حين يعرض فنان أو رسام ينتمي الى مدارس فنية ، ودراسته تتعلق بإحدى هاته الجوانب ، سيكون الأمر جد عادي … لكن حين يعرض محام ، رجل قانون ، أو طبيب ، أو مهندس قناطر … فان الايقاع يختلف ، فالميدان جاف ولا يحتاج الى لمسات فنية تغير من هذا الايقاع وفق نمط تلك المدارس .
وكان المعرض الأخير للفنان نعيم اشماعو الفهري ، المتمرس في الجوانب القانونية ، في كولف دار السلام بالعاصمة الرباط ، بأسلوب فني متميز ومغاير ، يهم ممارسة هاته الرياضة ، وهي نفسها في حد ذاتها ككل ، وبألوان جذابة ولمسات غاية في الدقة ، لجدب وفتح أكثر من شهية : كان معه هذا الحوار:
> هل من دلالة معرضك الفني بكولف دار السلام ، حول موضوع لاعبي الكولف باللباس التقليدي ، ولماذا رياضة الكولف تحديدا ؟
< اذا كان لكل معرض دلالاته فعليا ، فهذا المعرض كان بعد روية وبعد نظر ،خصوصا في موضوعاته لدفع بعض من المهتمين بهاته الرياضة أو ممارسيها الى مبادرة منهم لتشجيع الفن والفنانين ، وايقاظ هذا الحس لديهم ، وهذا أكبر دلالة .
أما موضوع الكولف بالذات وتحديدا ، فليس بنية مبيتة أو حكرا عليه ، فقد كان بالإمكان ربطه بكرة القدم أو كرة اليد أو التنس ، فمثلا أو أي نوع من الرياضات ، مادامت العلاقة أحيانا تكون وطيدة ، وفي كل حركة تعبير فني يمكن نقله بكل بساطة على اللوحة ، أما اللباس فموضوع أخر يطول بسطه وشرح مراميه …
> هل لكم تأثير بإحدى المدارس الفنية أو بأسلوب فنانين سبقوك في هذا الميدان ؟
< التأثير الفني هو أمر لا مناصمنه ، والتغيير هو في الأسلوب الفني وطريقة الخطوط والمحاور ودلالة اللوحة وقوتها .
وتأثري الشخصي ، كان من خلال احتكاكي الفعلي الدائم لمدة ربع قرن بفنانين تركو بصماتهم ، وبأعمال مشتركة ، ولهم تفان واخلاص لفنهم . لكني أسعى بأسلوبي المغاير ، ربما لترك نوع مميز كما حددت لمساري الفني هذا …
> هل اهتمامك الفني محصور في هذا الباب ، والى جانب له علاقة كذلك بالجانب القانوني كمدافع على ثلة من الفنانين أو مهتم بقضاياهم ، أو بقوانين تهم الفنان والفن عامة ؟
< ـ فعلا ، فالاهتمام يمشي بصورة متوازية ، لا متقاطعة ، بمعنى أن قضايا الفنانين على اختلافها ن تأخذ حيزا يسيرا من انشغالاتي القانونية ، ولم لا ، خصوصا اذا علمنا أن بعضا ، ان لم أقل أغلبية منهم يصارعون ضيق ذات اليد ماديا ، وأحيانا ضيقا معنويا ، رغم وسعها فنيا ، والطاقات متوفرة لديهم لا حصر لها ، ينقصها مزيدا من الرعاية والاهتمام .
> لوحاتك ذاكرة للمعيش اليومي ، كما أنك مسكون بالجسد الموضوعي للأنثى وهي عارية . خصوصية ” الجسد ” في لوحاتك ؟
< اللوحة في حد ذاتها تخضع الى جدل فني / ثقافي أولي وغيرها ، أي الى تفاعلات قبل أن تأتي الى مرحلة النقد عبر مسارها.
اذ هي لحظات وشعور يمر منها الفنان قبل عرضها أو بسطها على اللوحة ، فهي اذن قراءة متكررة ،وفي خطوات قد تصطدم في معدل لا نهاية أحيانا خصوصا خلال المحاكاة مع الطبيعة .
خلال النقد :
هو القراءة الميدانية ، حين ينتقل الشكل الحي الواقعي الى اللوحة ، تراها أحيانا ناطقة ساطعة ، وأخرى باهتة بألوان غير مضيئة ، ولكن رغم ذلك فهناك ترابط نوعي أهمه الجودة والاتقان ، فنحن نعرف أن الألوان تلعب دورها بالأساس ، لكن الطاقة الابداعية لدى الفنان هي التي تميز هذا العمل من غيره ، ويعلم كذلك اختيار الموضوع ، يمكن أن يكون عشوائيا أو عن طريق ايحاءات داخلية بأسلوب يحسه مع انصهار في العمل والتعبير .
عز الفنان :
نعرف أن الفنان كذلك لا يفتش في الايقاع كالفنان الموسيقي مثلا ، وانما مدى تأثير فنية اللوحة المرسومة وما تحمله للذوق الفني لدى المتتبع أي الزائر ،ماكانت تختزنه تعبيراتها بالبؤرة ، تم اللاشعور الى الشعور وما تختزنه الذاكرة الحية والجانب الروحي الى غاية العرض .
