ندوة تكوينية حول قضايا في الفلسفة الحديثة والمعاصرة

نظم مختبر الفلسفة والمجتمع،»فريق قضايا في الفلسفة الأخلاقية والسياسية» بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن طفيل القنيطرة، ندوة تكوينية لفائدة الطلبة الباحثين في سلك الدكتوراه، بتنسيق الأستاذين أحمد العلمي ومحمد المحيفيظ.
تناولت الجلسة الصباحية فقرتين: الفقرة الأولى عالجت قضايا معرفية، والفقرة الثانية تناولت قضايا أخلاقية:
فقد كانت مداخلة الباحث «عمر أرعيش» في موضوع «نقد النزعة العلمية عند ميرلوبونتي»، حيث أبرز من خلالها الخطوط العريضة للنقد الشامل الذي وجهه موريس ميرلوبتي للنزعة العلمية في مجالين أساسين، هما المجال الفيزيولوجي والسيكولوجي، إذ يرى الباحث أن «البذور الأولى لهذا النقد تعود إلى تنامي النزعة العلمية ومحاولتها الانفراد بمقوم الوعي والحياة الواعية عموما.. وتنطلق النزعة العلمية من كون الوعي الإنساني، شيئا قابلا للدراسة وفق الآليات المنهجية للعلم.. ويعد السلوك الحقل الخصب الذي تستثمر فيه أبحاثها حيث يشكل بأنواعه المختلفة التجسيد المادي لأفعال الوعي وبالتالي للوعي ذاته».
وكانت المداخلة الثانية من طرف الباحث «أيوب أبو بكر» التي أبرز من خلالها جانبا من فلسفة جيل دولوز ونقده للصورة الدوغمائية للفكر. إذ يرى الباحث أن «النقد الذي وجهه دولوز للفكر يتمحور حول كونه فكرا يظل محكوما بصورة ذات طبيعة وثوقية. هذا الموقف النقدي الذي انتهجه دولوز، دفع به إلى الوقوف على مجموعة من المسلمات التي توجه التفكير الفلسفي وخاصة صورة الفكر الوثوقية التي تعتقد في وجود بداية مطلقة يستطيع الفكر الفلسفي الانطلاق منها من خلال التخلص من كل المسبقات الذاتية والموضوعية، ثم بناء الفكر على تصورات تصدر عن الحس المشترك. هذه الصورة الوثوقية للفكر تعتبر الخطأ هو الجانب السلبي الوحيد والمطلق في الفكر، مفترضة أن اعتماد منهج صارم كفيل بتخليص الفكر من سقطاته».
أما المداخلة الثالثة فكانت للباحث خالد بنشانع، حول موضوع «سؤال الفن في الفلسفة»، حيث تم التطرق من خلالها إلى علاقة الفلسفة بالفن عند مجموعة من الفلاسفة، إذ يرى أن الفلسفة رأت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر أنها في حاجة إلى الفن. وقد أفضى هذا الاهتمام إلى نشأة مجال فلسفي جديد أطلق عليه اسم»إستيطيقا».
لهذا حسب الباحث أن علاقة الفيلسوف بالفن ليست مجرد اهتمام هامشي وإضافي. وإنما هي انشغال ينطلق من صميم عمل الفيلسوف. من هذا المنطلق توقف الباحث عند معالم مقاربة جيل دولوز للمسألة الاستيطيقة، وفي كون كتب هذا الفيلسوف تعد بمثابة كتب فلسفية خالصة، ترسي لتصور استيطيقي ينسجم مع صورة الفكر الجديدة القائمة على المحايثة للحياة التي حاول رسم خطوطها الأولى منذ إصدار أطروحته الأساسية في كتاب الاختلاف والتكرار، ساعيا إلى معرفة كيف يفكر الآداب والفن التشكيلي والسينما لإبداع مفاهيم تناسب الفلسفة.
أعطيت الكلمة بعد ذلك للباحث فريد أبي بكر، الذي كان موضوع مداخلته «العقلانية عند بيير بايل»، مبينا موقف بايل من المسألة الأخلاقية ومدى تأثيره في الفلاسفة اللاحقين. إذ يرى الباحث أن بيير بايل كان له إسهام كبير في إثارة إشكالات وزعزعة يقينيات عمرت إلى حدود نهاية القرن السادس عشر، وتشكيل تصورات جديدة ما كان التفكير فيها ممكنا من قبل، ستنعكس إيجابا وبشكل حاسم فيما بعد على بنية العقل الغربي، بل إن فكره كان تعبيرا عن العقلانية التي ستشكل جوهر فلسفته للتسامح كما يقول الباحث.
