يقوم الفيلم القصير عموما بإبراز إمكانيات عدة للتجريب، وهو أسلوب يعتمده المخرجون السينمائيون عادة لتجاوز الصعوبات التي يفرضها عمل إبداعي من هذا النوع، عمل له خصوصياته، تتجلى أساسا في ضيق مساحته الزمنية.
الفيلم المعنون بـ”المسرحية” لمخرجه الشاب خالد الضواش الذي يخوض غمار عمله السينمائي الثالث، يدخل في خانة الأفلام التجريبية، على اعتبار أننا لم نكن أمام سرد تقليدي لوقائع تتطور في الزمن، فضلا عن أن ما نشاهده في هذا الفيلم السينمائي لم يكن سوى تشخيص لمسرحية، تتمحور حول عمليات النصب التي تحاك خيوطها أثناء لعب القمار، البوكر تحديدا، وهي لعبة غير شعبية، ومن هنا ربما قد يجد بعض المتفرجين صعوبة في التجاوب مع هذا النوع من اللعب، لجهلهم بقواعده.
العنصر التجريبي في هذا العمل السينمائي أن وقائعه بالكامل تدور حول طاولة القمار، وهذا في حد ذاته يمكن اعتباره تحديا، وهو كيف يمكن أن تحافظ على شد اهتمام المتفرج من بداية الفيلم إلى نهايته دون أن يتسلل إليه الملل والضجر، خصوصا أنه يتبين أن المخرج لم يكن يهمه إبراز قواعد لعبة البوكر، بقدر ما أنه كان يسعى إلى حبك سيناريو عنوانه الرئيسي هو النصب.
لكن كيف أمكن للمخرج أن يقضي على عنصر الرتابة في فيلمه، التي يخلقها بالضرورة وجود مشهد واحد لا يتغير طوال مدة الشريط؟
لقد لجأ إلى أسلوب بسيط، يتمثل في الإيقاع السريع، يمكن القول إن هذا الإيقاع أنقذ الفيلم من الفشل، فضلا عن عامل آخر أساسي وهو التفوق في إدارة الممثلين، سيما وأنه تم الاعتماد على أشخاص متمرسين في هذا الميدان، كما هو الحال بالنسبة لصلاح ديزان. لقد استطاع هؤلاء الممثلون أن يجعلوا المتفرج يحس بالفعل أنه أمامه ممارسة مسرحية، وليس أمام تشخيص سينمائي، هذا هو الرهان الصعب في الفيلم.
لقد أوضح مخرج الفيلم، أن ما ساعده في إنجاح وتبسيط إدارة الممثلين، بالنسبة إليه، هو أنه أثناء كتابة السيناريو، كان يرتسم في ذهنه أن الأدوار المطروحة سيقوم بأدائها أشخاص معينون يعرفهم سلفا، وسبق له أن أشركهم في أعماله السينمائية السابقة، وهؤلاء الممثلون يعرفون أسلوب المخرج وطريقة اشتغاله، فكل دور بدا أنه مصمم على قياس كل ممثل على حدة.
لقد تم اللعب في هذا الفيلم على المتناقضات: الغباء والذكاء، ما هي حدودهما وعواقبهما؟ وبالتالي تم تقديم عمل سينمائي يحمل بعدا تجربييا.
هناك فيلم آخر يتقاطع مع هذا الفيلم، من حيث الاشتغال على تيمة المسرح، وهو كذلك مدرج ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة ومبرمج للعرض يومه الجمعة ابتداء من الساعة الثالثة بعد الزوال، يتعلق الأمر بفيلم “عودة الملك لير” لمخرجه هشام الوالي، وإن كان موضوعه لا يمت بصلة إلى الفيلم السابق، حيث يشير ملخصه إلى كون البطل وهو يقوم بأداء دور الملك لير (المسرحية المعروفة لشيكسبير)، سيصاب بمرض أضعف قدرته على التركيز، وأمام هذا الوضع الصعب سيسعى جاهدا لتذكر تلك اللحظة الفاصلة، وسنرى إلى أي حد استطاع هذا المخرج أن يتوفق في إقناعنا بأننا أمام فيلم سينمائي وليس مسرحية مصورة، مع أن تيمتها الرئيسية هي المسرح.