> المتتبعون لمسارك الفني ، خاصة في البدايات يقفون عند تأثرك بالمدرسة الألمانية . تحدث لنا عن هذه المدرسة وخصوصيتها الفنية ؟
< المدارس أو الأذواق تختلف كما أن هناك اختلاف في الطعام والملبس ، والحقب الزمنية والتاريخية ، يدخل فيها أخلاقيات الفن وتعبيراته بالنسبة لكل منها ، هناك المضمون والخربشات ، بمعنى اهتمام الفنان باللوحة واعطائها حقها ، وفي كل انتماء للمدرسة مغيب يكون ربط الواقع بالمجتمع أنداك أي البدايات ، فمنه الراقي أو الهابط ، تم المجتمعات المخملية بجدورها والكل للمعرفة الفنية والايحاءات رغم التأثر بالمدارس سواء التكعيبية أو المستقبلية أو الانطباعية بجدورها التاريخية، تم انعكاس أحيانا بشخصية الفنان ومدى تأثيرها لديه من عنف أو هدوء أو رمزية ، وكذلك في اطار مرجعية للذاكرة والباطن والظاهر سواء كان مرئيا أو حسيا ن فيكون الفنان حينها سيد اللوحة رغم الانتماء لا عبرها أو تابعها ، وهذا هو التفاعل الحقيقي المرجو سواء في منهجية كلاسيكية أو انطباعية أو رومانسية أو تجريدية وهلم جرا ، وان كان التجريد حينها مثلا سهل المأخذ .
المستويات وغيرها :
فعلا ألمانيا سوق فنية بامتياز حتى لا أقول مدرسة ، ومن السهل التأثر ، حيث تجد بعض المدن تشمل مئات المعارض وصالات العرض الواحدة جانب الأخرى ، تم أعراس فنية في فضاءات تزخر بألاف الفنانين ومن كل صوب وحدب ، لا تهمهم الا الصباغة تم الصباغة ، الحوار وتبادل الأفكار سيد الموقف ، والمشاركة الحية ومناقشة اللوحة الحية في اطار ابرازها أو بروزها أحيانا اقتسامها واعطاء مسحة فنية لكل منهم ضمنها .
المنافسة هناك غير خاضعة الا لحب الفن والتجربة دون انسياق ، حيث تختلف التقنيات وتخضع لخلط بهي لاستخراج العمق واستدراجه .
> من الملاحظ أستاذ نعيم أنك دائم السفر والترحال في الأمكنة الجغرافية عبر العالم ، وأيضا دائم الترحال في الجغرافيات الذهنية لإنسانيتنا المعاصرة . ماذا أضافت هذه ” الترحالات ” لمسارك الفني ؟
< نعم ، السفريات كانت للبحث والتأثر واستجلاء الحقائق ، في اطار من التناقضات ، فالمجال واسع لتجديد الرؤى حتى لا أبقى منغلقا على ذاتي ما دمت اخترت بعضا من هاته الطرق .
ليس فقط ألمانيا كبدايات ، جاءت بعدها عدة مدن وبلدان أخرى بأوروبا وأمريكا وبعض من الدول الخليجية ، كالإمارات والبحرين وسلطنة عمان ، شملت معارض بفن متميز مختلف ، واعتبر ذلك سعيي لانتشار الفن لا الفنان في حد ذاته ، فالتاريخ خير شاهد ودون خلق أي ضجة أو اكتساح معارض في موجة السوق الفني المتأرجح وغير المستقر والذي تعتريه الكثير من الشطحات والانتماء والغرائز أحيانا حد الطمع في الكسب الغير المبرر .
كنت ارتبط بصداقات لفنانين موهوبين ، وبزيارات متكررة لمقرات عملهم ، وشعرت أحيانا بانجذاب لا شعوري الى نوعية العمل الفني لدى بعضهم المحترفين بالأخص دون رغبة أولية في وضع اليد بالعجين ، لقد تم ذلك عند أحد أقربائي بألمانيا حيث كان البدء ، كان يسكنه الحس الفني بقوة ، ويعمل دون توان وبتقنيات عرفت قيمتها بعد الاحتكاك وطول الفترة الزمنية لذلك ، فأنا الان أتمرت عن أزيد من ربع قرن كانطلاقة ، أما الاهتمام فكان بأزيد عن ذلك بكثير ، ولا أخفيك أنني خضعت وثابرت وتابعت حتى كدت اتخذ قرارا للاستقرار هناك بالبلد في عشقي للفن والبوهيمية ، لولا قناة الربط التي كانت متجذرة بأعماقي كذلك لبلدي وأسرتي وعملي المهني القانوني ، وللمحاماة كمهنتي الأولى والرئيسية والتي تجدبني كذلك أكثر أحيانا من أشياء أخرى ، رغم أن الجمع جائز ، فالفن وسيلة لا غاية لدي وهروب من جحيم الواقع أحيانا ، فأنا أشتاق فنيا وأنتج في تطابق وتفاعل مع نفسي وذاتيتي غير الجانب المادي للوحة أو العمل الفني ككل .