المداخلة الثانية كانت للباحث «المحجوب المشهوري» حول أخلاق المنفعة حسب جون إستوارت ميل»، وذلك من خلال البحث في نظرية الأخلاق النفعية ومبادئها الموجهة للفعل الأخلاقي مع إبراز أصالة المذهب النفعي في تناوله لسؤال الأخلاق ولمطلب العدالة في صورتها الوضعية، حيث عمل الباحث على مقاربة مبادئ الأخلاق النفعية باعتبارها أخلاقا عملية هدفها تحصيل سعادة الفرد والمجتمع، ثم كذلك الصلة الوثيقة بين أخلاق المنفعة وبين العدالة، كاشفا من خلال ذلك الحضور الأخلاقي في التشريع السياسي لقوانين العدالة.
وأخيرا كانت مداخلة الباحث «سفيان البطل» حول تجارب فعلية للفلسفة الأخلاقية عند وليام جيمس، حيث بين الباحث أن المسألة الأخلاقية لدى وليام ترتبط أساسا بالقيم التي ينتجها المجتمع البشري على ضوء تجاربه الاجتماعية، فمتى كان كل فرد يشكل جزءا من صورة المجتمع كان له الحق في الدور الفعلي والمساهمة في بناء معنى الفلسفة الأخلاقية.
وجرت أطوار الجلسة الزوالية التي سيرها الدكتور محمد المحيفيظ على خمس مداخلات انصبت حول المسألة السياسية.
مداخلة الباحث «فهد الخمليشي» حملت عنوان «طبيعة السلطة السياسية وأدوارها عند توماس». وقد بين الباحث طبيعة السلطة السياسية لدى هوبز، معتبرا إياها حقا يفوض إما بموجب واقعة الاكتساب أو بموجب فعل التأسيس، وبالتالي يتعين الحامل للسلطة كوحدة منفصلة تتميز عن الخاضعين لسلطته، وتتشكل علاقة أحادية تعدم كل السلط التي يحوزها من له سلطة عليهم وتصبح في متناوله.
ثم جاءت مداخلة الباحث عبد الكريم كريبي، حيث تناول بدوره موضوع طوماس هوبز والكنيسة، أو الوظيفة النقدية للفلسفة السياسية، مبينا من خلال ذلك النقد الذي وجهه هوبز للدين،بحيث يرى الباحث أن النقد الذي وجهه هوبز، غايته دحض التصور الكنسي التيوقراطي الذي ينتصر للدولة الدينية على حساب الدولة المدنية. ويعتمد الدحض على نقض الفكرة المزدوجة التي يدعي الكنسيون من خلالها أن المسيح أقام ملكا في الدنيا، وأنه أورث هذا الملك للكنيسة.
أما الباحث خاليد الخطاط فكان موضوع بحثه «روسو وأصل الاختلاف مع فلاسفة العقد الاجتماعي»، حيث حاول إبراز معالم التحول والجدة التي قادت روسو لبلورة نظرية متفردة في نشأة المجتمع.
ثم جاءت مداخلة الباحث عبد العزيز السعداني حول موضوع «الاستبداد الديمقراطي، بوادره وتجلياته»، حيث رسم معالم الاستبداد في النظام الديمقراطي، وقد بين الباحث بعض المؤشرات التي أدت إلى الاستبداد في العصر الديمقراطي التي تتجلى في أزمة التدبير السياسي من قبل الأغلبية الحاكمة التي تفرض وصاية على الشعب. ثم تدني الوضع الأخلاقي وقيم الفردانية والحرية في المجتمعات التي هي الأكثر حرصا على تضمين قيم الديمقراطية مبادئ سامية وقواعد راقية، متوسلا الباحث في ذلك إلى وجهة نظر الفيلسوف الفرنسي أليكسيس دوتوكفيل الذي حلل هذا الاستبداد الديمقراطي في كونه استبدادا لينا و منظما. بل أكثر فتكا ووطأة، لأنه يمس قيم الفرد السامية كالحرية والكرامة والمبادرة.
وأخيرا جاءت مداخلة الباحث قاسم شرف الذي تناول موضوع الثابت والمتحول في مستقبل الأديان العلمانية عند غوشيه، حيث حاول إبراز الجوانب الثابتة والمتحولة في الأديان العلمانية من منظور مارسيل غوشيه، باعتباره الفيلسوف الذي أراد إعادة قراءة الحداثة من منظور تاريخي من خلال أطروحته الشهيرة الخروج من الدين.

> متابعة: منصور هريمش

Related posts

Top