يعد نعوم تشومسكي أحد أبرز العقول المفكرة في مجالات اللسانيات والفلسفة والسياسة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، مما جعله شخصية بارزة ومرموقة تستحق الاستكشاف.
تم، مؤخرا، تداول شائعة “وفاة” المفكر تشومسكي البالغ 95 عاما في منصات التواصل الاجتماعي، لكنه في الحقيقة لا يزال على قيد الحياة، طريح الفراش بعد فقدان القدرة على الكلام.
تفاعلا مع الإشاعة المذكورة، أصدر المستشفى الذي يرقد به الرجل، بيانا ينفي فيه صحة الأخبار الزائفة التي انتشرت بسرعة نظرا لشهرة الرجل، كما أن زوجته فاليريا تشومسكي، ردت على رسالة وردتها عبر البريد الإلكتروني من وكالة فرانس برس، أن الشائعات المتداولة “ليست صحيحة، إنه على الأحسن ما يرام”.
عاش أفرام نعوم تشومسكي الذي ازداد بتاريخ 7 دجنبر 1928 في فيلادلفيا، بنسلفانيا، بالولايات المتحدة ونشأ في أسرة يهودية، في محيط تؤثثه الثقافة والأعمال الأكاديمية والنشاط السياسي، بحكم أن والده، ويليام تشومسكي، كان لغويا ومؤرخا، وكانت والدته، السي سيمونوفيسكي تشومسكي، ناشطة في المجتمع اليهودي، وهو ما أثر بشكل كبير في تشكيل شخصيته وأفكاره.
وأظهر تشومسكي منذ طفولته شغفا وحبا بالقراءة والكتابة، ذلك أن أول مقال كتبه كان حول صعود الفاشية في أوروبا، مما عكس اهتمامه المبكر بشتى المجالات السياسية والاجتماعية وتنامى فضوله المعرفي بحكم اهتماماته المختلفة.
التحق تشومسكي بجامعة بنسلفانيا حيث درس الفلسفة واللغويات تحت إشراف زيلغ هاريس، أحد الرواد في مجال اللغويات، بعد حصوله على درجة البكالوريوس في سنة 1949، ثم واصل دراسته في الماستر خلال سنة 1951، والدكتوراه في سنة 1955، وخلال هذه الفترة، طور تشومسكي نظرياته التي ستغير وجه علم اللغويات بشكل كبير.
واشتهر تشومسكي بنظريته في النحو التوليدي، التي أحدثت ثورة في دراسة اللغة، متوصلا إلى نتائج مفادها قدرة الإنسان على استخدام اللغة التي تعتمد على بنية عقلية فطرية، ومن جهة أخرى، فتح هذا الاكتشاف آفاقا جديدة في فهم اللغة والعقل البشري، ووضع أسسا جديدة لعلم اللغة الحديث.
انضم تشومسكي إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في عام 1955، حيث أصبح أستاذا للغويات، ونشر في مسيرته الأكاديمية الطويلة، الكثير من الكتب والمقالات التي غيرت طريقة التفكير في اللغويات والفلسفة والعلوم الاجتماعية، علاوة على عمله الأكاديمي. كان تشومسكي ناشطا سياسيا بارزا، معارضا للسياسات الخارجية الأمريكية ومناصرا لقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
وكتب مجموعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عقب انتشار إشاعة وفاة نعوم تشومسكي، تدوينات تبرز المسار الأكاديمي والمعرفي والثقافي الذي سلكه الرجل، من قبيل التدوينة التالية التي تقول: “نعوم تشومسكي هو شخصية ملهمة ومحورية، حاز على تقدير واسع في الأوساط الأكاديمية والسياسية حيث المفكر والكاتب جورج ليكوف وصفه قائلا: تشومسكي هو الشخص الذي أعاد تعريف دراسة اللغة وأثر بشكل عميق على الفلسفة والسياسة”.
من جهته كتب الأستاذ محمد مطاعي في تدوينة على “الفايسبوك” أن نعوم تشومسكي “من أبرز علماء اللسانيات والرياضيات في عصرنا، حيث ساهمت أعماله في تغيير وجه العديد من المجالات الأكاديمية، ويعتبر صوتا جريئا في النقد السياسي والاجتماعي، كما يعرف بمواقفه الثابتة ضد الصهيونية والإمبريالية العالمية، ودافع بشدة عن حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، ويوصف بأنه مناصر للمظلومين والمضطهدين في جميع أنحاء العالم”.
ويمكن القول بأن نعوم تشومسكي ليس مجرد عالم لغويات فحسب، بل إنه مفكر شامل، وناشط سياسي، وصوت ضمير يواصل الدفاع عن العدالة والحرية، نظرا لإسهاماته الأكاديمية ونشاطه الاجتماعي، وسيظل تشومسكي بصمة لا تمحى في تاريخ الفكر الإنساني، إن حياته تمثل مثالا على الالتزام بالبحث عن الحقيقة والسعي نحو تحقيق مجتمع أكثر عدالة وإنسانية، ذلك أن شائعة خبر موته أعادت التفكير في نظرياته التي ستبقى رمزا حيا للتفكير النقدي للنشاط الاجتماعي والسياسي.
دنيا بنلعم (صحافية متدربة)