الاستقرار إلى المنطقة، كما أن شعوبا أخرى عديدة في قارات مختلفة ستعاني من استمرار الحرب وتفاقمها، ومنها الشعوب المغاربية والعربية وسواها، ولكل هذا تعتبر المطالبة بوقف الحرب الروسية الأوكرانية، وتحقيق السلام فورا، موقفا وطنيا ومبدئيا لكل هذه الشعوب.
الحرب بشعة وهمجية في كل الأزمان، وتحت كل المبررات، والشعوب كلها تستحق الحياة والسلام.
لتتوقف الحرب الروسية الأوكرانية.
محتات الرقاص