لم يكن اعتباطيا أن نجد أكثر من فيلم يقوم بإقحام المسرح في العمل السينمائي، سواء في هذه الدورة أو في الدورات السابقة من المهرجان، أستحضر في هذا السياق فيلم “مسافة ميل” الذي كان قد عرض في الدورة الماضية، والذي قدم مشاهد مسرحية في الفضاء الخاص بها، إلى حد أن المتفرج قد يشعر بأنه أمام عمل مسرحي مصور، في حين أنه كان مجرد جزء معزول من فليم سينمائي طويل، لو تم حذفه، فإنه لم يكن ليؤثر في مجريات الفيلم، على عكس التجربتين السينمائيتين المعروضتين في هذه الدورة، حيث أن الممارسة المسرحية جزء لا يتجزأ من الحبكة الحكائية للفيلم ككل.
———
على هامش المهرجان:
حدث ارتباك في برمجة العروض السينمائية للمهرجان خلال الأربعاء الماضي، بشكل غير مسبوق، حيث تم إلغاء حصة الساعة الثالثة التي كان مقررا أن يعرض خلالها شريطان ضمن المسابقة الرسمية، وذلك بسبب عطب تقني في آليات العرض بسينما روكسي التي دأبت على احتضان عروض المهرجان طيلة الدورات السابقة تقريبا، كما أن الحصة المسائية لم تتم في القاعة المذكورة وذلك بعد أن توجه إليها السينيفيليون وضيوف المهرجان كالعادة في الوقت المحدد، غير أن اللجنة المنظمة ستقوم بالإخبار أن العروض ستقدم في قاعة أخرى، هي ميغاراما، وهذه القاعة تقع خارج وسط المدينة، وهو ما أدى إلى ارتباك لم يكن متوقعا، فكان على البعض أن ينتظر وسائل النقل التي يوفرها المنظمون، في حين كان على البعض الآخر أن يتدبر أمره للوصول إلى تلك القاعة، علما أنه من الصعب جدا العثور على سيارة أجرة شاغرة في وقت مماثل.
——–
الندوات التي يجري تنظيمها لمناقشة أفلام المسابقة الرسمية، لا ترقى إلى المستوى، بالنظر إلى تخلي النقاد السينمائيين الحقيقيين عن حضورها، وبالتالي فإن القضايا التي يتم طرحها في الغالب تدور حول ميزانية الشريط وما إلى ذلك. فضلا عن أن بعض المخرجين لا يحضرون لندوات مناقشة أفلامهم، مما يتقرر معها إلغاء تلك الندوات، كما حصل مع المخرج هشام العسري وغيره.
——–
أحد الممثلين السينمائيين الذي لم ينل حظه من الشهرة، لم يكن يفلت حصة من حصص ندوات المناقشة دون أن يثير الفوضى والإزعاج، لا يكف عن الصياح، يعقب على فكرة لم تعجبه، يقاطع المتدخلين، يصرخ في وجوههم، يعاتب هذا المخرج لأنه أغفل الإشارة إلى اسمه في الملصق، ينتفض في وجه مخرج آخر لأنه سمعه يقول إن الممثلين اشتغلوا في فيلمه بالمجان، فيخبره بأنه ليس من حقه أن يفعل ذلك، وأنه ينبغي دفع أتعاب الممثلين، إلى غير ذلك من سلوكاته التي يتضح أنه يريد من وارئها فقط لفت الانتباه إلى شخصه.
——-
من الملاحظ أن مجموعة من الأفلام التي تعرض في هذه الدورة، يتم تدبير ميزانيتها بتقشف كبير، رغم أنها رصدت لها ملايين الدراهم، يتضح ذلك من خلال الديكورات والأكسسوارت وغيرها، وهو ما حدا بأحد المتتبعين إلى التعليق على ذلك بالتعبير الفرنسي بالقول إننا أمام سينما بخيلة.
برنامج أفلام المسابقة الرسمية ليومه الجمعة
الساعة الثالثة بعد الزوال
الفيلم القصير “عودة الملك لير” لهشام الوالي
الفيلم الطويل “غزية” لنبيل عيوش
الساعة السادسة مساء
الفيلم القصير “سيناريو” لرشيد زاكي
الفيلم الطويل “بلا مواطن” لنرجس النجار
> مبعوث بيان اليوم إلى طنجة: عبد العالي بركات