لم يكن التبادل التجاري بين الشعوب والجماعات والأفراد يتم عن طريق العملات التي تتداول حاليا. بل مر زمان لم تكن فيه أية وسيلة للدفع مقابل اقتناء سلعة ما. وقد مر النشاط الاقتصادي للإنسان بعدة مراحل كان أولها مرحلة الاكتفاء الذاتي، حيث كانت الأسرة أو القبيلة تنتج ما تستهلكه، ولم تكن هناك، بالتالي، حاجة إلى تبادل السلع أو الخدمات مع أي مجتمع آخر، نظرًا لبساطة المعيشة وقلة الحاجات.
وبمرور السنين عرف الإنسان ميزة التخصص وتقسيم العمل، وبدأت آثارها تظهر في تحسين نوعية الإنتاج وزيادة كميته، فظهرت الحاجة إلى عملية تبادل المنتجات أو ما يسمى بعملية المقايضة. لكن مع تطور المجتمعات اختار الناس بديلا للمقايضة أو يسمى نظام النقود السلعية، حيث اختار الناس بعض السلع لتستعمل كأداة دفع، إذ اختيرت لذلك السلع الأكتر استعمالا كالجلود وبعض الحيوانات وغيرها. واستمر التطور وتعدد النشاط الاقتصادي وتخصص المجتمعات في فروع معينة إلى أن ظهرت الحاجة على النقود المعدنية حيث توجه الناس الى استخدام الذهب والفضة كوسيلة للتبادل في المبادلات لقيمتهما في صنع الحلي والأواني، ولكون الذهب والفضة نادرين وغير موجودين مثل المعادن الأخرى. ثم تواصل التطور إلى ظهور العملة الورقية ثم العملة الخطية إلى النقود الافتراضية المتمثلة في عملة البيتكوين.
طبع الأوراق النقدية.. بين مطرقة الحاجة وسندان التضخم
إذا كانت الحكومات هي المشرفة على طبع الأوراق المالية وإصدار النقود فإن هناك ضوابط صارمة تحكم هذه العملية.
ويمكن لأي كان أن يطرح على نفسه السؤال التالي: ما الذي يعطي للنقود قيمتها؟
إن معرفة قيمة أي نقد تكمن في مقدار ما يقابلها من السلع. فالعملة الجارية تحتفظ بقيمتها عبر معدل الائتمان العالمي الذي يستند إلى القوة الإنتاجية لبلد ما، في إنتاج البضائع وبيع الخدمات، وفي الاستثمار المربح في البلد نفسه، وفي البلاد الأخرى.
هذا المعدل إلى جانب احتياط الذهب والعملات العالمية الجارية، يصطلح عليه في أيامنا هذه في مقياس جديد هام من الائتمان يدعى “حقوق السحب الخاصة” المعطاة لكل البلاد المنضوية في صندوق النقد الدولي.
وقبل مئات السنين لم تكن هناك عملة عالمية مقبولة عالميا كالدولار الأمريكي والجنيه الإسترليني. وكانت عمليات المبادلة تتم في الذهب والفضة بالوزن. وقديماً كان يفترض على المصرف المركزي ( وهو مصرف تابع للدولة يدير شؤون العملة ) أن يحتفظ لديه برصيد كافي من الذهب .. بالمقابل يطبع عملات تساوي قيمتها تماماً قيمة هذا الذهب حيث كان المصرف المركزي ملتزم بأن يسلم أي شخص ذهب مقابل العملات التي يعطيها إياه، غير أن هذا لم يعد معمولاً به اليوم حيث تحتفظ البنوك المركزية ليس فقط بسبائك الذهب بل أيضاَ بعملات أجنبية و سندات ( ديون ) وغيرها من الأمور التي تشكل غطاء لأي إصدار عملات. لكن لا تلتزم الدولة فقط بهذا الغطاء بل تتعداه بشكل كبير .. ويبقى ما يحفظ للعملة قيمتها القانونية هو هيبة الدولة و قوتها في الاقتصاد والعالم من خلال ترسانة عسكرية وقواعد في كل مكان.