> تكوينك القانوني في سلك المحاماة . كيف يتفاعل نعيم الفنان مع نعيم المحامي ، ومتى تختلي ببياض اللوحة ؟
< ـ أبحث في غالبيتها عن مساحات للظل دون ألوان براقة زاهية أو متوهجة . أصنع اللوحة وأرى ان كنت في بدايتها منجذبا لها في خطوطها العريضة ن فهي كالمغناطيس عليها أن تمارس فعلتها ، واللون هو للحظة والمكان خلال الرسم الوقتي ، أحيانا أبحث عن أشكال أو رقصات مختفية أو ايقاعات لمدارس مختلفة حتى حطت بي الرحال الى اختيار اللوحة بخط معين تهم لاعبي الكولف باللباس التقليدي والتي عرفت بها بعد ذلك وأصبحت تشكل خط مسار فني هو النازل حاليا في أغلب ملاعب الكولف وطنيا ودوليا ، فالاهتمام بالأصالة أحيانا يمكن أن يوصل الى العالمية ولم لا دون استهلاك غير مبرر ، واما للجدور والمنبع .
اذن فقد بدأت بالنظر تم الحس تم الانغماس ، بعدها انتقلت الى مبتغاي على طريقتي الخاصة ، فلابد أن يمر الفنان من عدة مراحل ليتلاءم حينها مع ذاتيته يصرفه الفن كمعيار أو مقياس .
> يلاحظ في لوحات الفنية هيمنة السواد . لماذا ؟ وما هي دلالاته الفنية ؟
< كانت له بدايات كذلك ، ولكن ليس في طورها التمهيدي أو كمبتدئ ، وانما بعد مسار ليس بالقليل المبدئي والتمكن من القلم والفرشاة بإحدى المدارس الخاصة الباريسية للهندسة والتعمير ومنها يتم عرض الجسد لمدة سويعات أو أجساد ان صح التعبير لنقلها عبر اللوحة أو لتعبيرات معينة لفائدة الطلاب بمراكز العمل للمدرسة ، كنت أسرق النظر حين ظهوري المتكرر والمستمر أحيانا لأنني كنت أجد الوقت الكافي ، فتفتحت شهيتي للرسم كذلك لهاته المحاور بالذات ، فبدأت أنسج عبرها الكثير من الرسومات بالقلم الأسود عبر أوراق بيضاء في أوضاع مختلفة تعبيرية . الى أن حصلت فيها على جائزة للرسم بالقلم من طرف الأكاديمية الأوروبية للفنون بباريس في المعرض الدولي سنة 2014 ، ولم أعد مواظبا كما كنت بعد أن وضعت بصمتي في التاريخ ولم أعد في سياق الممنوع عبر التسلسل الزمني للجسد وموجاته النفسية خلال القرن التاسع عشر ، لا التاريخ القريب بعد أن رفع الحجر وأصبح للرسامين العرب بمختلف البلدان أخص في ذلك ، مصر مثلا هنا الصباغ أو خليل العيسي من لبنان للأخذ من الجسد الحي سواء عبر الرسم أو النحت وحتى في بغداد ودمشق وبلدان المغرب العربي بالأساس واختلاطهم في ذلك مع المد الأوروبي لهذا النمط من الرسومات التي تختفي معه الأحاسيس ويبقى الأمر مربوطا بما هو ثقافي عبر الفن المنقول من الجسد التعبيري الحي ، فلا احراج ولا حرج اذن بعد هذا .
> أستاذ نعيم ، من أية زاوية تقرأ اليوم واقع الحركة التشكيلية بالمغرب ؟
< هو ليس واقعا ، وانما معتركا تشوبه الكثير من تبعية المصالح والتناقضات ، كل على هواه يسير ، لا معيار الأفضلية أو الاهتمام بالفن أساسه أو غالبيته ، لأنه بهذا الجانب يقتضي من التضحية والمتابعة وانكار الذات واعطاء كل دي حق حقه ، هناك عدة أسئلة مطروحة أذكر منها مثلا الأنية لتحديد مقارنة بين الفن الحقيقي وله شروط يعرفها الجميع ، والفن المبتذل أو غير الفن ان صح التعبير ، الذي أصبح له تابعوه دون انتقاء أو دفاع عن الذوق السليم ، وما يسكبه الغرب عبر قنواته في اطار الحركة الفنية ككل دون انتماء حينها للجيد وانما للبحث عن الكسب السريع والمنافسة غير الشرعية وهكذا دواليك . لكن ليس علينا أن نكون متشائمين الى هذا الحد ، فالمنابر حاليا سواء منها الفنية أو الثقافية أصبحت تتسم باليقظة وللتقييم لفرز الطالح من الصالح في اطار سياسة مبرمجة لإعطاء المعنى الحقيقي والمرجو من الحركة الفنية في بلدنا ، حيث يوجد لدينا فنانون حقيقيون أغلبهم كان ينطلي عليه النسيان ….
> أجرى الحوار : محمد معتصم