حذرت نتائج دراسة بريطانية من تضاعف معدل المشاكل النفسية بين الفئات العمرية الشابة خلال ربع قرن الماضي، وعزت الظاهرة إلى عصر الإنترنت الذي وضع ضغوطا نفسية على المراهقين. وبينت النتائج أن معدل المشاكل النفسية طويلة الأجل قد ارتفع من 0.8 بالمائة عام 1995 إلى 4.8 بالمائة عام 2014.
المشاكل النفسية طويلة الأجل تضاعفت 6 مرات في ربع قرن بسبب الإنترنت أولا، وزيادة الوعي بهذه النوعية من الأزمات.
وأجريت الدراسة بالتعاون بين جامعة يونيفرستي كوليج في لندن وإمبريال كوليج. ويعتقد أن الصورة الكاملة لحجم ارتفاع المشاكل النفسية أكبر مما رصدته الدراسة لأنها اقتصرت على المشاكل النفسية التي تمتد لفترات طويلة.
وقال المشرف على البحث البروفيسور دوجال هارجريفس: “من المحتمل أن تكون هناك أسباب عديدة وراء هذا الارتفاع اللافت في معدل الإصابة بمشاكل الصحة النفسية والعقلية، ومنها زيادة الوعي بهذه النوعية من المشاكل وتراجع الإحساس بالخجل منها، لكن لا شك أن لوسائل التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في التأثير السلبي على تقدير الذات”.
وتلتقي خلاصات هذه الدراسة مع نتائج دراسات سابقة سلطت الضوء على تاثير الأنترنت على الحياة النفسية والاجتماعية للمراهقين والشباب. ومن بينها ما أشارت إليه دراسة نشرها معهد الصحة العقلية الجامعي في مونتريال في كندا سنة 2014، حيث قام الباحثون بقياس مستوى الكورتيزول والمعروف بـ«هورمون الإجهاد» في الدم، أربع مرات لمدة ثلاثة أيام متتالية، لدى 88 مشاركا تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاما.
وقد أثبت الباحثون الذين نشرت نتائج أبحاثهم في مجلة “سايكونورو إندوكترنولوجي” أن وجود أكثر من 300 صديق على صفحة “الفايسبوك” للمشترك الواحد يرتبط بمستويات كورتيزول مرتفعة.
فكان هذا مؤشرا إلى أن الاستعمال المكثف للشبكة الاجتماعية من شأنه إحداث مزيد من التوتر، وأوصوا بتفادي الاستعمال المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي.
ولكن في الوقت نفسه، لم يخف الباحثون القيود المفروضة على دراستهم، فقد رأوا أن دراستهم شملت عينة صغيرة نوعًا ما، ولم تمدد في الوقت.
وفي المقابل، أكدت المسؤولون عن البحث الذي أُجري في معهد الصحة العقلية الجامعي في كندا، أنه رغم أن وجود عوامل خارجية أخرى مهمة هي مسؤولة أيضا عن مستويات الكورتيزول، فإن «الفايسبوك» قد يكون له تأثير خاص في زيادة مستوى الكورتيزول.
فقد أثبتت هذه الدراسة ارتفاع مستوى الكورتيزول لدى مراهق واحد تجاوز عدد أصدقائه على صفحة «الفايسبوك» الـ300، وبالتالي يمكن تصور أن من لديه 1000 أو 2000 صديق قد يكون عرضة للمزيد من الضغط.
كما شملت الدراسة مراهقين لمعرفة وتيرة استعمالهم «الفايسبوك»، وعدد الأصدقاء، وسلوكهم، وسلوك دعم أصدقائهم على صفحة «الفايسبوك».
ووجد الباحثون أن ارتفاع منسوب التوتر لديهم متفاوت: فالمراهقون الذين أظهروا مزيدًا من التفاعل مع أقرانهم على «الفايسبوك» لديهم مستويات أقل من هورمون الكورتيزول. ولكن يؤكد الباحثون أيضا أن مستويات الكورتيزول في مرحلة المراهقة قد تؤثر في ظهور الاكتئاب بعد سنوات.
ومما لا شك فيه أن الشبكات الاجتماعية تؤثر في الشعور بالتوتر عند المراهق، لأنه في مرحلة حيث الصداقة لها أهمية كبيرة. فضلا عن أنه يكون قلقا جدا حول صورته التي يعرضها على صفحته، والعلاقات التي ينسجها في العالم الافتراضي.
ويشعر بالتوتر والخوف إذا رأى أن لديه عددا قليلا من الأصدقاء على شبكة الانترنت، في حين أن الآخرين لديهم عدد كبير، فهذا قد يعني له أنه أقل شعبية من غيره، في الوقت الذي عليه أن يدرك أن عدد الأصدقاء على شبكة الإنترنت ليس مؤشرا على شعبيته وعلاقاته الاجتماعية الواقعية، فهناك فارق بين الأصدقاء الافتراضيين والأصدقاء الواقعيين.
وفي مقابل الدراسة الكندية، ظهرت لاحقا دراسة أجرتها الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال AAP أشارت كما الكندية إلى أن منصات مواقع التواصل الاجتماعي الافتراضي يمكن أن تكون سببا للاكتئاب بين المراهقين وتسرع وتيرته لديهم، ولا سيما «الفايسبوك».
ويشير الأطباء إلى الجانب السلبي في الغوص في الحياة الافتراضية عند المراهقين، مثل توقف النشاط البدني أو الشعور بالغيرة خلال قراءة بروفايل أو تعليقات مختلفة. فيظن أن الآخرين أفضل منه.
الأمراض المزمنة في الأفق!
وفي سياق متصل، أفادت نتائج دراسة بريطانية حديثة أن أبناء جيل الألفية الذين ولدوا بين عامي 1980 و2000 لديهم أعلى درجة من مخاطر الإصابة بأمراض السكري والسرطان والقلب مقارنة بآبائهم والأجيال الأسبق. وسلطت الدراسة الضوء على التقارير الطبية المتواترة التي تفيد بتزايد عدد من هم في دائرة خطر الإصابة بهذه الأمراض المزمنة على الرغم أنهم في العشرينات والثلاثينات من عمرهم، حيث بلغت نسبة الشكوى من القلق الوظيفي وزيادة مستويات الضغط والتوتر 80 بالمائة بين المشاركين في الدراسة.
وأجرى الدراسة فريق بحثي من بريتش شاريتي هيلث فاونديشن، ووجد أن جيل الألفية لديهم تراجع في بعض الجوانب الصحية الأساسية على الرغم من أن معدلات التدخين وتعاطي الكحول بينهم أقل.
وربط الباحثون بين ارتفاع مستويات التوتر والضغوط والقلق نتيجة عدم الأمان الوظيفي وبين زيادة مخاطر الإصابة بأمراض مزمنة لدى الجيل الشاب الذي تتوفر له عوامل رعاية صحية أفضل من الأجيال الأسبق.
واعتمدت أبحاث الدراسة على البيانات الصحية لألفي شخص شاركوا في استطلاع عن أحوالهم النفسية والعاطفية وظروفهم الاجتماعية والمادية. ولفت الباحثون الانتباه إلى أن نسبة الشكوى من القلق الوظيفي وزيادة مستويات الضغط والتوتر بلغت 80 بالمائة بين المشاركين في الدراسة.