يعني أن ورقة الـ 100 دولار لا يعني أن لدى البنك المركزي الأمريكي أشياء ( ذهب – سندات – عملات – .. إلخ ) تساوي قيمتها 100 دولار.
من هنا تحدد الدولة كم تطبع من مال بحيث تحافظ على قيمة أو قوة شرائية أو سعر صرف معين ولا تطبع أكثر ولا أقل منه ما عدا طباعة أموال جديدة تدخل مكان العملات التالفة وهي لا أثر تضخمي لها طالما بنفس المقدار تماماً. أي كل سنة لو أتلفت بقيمة مليار فإنها تطبع عملات بقيمة مليار.
وعندما تكون ميزانية الدولة بحالة عجز ( أي مصاريفها أكثر من إيراداتها ) فإن هناك عدة حلول للتخلص من العجز. الحل الأسهل والأخطر هو ما يعرف بالتمويل بالعجز أي طباعة أموال بقيمة العجز وضخها في الاقتصاد. كما قلنا يحدث التضخم وهذا ناجم عن ارتفاع عرض النقود بالاقتصاد أي زيادة كمية المتاح منها بالتالي يصبح في يد الناس المزيد من الأموال كورق لكن بنفس القيمة السابقة. وبالتالي يطلب البائعون المزيد من النقود كورق لكن بنفس القيمة السابقة لقاء نفس بيع نفس السلعة
فمثلا إذا ارتفع معدل التضخم في بلد وأصبحت 1000 من العملة قيمتها الفعلية 800. هذا يعني أن السلعة التي كنت تشتريها بـ 800 أصبحت تشتريها بـ 1000. وبقدرما ترتفع معدلات التضخم بقدرما ترتفع أسعار السلع والخدمات. أي أنك تدفع مبالغ كبيرة ليس بسبب تغير في السلعة في حد ذاتها وانما بسبب انخفاض قيمة عملتك.
فالتضخم هو المعدل الإجمالي لزيادة سعر السلع والخدمات في اقتصاد ما خلال فترة معينة من الزمن. هو مقياس لتخفيض قيمة عملة بلد ما. ويطلق على عكس التضخم الانكماش.
وبما أن أسعار السلع والخدمات ترتفع داخل الاقتصاد، تصبح القوة الشرائية للعملة الوطنية أقل وهكذا يتم خفض القوة الشرائية للنقود .
ويحدث التضخم عموما نتيجة اختلال التوازن بين خلق الأرصدة النقدية والتوسع في الاقتصاد. إذا ما توسع المعروض النقدي بوتيرة أسرع من الاقتصاد، ينتج عن هذا عموما ارتفاع مستويات التضخم.
فالاقتصاد الذي ينمو بسرعة كبيرة يمكن أن يواجه ارتفاع معدلات التضخم، مما يؤدي إلى انخفاض سريع لقيمة العملة، وبالتالي قدرتها الشرائية. ومع ذلك، فأن اقتصاد يعتريه تضخم منخفض أو حتي انكماش من المرجح أن يعاني ركودا.
تأتي مهمة البنك المركزي، من خلال مراقبة التضخم وضبط أسعار الفائدة وفقا لذلك، لتحقيق التوازن . ويقدر العديد من الخبراء في العالم الغربي المستوى المقبول للتضخم بحوالي 2.5٪، على الرغم من أن هناك العديد من المناقشات والآراء بشأن هذه المسألة.
ولنأخذ على سبيل المثال، المؤشرالبريطاني لأسعار المستهلك فهي توضح البيانات التضخمية المرتفعة. ويقوم بنك انجلترا برفع أسعار الفائدة للحد من الاقتراض والحد من المعروض من النقود وتوقع رفع سعر الفائدة وتعزيز لاحق للجنية, ولذا قد يلجأ المستثمرون للاستثمار في العملة بحكم ان أسعار الفائدة المواتية التي تقدمها البنوك والمؤسسات المالية الأخرى تجعلها أكثر جاذبية.
من الجدير الأخذ في الاعتبار أن العلاقة بين التضخم وأسعار الفائدة ليست دائما واضحة. فإجراء تغيير في أسعار الفائدة يمكن أن يستغرق بعض الوقت ليحدث تأثير على التضخم.
> عبد الحق ديلالي