نحو مقاربة جديدة للشباب في المنطقة العربية

اختتم منتدى الشباب في المنطقة العربية أعماله في مدينة أصيلة في المغرب الأسبوع الماضي برسالة واضحة مفادها أن الاعتراف بالدور الإيجابي للشباب وإشراكهم في كافة مناحي الحياة وتغيير النظرة إليهم وإتاحة الفضاءات العامة للحوار البناء بينهم وبين صناع القرار هي السبل الوحيدة لبناء مجتمع عربي مزدهر يتمتع بثقة ومساهمة شبابه. هكذا ودون مواربة، علق المشاركون في المنتدى الذي نظمه صندوق الأمم المتحدة للسكان بالاشتراك مع المنتدى المتوسطي للشباب في المغرب والمنظمة العالمية للحركة الكشفية على التوصيات الناتجة عن ورشات العمل المختلفة، والتي ركزت على دور من هم دون الثلاثين عاما في المواضيع المختلفة ولاسيما: المقاربة والسردية الجديدة المنشودة للشباب، الابتكار في خدمة الشباب وقضاياهم، والشباب والسلم والأمن، وغيرها من المواضيع التي، إن تمت معالجتها بشكل بناء وفعال، إنما سرعت في عملية التنمية وفي تقدم البلاد العربية.
أظهرت دراسات مختصة في السنوات الأخيرة حالة من الإحباط وانسداد الأفق لدى الشباب في البلاد العربية، وأوضحت أن البطالة سبب رئيس وراء شعور الشباب بالقلق إزاء المستقبل، ودافع قوي للهجرة بأي طريقة، رغم قصص الموت على قوارب غير آمنة.  كما عكست الدراسات شعور الشباب بتهميش تام لدورهم وآرائهم وتطلعاتهم من قبل صناع السياسة، لا سيما في مرحلة تبعات الربيع العربي الذي كان من أكثر سماته وضوحا دور الشباب والشابات المطالبين بفرص أكثر إنصافا.
وبينما تنشغل الحكومات بالبحث عن صيغة تمكنها من الحفاظ على الأمن، يطالب الشباب، والذين يمثل من هم دون سن الثلاثين منهم أكثر من نصف سكان البلاد العربية حكوماتهم بالتعامل معهم على أنهم طاقة تساهم بتقدم بلادهم، لكن إن تم إقصاؤها فبإمكانها أن تتحول إلى غضب من الصعب امتصاصه ومواجهات قد تخرج عن السيطرة بين الشباب وما يرونه على أنه تمثيل للسلطة.
 لنعد إلى الوراء قليلا وننظر إلى جذور المشكلة: لماذا يعمل الكثيرون في أعمال أغلبها غير نظامية ومؤقتة ودون أي تغطية صحية أو اجتماعية بحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية صدر عام 2018؟  لماذا تشهد المنطقة العربية نسبة البطالة في البلاد  هي الأعلى في العالم، فقد وصلت إلى قرابة 30%؟ لماذا يعمل 42% من الشباب بوظائف دون مؤهلاتهم العلمية، بحسب الدراسة ذاتها؟ لماذا عبر نصف الشباب في المنطقة العربية عن شعور بعدم الثقة بحكوماتهم فيما يتعلق بالتصدي للبطالة؟
 ظهرت هذه الأسئلة بوضوح في جلسات المنتدى الذي ضم أكثر من 200 شاب وشابة من 20 بلد عربي، التي ضمت أيضا وزراء ومسؤولين رسميين وباحثين وقادة حركات شبابية وفنانين ومثقفين، شاركوا جميعا في نقاشات حول تصور الشباب لحياتهم ودورهم ومستقبلهم، وما يرونه كفرص يجب على حكوماتهم أن تهيئها لهم وأن تساعدهم على قطفها، بدل ما وصفوه كعوامل تساهم في عزلهم وتحييدهم عن الفضاء العام. تبلورت النقاشات حول ضرورة أن تقوم كل استراتيجيات الدول المتعلقة بالتنمية والعمل والاقتصاد على أساس حق الشباب والشابات بالمشاركة، وفي توفر فرص التعليم والصحة ذات الجودة لهم بحيث يكونوا جاهزين للعب دور فعال وليس ثانويا في صنع القرار. كيف لا وقد نص قرار مجلس الأمن رقم 2250 لعام 2015 حول الشباب والأمن والسلام على ضرورة تعزيز مشاركة الشباب في هذين المجالين وزيادة تمثيل الشباب في عمليات صنع القرارات الهادفة لمنع نشوب النزاعات وحلها؟
 مرة أخرى يسطع نجم الشباب والشابات في مؤتمر يعزز دورهم، فيفردون أمام من هم أكبر سنا مثلي قدرات أتفاجأ بها من جديد، من عروض لمشاريع صغيرة، إلى حلول مبتكرة لمشاكل يومية، إلى دراسات محكمة حول الحكامة والتشاركية في القرار. وبناء على محتوى النقاشات، وكتعهد من صندوق السكان أمام الشباب في المنطقة العربية، فقد اعتمدنا كمنظمة إطار عمل إقليمي سوف نبدأ بتنفيذه في 2019 بالاشتراك مع منظمات شبابية عربية وأوروبية وأفريقية بغية الحفاظ على مساحة يشعر داخلها الشباب بالأمان ونساندهم كمنظمة على صقل أفكارهم لينتج عنها اقتراحات فعلية تستطيع الحكومات تبنيها.
 المشوار طويل في منطقة لا يتوقف فيها البركان عن الغليان، لكنه طريق يتسع للمبادرات وفيه مجال للتغيير، إن وجدت الإرادة السياسية عند الحكومات، والوعي السياسي والبناء عند الشباب.  هناك تعبير راودني خلال استماعي إلى مداخلات المشاركين في المؤتمر وهي “لنلتق في منتصف الطريق”، وهو مكان يريد مؤتمر الشباب أن يحافظ عليه، فيقنع السياسيين بفتح المجال أمام الشباب ويقنع الشباب أن صوتهم مؤثر. أوضح المنتدى أهمية وجود فضاء عام يجمع الشباب والمسؤولين والمفكرين والمبادرين والفنانين والمثقفين، يتناقشون فيه بشفافية وبهدف الوصول إلى تفاهم مشترك حول عقد اجتماعي واضح للمهام والمسؤوليات في إطار من المساءلة والحكامة الرشيدة.
 لنحصي الأولويات: أن تتفهم الحكومات مطالب الشباب وتعمل على مراجعة مواقفها فيما يتناسب مع الواقع، وأن تتخذ مواقف أكثر ارتكازا إلى الحقوق وأكثر استثمارا في الفئة الشبابية، بالمقابل أن يصبح الشباب أكثر تقبلا لتحمل المسؤولية والانخراط في عمليات بناءة لتغيير واقعي. يأتي إذن إطار العمل الإقليمي الذي أطلقه صندوق السكان في المغرب كرد يسعى إلى تعزيز الدور الإيجابي للشباب والاعتماد عليهم كجزء من الحل، وليس كمشلكة تواجه الحكومات. التغيير الجدي بحاجة إلى قرارات عملية أولها الاعتراف بأن حال المنطقة صعب وشبابها يجب أن يكون مصدرا للطاقة وليس نارا للبركان.

> بقلم: الدكتور لؤي شبانه 
مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة العربية

Related posts

Top