قال الكاتب والناقد المسرحي أحمد مسعاية، المدير السابق للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، إن هناك غيابا لدعم وإرادة سياسية حقيقية للرقي بالفن المغربي، وبالخصوص الفن المسرحي.
وأضاف أحمد مسعاية، في حوار أجرته معه “بيان اليوم” عقب تكريمه والاحتفاء به خلال الدورة الثالثة للمهرجان الدولي للمعاهد المسرحية الذي اختتمت فعاليته ليلة الأربعاء الماضي، أن المسرح اليوم بالمغرب “ميدان هش”، مشيرا إلى أن المعيطات على أرضية الميدان قد تحبط وتطفئ الشعلة الفنية داخل الطالب/الفنان وبالتالي قد تشعره باليأس من الميدان الذي اختاره.
ودعا مسعاية من خلال هذا الحوار إلى ضرورة تحمل المسؤولية، التي قال، إنها مسؤولية جسيمة جدا ومسؤولية الجميع وبالأخص الدولة من خلال إشرافها على القطاع. موضحا أن هناك خللا كبيرا في المنظومة، يجب معالجته في أسرع وقت وبالأساس بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي الذي يجب أن يكون التكوين به “حازما” و”صارما”. وفق تعبير مسعاية.. وفيما يلي نص الحوار:
بداية سي أحمد مسعاية، باعتباركم الشخصية المحتفى بها هذه السنة بالمهرجان الدولي للمعاهد المسرحية ما شعوركم؟
>صراحة سعيد جدا بهذا المهرجان، ليس لأنه احتفى بي فقط، ولكن كمسرحي وكاتب وكمدير سابق للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي جميل أن يأتي الاعتبار والتكريم من طرف طلبتك، وهذا شرف كبير ولاسيما وأن التكريم جاء من خلال مهرجان للمعاهد التكوينية في المسرح ومن طلبة المعهد الذي أشرفت عليه لسنين متعددة. وهذا بالطبع يجعلني اليوم سعيد جدا، وهي فرصة أيضا لكي أتقدم بالشكر للقائمين على هذا المهرجان الذين فكروا في واستدعوني واحتفوا بي بطرقة جميلة جدا..
> كمدير سابق للمعهد المسرحي والتنشيط الثقافي كيف تقيم اليوم أداء المعهد؟
>يصعب علي تقييم المعهد حاليا، لكن كمتتبع مثل كافة المتتبعين من داخل المجال، ألمس استياء من حيث المستوى. وعلى ما يبدو ومن خلال عروض المعهد هناك شيء من النقص بالمقارنة مع مدارس التكوين العالمية سواء من أوروبا أو أمريكا اللاتينية. صحيح أن هذه المقارنة في حد ذاتها غير مناسبة، إذ لا يجب أن نقارن معهدا شبه متخلى عنه من قبل الوزارة ومن طرف الدولة التي لا تعتني به ولا تعتني بالحقل المسرحي بشكل عام، وبين معاهد مسرحية كبرى تحظى بدعم كبير وتشتغل في بيئة مساعدة. فهنا لا يمكن أن تكون النتائج ممتازة في ظروف عمل سيئة، وهذا ليس فيه أدنى شك، لكن يجب على المعهد أن يكون طموحا وأن يكون أكثر وعيا بأهمية تكوين الشباب الذي يختار هذا الفن، والسهر على تكوينه تكوينا جيدا.
> كمسرحي ومتتبع ما هي الميزات التي طبعت الدورة الثالثة من المهرجان الدولي للمعاهد المسرحية؟
>الميزة هذه السنة هي جودة العروض، لقد استمتعنا حقا بعروض جيدة وجميلة جدا، بحيث أظهرت الفرق المشاركة أعمالا محترمة تليق بها وبالمعاهد التي تمثلها. وهناك عروض تشاهد كأنها عرض احترافي رغم أن من قدموها لا زالوا طلبة في طور التكوين. وهذا أمر جيد فعلا، ومفرح لنا أن نتلمس هذا المستوى. كل العروض بدون استثناء بما فيها العروض الإفريقية كانت جميلة جدا لولا بعض الملاحظات البسيطة التي سجلتها شخصيا.
> ما هي هذه الملاحظات؟
> كما قلت هي ملاحظات بسيطة منها كيفية الإلقاء بالعروض الإفريقية، التي كانت ضعيفة بعض الشيء، فيما كانت هناك أعمال أخرى متميزة، وكان هناك عرض إفريقي رائع جدا، حيث اكتشفنا فيه طالبا مسرحيا، غاب عني اسمه الآن، غاية في الروعة وممثل هائل وقوي، ونحن نعرف مزايا الجسد الإفريقي حين يلعب هذا الممثل بشكل بارع بجسده وصوته. بالإضافة إلى أن الممثل الإفريقي بشكل عام يتمتع بقوة خاصة.
