ثنائية الحب والماء “The Shape of Water”

إنها قصة شاعرية سوداء، تتخذ من الماء بداية ومنتهى، وتتطور كالماء في تجلياتها، متأرجحة بين السيولة والسلاسة والشفافية، كي تتحول إلى سكون وتنقلب قوة صاخبة في الكثير من المشاهد، وكالماء دون شكل أو هيئة يصنع الحياة، يتجسد الحب، هكذا تتطور أحداث فيلم “شكل الماء”، “The Shape of Water”

 للمخرج الميكسيكي غييرمو ديل تورو الذي فاز قبل أيام بجائزتي الأوسكار، عن أحسن فيلم وأحسن مخرج.

 صحيح أن بعض الأفلام القوية تحتاج إلى مشاهدات عديدة لتبوح الصورة بأسرارها وتكشف عن رموزها ويصبح خطابها واضحا، وفيلم “شكل الماء” ينتمي إلى هذا الصنف، من خلال مزجه بين سحر الحكاية الرومانسية الخرافية، المتمثلة في انتصار حب غير متوقع على اختلافات جوهرية عميقة، وبين توظيف الحدث السياسي من خلال الفترة التاريخية التي تتموقع داخلها الأحداث، والمتميزة باشتداد الحرب الباردة والسباق نحو التسلح بين الشرق الشيوعي والغرب الرأسمالي.

تبدأ حكاية الفيلم بقصة امرأة خرساء تعيش وحيدة أيام حياتها المتشابهة، تدعى  “أليسا أسبوسيتو”،  أو “أميرة بلا صوت”، كما يصفها جارها الراوي في بداية الفيلم، أليسا وهي عاملة تنظيف، تشتغل ليلا في مختبر عسكري سري،  تقع في حب مخلوق برمائي لديه زعانف وخياشيم، أحضره بعض العسكريين من أمريكا الجنوبية، قصد إخضاعه لتجارب واختبارات قاسية وعنيفة.

تتقرب منه أليسا، وتقرر إنقاذه من أولئك الذين يتفننون في أساليب تعذيبه ويقررون في الأخير التخلص منه بقتله، فتأخذه إلى شقتها لتعتني به وتحميه، وتنخرط معه في قصة حب خرافية، لكن عناصر الجيش التي تبحث عن سر اختفاء المخلوق البرمائي، ستتمكن من التوصل إليهما في الفترة التي كانت أليسا تستعد لمفارقة عشيقها عبر إعادته إلى النهر، فتصيبها طلقات نارية كانت موجهة إليه…وفي الوقت الذي يعتقد المشاهد بموت البطلة، يأخذ الوحش حبيبته الجميلة إلى عالمه المائي ويعيد لها الحياة، كما منحها من قبل قوة وقدرة على مواجهة العالم غطت على هشاشة بنيتها الجسدية وهامشية موقعها الاجتماعي، دون حتى أن يتبادلا كلمة واحدة.

 تنتهي الحكاية التي تتجاوز الساعتين، إلى الماء كما بدأت ويبقى المشاهد متسائلا حول نهاية مختلفة ومبهمة ليست سيئة أو سعيدة، وعن انطباعه عن فيلم تدور كل مشاهده تحت الأرض وفي الظلام ولم تشرق خلال أحداثه شمس واحدة. 

جسدت دور “أليسا أسبوسيتو” باقتدار كبير، وأداء بديع، الممثلة  “سالي هاوكينز”، في فيلم سريالي مثير ودرامي تخللته أيضا المطاردة والجاسوسية، فيلم دافع عن الاختلاف من خلال تركيزه على المنبوذين والمهمشين ووجه سهام نقد ساخر لمجتمعات تصنف وتقصي البشر حسب انتماءاتهم، ظروفهم أو أشكالهم أو ميولهم. 

بقلم: سعيد الحبشي

Related posts

Top