ترتكز الإستراتيجية الفلاحية الجديدة على تعبئة مليون هكتار من الأراضي الفلاحية الجماعية لصالح المستثمرين وذوي الحقوق. في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، يسلط عبد المجيد الحنكاري، العامل مدير الشؤون القروية بوزارة الداخلية، الضوء على مقتضيات هذه العملية، وسيرها، وتأثيرها على إنعاش الاقتصاد الوطني.
1- ما هي الغاية من هذه العملية، وكيف يمكن تنفيذها؟
تشكل تعبئة مليون هكتار من الأراضي الجماعية، كما أبرز ذلك جلالة الملك نصره الله في خطابه الأخير، بالفعل، ركيزة أساسية من ركائز الاستراتيجية الفلاحية. فالأراضي الجماعية التي تناهز مساحتها 15 مليون هكتار تزخر بفرص استثمارية في قطاعات مختلفة.
ومن ضمن 15 مليون هكتار هذه، هناك حوالي 1,5 مليون هكتار يتم استغلالها مباشرة وبحرية من قبل ذوي الحقوق. والتحدي القائم حاليا يتمثل في تعبئة مليون هكتار إضافية من الأراضي الفلاحية الخالية من أي استغلال فردي، لوضعها رهن تصرف المستثمرين من ذوي الحقوق والخواص.
وتقوم الخطوة الأولى، بمساعدة السلطات المحلية والإقليمية المعنية، على جرد هذه الأراضي ووضع مرجع جغرافي لها، مع الأخذ في الاعتبار جميع العوامل المطلوبة لإنجاز المشاريع الفلاحية، ولا سيما مستوى خصوبة التربة وتوفر المياه السطحية أو الجوفية، والمساحة الدنيا القابلة للاستغلال والوصول إلى الأراضي، وغيرها.
وبمجرد جرد هذه الأراضي، سيتم تقسيمها إلى قطع ذات جدوى اقتصادية وتقنية وتأجيرها من خلال طلبات عروض بدفاتر تحملات على النحو المنصوص عليه في النصوص الجاري بها العمل.
وستوضع جميع المداخيل المالية المحصلة رهن تصرف الجماعات المالكة للبت في مصيرها بحرية، إما من خلال إعادة استثمارها في شكل مشاريع تنموية لجميع أفراد الجماعة المعنية، أو بتوزيعها بين ذوي الحقوق استنادا إلى لائحة تستوفي المعايير المطلوبة.
2- كيف سيكون وقع هذا الاستثمار على المدى المتوسط والبعيد، لاسيما في مجال التشغيل؟
سيتم صرف الميزانية التي ستخصص على المدى المتوسط لهذا المشروع في شكل صيغ تحفيزية للتأطير والمساعدة على الاستثمار والحماية الاجتماعية، ستستفيد منها في البداية طبقة قروية من ذوي الحقوق المهددين بالإقصاء من الولوج والاستغلال المعقلن للعقار الجماعي، وبالتالي طبقة تعاني من الهشاشة والفقر.
هذه الطبقة القروية لن تستفيد فقط من المزايا المتاحة في إطار الفلاحة التضامنية التي يتضمنها برنامج مخطط المغرب الأخضر، ولكن أيضا من استراتيجية “الجيل الأخضر 2020-2030”.
وفي ما يتعلق بتأثير هذه العملية والنتائج المباشرة المتوخاة منها، فإن هذه الأخيرة تتمثل في تحسين المداخيل وخلق فرص الشغل، واستدامة المشاريع، وانبثاق جيل جديد من الشباب المقاولين، وبروز تجمعات أو تعاونيات جديدة، وخلق أنشطة مدرة للدخل.
وتنضاف إلى ذلك الآثار غير المباشرة ذات الوقع الكبير على تحسين مؤشر التنمية البشرية من خلال تحسين مؤشرات الصحة والتمدرس، والحد من الهجرة القروية والسكن غير اللائق، وكذا تقليص معدل الجريمة.
3- كيف يمكن التوفيق بين النظام المعقد للأراضي الجماعية وضرورات الفلاحة العصرية؟
يجد تاريخ تعقيد نظام الأراضي الجماعية تفسيره في الثقافة الشفهية، والجهل المحض بالبيئة القانونية المتعلقة بهذا النظام. في واقع الأمر، يمكن الولوج للأراضي الجماعية بسهولة لإنجاز المشاريع الفلاحية، سواء بالنسبة لذوي الحقوق أو الأشخاص الذاتيين أو المعنويين. وإضافة إلى القانون 17/62، ومرسوم تطبيقه، أصدرت السلطات الوصية دلائل، ودوريات لتأطير ومواكبة السلطات الإقليمية والمحلية والمستثمرين لتسهيل إنجاز المشاريع.
وعلى سبيل المثال، فإن المساحة الاجمالية المخصصة للاستثمار الفلاحي تفوق 100 ألف هكتار من الأراضي الجماعية التي تهم مشاريع عصرية للزيتون، والنخيل المثمر، والورديات المثمرة، والحوامض، والفواكه الحمراء، فضلا عن مشاريع جديدة أخرى.
4- ماذا عن عملية خوصصة الأراضي الجماعية، وماهي البرامج والسياسات المتخذة من طرف الدولة في هذا الإطار؟
هذا سؤال يطرح باستمرار على مستويات مختلفة من الاهتمام. وبالفعل، فالكثيرون يعتقدون أن الأراضي في ملكية الدولة أو الجماعات الترابية. صحيح أن الوصاية على الأراضي الجماعية مخولة للدولة في شخص وزير الداخلية، وأن هذا النظام معزز بمقتضيات قانونية للحماية وامتيازات مماثلة للممتلكات العامة، لكن الحقيقة القانونية تجعل من هذه الأراضي ممتلكات خاصة في ملكية الجماعات. هذه الجماعات مكونة من الأشخاص ذوي الحقوق، النساء والرجال الذين يستغلون هذه الأراضي بملكية مشتركة. وبالتالي، وبالمعنى الدقيق للتشريع الجاري به العمل، لا يمكن طرح مسألة خوصصة الأراضي لأنها في الأصل كذلك. وسهلت مقتضيات التشريعات الجديدة حول الأراضي الجماعية إنجاز برامج من قبيل فتح مليون هكتار للاستثمار، وتشجيع تعاونيات ذوي الحقوق، وتسريع ورش “تمليك” الأراضي الجماعية الموجودة في المناطق السقوية، والفتح بشرط الاستثمار، للأراضي الجماعية البورية للتمليك لفائدة ذوي الحقوق، دون إغفال مختلف مشاريع التنمية المنجزة الممولة من الصناديق الجماعية. 5- هل هناك إطار قانوني لحماية وتثمين الأراضي الجماعية؟ كما تم ذكر ذلك من قبل، متع المشرع نظام الأراضي الجماعية بالحماية للحيلولة دون كل محاولة لتملكتها من طرف ثالث. وقد عززت مقتضيات النصوص القانونية الجديدة هذه الحماية لضمان تثمين شفاف يستفيد منه في مقام أول ذوو الحقوق بطريقة مباشرة وغير مباشرة. وعلى سبيل المثال، فإن كراء والتنازل عن الأراضي الجماعية يتم وفق دفتر تحملات يفرض التثمين الحقيقي والمفكر فيه لمواجهة محاولات المضاربة.