> وبالنسبة للعروض بشكل عام كيف المستوى هذه السنة؟
> بالنسبة للعرض الذي أبهرني كثيرا بكل صدق هو العرض البولوني الذي كان في مستوى عال جدا بحيث لم نشعر بأن هذا العمل منبثق من طلبة في طور التكوين بمدرسة تكوينية، بل نشعر أننا أمام عمل احترافي، وصراحة أقولها للبعض، وأشدد على كلمة “بعض”، عروضنا المسرحية اليوم على الصعيد الاحترافي لا ترقى إلى مستوى هذا العرض البولوني الذي قدمه الطلبة وكان غاية في الروعة. أيضا العرض المكسيكي الذي حاز على الجائزة، كان عرضا قويا من حيث البحث، وكعرض له رسالة قوية جاء بها. فضلا عن التمثيل الذي كان هائلا وجيدا. أيضا مدرسة “إينبوش” التي مثلها ثلاث طلاب فقط لكنهم استطاعوا شد انتباه الجمهور من خلال قوتهم فوق الخشبة. وحقيقة كنت سعيدا جدا أن أتابع جميع العروض المشاركة في هذا المهرجان والتي كما قلت، في البداية، كانت عروضا جيدة وقوية جدا.
> وبالنسبة لطلبة المعهد المغربي، كيف تقيم مشاركتهم في المهرجان؟
>لا يجب أن ننسى أن العرض الذي شهدناه في اليوم الختامي بقاعة “باحنيني” بالرباط قدمه خريجو المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي وهم بالمناسبة حديثو التخرج، وكما شاهدتم كان عرضا متميزا ويرقى إلى مستوى جيد. وبشكل عام فالعروض المسرحية المغربية تبقى قوية بدليل أن هناك عددا من العروض التي توجت في محافل عربية ونالت جوائز إبداعية وتقديرية مستحقة، وهي، كما ذكرت، من أداء خريجي المعهد. مثلا فرقة مسرح “تانسيفت” التي تقدم منتوجا مسرحيا مشرفا، أعضاؤها هم أيضا من خريجي المعهد، صحيح أنهم تخرجوا منذ مدة وراكموا الخبرة والتجربة، لكن هؤلاء الشباب منذ أن كانوا طلبة بالمعهد كانوا متميزين. وقناعتي الشخصية اليوم هي أن هذا المعهد يجب أن يعي مسيروه أننا لسنا مدرسة تكوينية عادية بل معهد عالي للفن المسرحي أي مستوى عالي (الباكلوريا+4 سنوات) ومباراة الولوج لهذا المعهد من المباريات المهمة على الصعيد الوطني، لذا يجب أخذ الأمور بحزم وانتقاء أجود العناصر على الصعيد الوطني، فالمواكبة يجب أن تكون من البداية ومن المباراة، كما يجب أن نراكم الورشات التكوينية الدولية التي هي ورشات مهمة جدا من أجل أن ينفتح طلبتنا على عدة تجارب. فضلا عن الصرامة، لأن التعليم في معهد فني يكتسب خصوصية، يجب على المشرفين على المعهد أن يكونوا حاملين لهم الطلبة الذين يتلقون ويتابعون التكوينات بالمعهد من السنة الأولى إلى السنة الرابعة.
> وكيف بنظرك ترى مستقبل التكوين المسرحي والفني بالمغرب؟
> بغض النظر عما يمكن أن نقول عن العمل بالمعهد، إلا أن النتيجة تظهر في الأخير، وكل ما نشاهده هو نتيجة تكوين طبعا من السنة الأولى إلى الرابعة. بالفعل المعهد اليوم هو موجود في بيئة ونظام وسياق سياسي معين، بحيث لا توجد تربية فنية منذ البداية، بالإضافة إلى غياب الدعم وانعدام إرادة سياسية حقيقية للرقي بالفن ولاسيما بالنسبة للمسرح الذي هو ميدان هش، حيث أن المعيطات على أرضية الميدان قد تحبط وتطفئ الشعلة الفنية داخل الطالب وبالتالي شعوره باليأس من الميدان الذي اختاره. لذا فالمسؤولية اليوم هي مسؤولية جسيمة جدا، ومع الأسف هناك خلل كبير في المنظومة، يجب معالجته في أسرع وقت. ومثلا اليوم هناك حديث رائج حول المعهد وظروف اشتغاله، إذ يعيش ظروفا استثنائية غير مفهومة، بحيث لا يسيره أي مدير منذ ما يزيد عن ستة أشهر. وهذا إشكال كبير، وأمر غير مقبول.. واليوم اختيار المدير يجب أن يكون اختيارا محكما، لأن المنبع هو التسيير والمدير يمثل الشيء الكثير، فهو بمثابة رب الأسرة والأب. في الأخير لا يسعني إلا أن أقول إنه رغم كل شيء نعتقد ونؤمن بأن هذه المرحلة هي فترة عابرة وستمر، وأعتقد أن الأمور ستزدهر في القادم. كما أتمنى أن يكون مستقبل المسرح في المغرب أفضل من اليوم.
>حاوره: محمد توفيق أمزيان