عملت جامعة كرة القدم على تحريك ثلاثة ملفات قبل طي صفحة سنة 2016، وفي مرحلة ذهاب الموسم الرياضي الجديد، شرعت في مجموعة من القوانين منها قانون المدرب، الذي يهدف إلى تقنين مهنة التدريب في مدار كرة القدم، وضبط انتقالات والعقود التي تربطهم بالأندية، حيث أصدرت بلاغا في الموضوع يمنع المدرب من التعاقد مع أكثر من فريق خلال موسم واحد، وجاء ذلك بعد الاستشارة مع لجنة القوانين والأنظمة داخل الجامعة وكذا الودادية الوطنية لمدربي كرة القدم..
وفي هذا المجال قررت الجامعة في بلاغها المذكور، أنه في حالة فسخ التعاقد قبل استيفاء المدة المتفق عليها، فلن يسمح لأي مدرب يتوفر على رخصة ممنوحة من جامعة الكرة، ولا يستفيد من رخصة جديدة خلال نفس الموسم الكروي، ولن يدرب أي فريق آخر من نفس المرتبة أو في قسم أعلى…
وفي سياق رزمة القوانين المنظمة، حددت الجامعة شروط جلب لاعبين جدد اعتبارا من مرحلة الانتقالات الشتوية، حيث أشارت إلى أنه يتعين على كل نادي يرغب في جلب لاعب جديد بأن يثبت قدرته واهليته للإيفاء بالتزاماته المالية خلال نفس الموسم والى غاية متم الموسم الرياضي الجاري، وذلك بموافاة الجامعة قبل بداية المرحلة الثانية للانتقالات (بداية من 20 دجنبر الأخير) بملف يتضمن مجموعة من الوثائق مرتبطة بالشق المالي لدى الأندية…
في الملف الثالث، أعلنت جامعة الكرة في بلاغ موجه للأندية أنه في إطار برنامج عملها الهادف الى تطوير كرة القدم الوطنية، واعتبارا لمقتضيات قانون التربية البدنية والرياضة 09/30، أعدت الجامعة نظاما نموذجيا خاصا بالشركة الرياضية لكرة القدم، والاتفاقية النموذجية التي تربط بين الجمعية الرياضية والشركة الرياضية، وذلك بعد الأخذ بعين الاعتبار للمقترحات والملاحظات المعبر عنها من لدن مكاتب استشارة وبعض الأندية، قصد الرجوع إليها والاستئناس بها عند الشروع في تنفيذ إجراءات تأسيس الشركات الرياضية لكرة القدم.
وكان طبيعيا أن يتحرك النقاش حول موضوع الشركة الرياضية، وهل يتعلق الأمر بتحويل الجمعية إلى شركة؟، أم أن الجمعية هي من ينشىء الشركة، وفق شروط محددة؟ وهل الظروف ملائمة لهذه النقلة؟…
ويتضح من خلال الفصل 15 من قانون التربية البدنية والرياضة 30-09 ان كل جمعية رياضية تستوفي شروطا محددة، من بينها التوفر على نسبة تفوق 50 في المائة من المحترفين المجازين والبالغين سن الرشد، ولها مداخيل مدققة خلال ثلاثة مواسم متتالية (معدل مداخيل يفوق المبلغ المحدد بنص تنظيمي او يتجاوز معدل كتلة الأجور يمكنها إحداث شركة رياضية، وأن تظل شريكة فيها إلى أجل ضمان تسيير الفرع المذكور ( الجمعية) وتخضع الشركة الرياضية لأحكام القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة..
ويحدد القانون كيفية تكوين رأسمال الشركة، وقيمته المتمثلة في نسبة 30 في المائة على الأقل من أسهمها و30 في المائة على الأقل من حقوق التصويت، كما يجب على الإدارة أن تصادق على الأنظمة الأساسية للشركات التي تحدثها الجمعيات الرياضية..
وهكذا يتضح أن جامعة كرة القدم عملت على تحضير النظام النموذجي للشركة الرياضية، إضافة إلى الاتفاقية النموذجية التي توقع بين الجمعية والشركة، وهي مبادرة في أصلها من مهام الوزارة الوصية التي تمثل وتجسد الادارة التي ينص عليها القانون، والقانون نفسه ( التربية البدنية والرياضة 30-09 ) المعتمد والمثير للجدل حاليا في فصله 118 والأخير يشير إلى أن مضامينه لا يمكن أن تنزل وتفعل إلا عند صدور المراسيم التطبيقية.
هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فكيف يمكن الانتقال إلى إحداث شركات رياضية من طرف جمعيات تعيش إكراهات مالية، وبعضها مثقلة بالديون ولها ملفات لنزاعات كثيرة، وهى مدينة للاعبين ومؤطرين ومؤسسات أخرى بمبالغ مالية كبيرة، خاصة وأن جل الجمعيات الرياضية لا تتوفر على ممتلكات، وليست لها ضمانات كافية، فمن أين لها برأس المال قار، وكيف ستتمكن من التعامل مع المؤسسات البنكية والتجارية عامة في معاملات تهدف إلى الربح…
فالشركة عبارة عن مؤسسة هادفة للربح، تستفيد من أرقام الانخراط في الجامعات أو العصب المخولة لها قانونا، حق استغلال اسم الجمعية الرياضية المذكورة وألوانها ورموزها وعلاماتها المميزة الأخرى، كما يفرض على الشركة الرياضية إبرام عقود رياضية مع الرياضيين المحترفين والأطر الرياضية المحترفة التي تشغلها، كما هو منصوص على ذلك في المادة 14 من القانون المعني ويفرض عليها أيضا اكتتاب عقود التأمين وقد حدد المشرع مدة التعاقد في عشر سنوات.
والقانون المنظم لإحداث الشركات الرياضية اليوم يرمي الى تحويل مجال تجاري هادف للربح وخلق الثروة من الجمعية الرياضية إلى فضاء الشركة، هو ليس الأول في المغرب وقد سبقته قوانين وظهائر منذ عهد الحماية، حيث كان المستعمر في مطلع القرن الماضي في سنة 1914 قد أصدر ترسانة من القوانين في المجال الرياضي وكذا التجاري، كما عمل على تقنين نشاطات المراهنات والقمار ومسابقات الخيول في إطار شركات، لكن الهدف آنذاك بالنسبة للمستعمر الهاء الشباب المغربي، وفصله عن هويته والزج به في متاهات البحث عن الربح السريع والكسل واللهث وراء الفرص المرتبطة بأحلام الحظ.
واليوم…وبعد خمسة مواسم في ظل الاحتراف، هذا النظام الجديد الذي يحاول بمضامينه تقنين المهن داخل مدار كرة القدم، وفرض التعامل بالتعاقد وبالأهداف وبشفافية على أساس مبدأ الحقوق والواجبات، لكن للأسف التطبيق صعب والتعامل بهذا النظام والانعتاق من طقوس الهواية والانتقال إلى عقلية الاحتراف، ليس بالأمر السهل
فنظام الشركة يفرض الالتزام بالحقوق مقابل الواجبات والتعامل مع إدارة الضرائب وكذا التغطية الاجتماعية من خلال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لأن ممارسة كرة القدم، تتحول من مسألة ” لعب” إلى شغل ومهنة، والممارسة الرياضية مهنة في مجال تتفاعل فيه المؤسسات التجارية مع المؤسسات الرياضية في مصالح مشتركة ترمي الى التنمية والتأهيل البشري.
فالانتقال إلى التفكير المقاولاتي والاستثمار وفتح أوراش هادفة للربح، يمكن شد اهتمام الميسورين الراغبين في المساهمة داخل المقاولة الرياضية والانخراط ماديا بأسهم يحدد قيمتها المجلس الإداري الذي يتكون من المساهمين داخل إدارة الشركة، وفي هذا الإطار نتابع حاليا تجارب عالمية، تبين كيفية تنشيط استثمارات العرب في مجال كرة القدم وخاصة بالقارتين الأوروبية والأمريكية، تحولت ملكية أندية لأفراد أو لشركات عربية بشكل يترجم مدى اهتمام رجال الاعمال باستثمار اموالهم في كرة القدم التي تعتبر مجالا خصبا للتجارة وسوقا ماليا نشيطا قابلا للاستثمارات وتحقيق الأرباح، ومن بين الأمثلة الناجحة لأحداث شركات رياضية رائدة حاليا على الصعيد العالمي بأموال أثرياء البيترودولار نجد هناك أندية عملاقة.
> مانشستر سيتي:
هذا النادي الانجليزي العملاق اشترى جل اسهمه في الشركة الاماراتي الشيخ منصور بن زايد ال نهيان عام 2009، وساهم بذلك في جلب مجموعة اللاعبين النجوم وتمكن من احراز لقب الدوري الانجليزي في مناسبتين.
> باريس سان جيرمان
بادرت شركة قطر للاستثمارات في سنة 2011 لشراء فريق فرنسي عريق الا وهو نادي باريس سان جيرمان، وعملت على تقوية ماليته، وكذا تركيبته البشرية بنجوم مما ساعد على التتويج بالدوري الفرنسي في مناسبتين.
> نادي مالقا
اشترى نادي مالقا الاسباني الشيخ القطري عبدالله بناصر الأحمد ال ثاني وهو رئيس مجلس ادارة مجموعة ناصر عبد الله القطرية وساهم ماديا رفقة المساهمين في الشركة المحدثة في تطوير المستوى المادي والرياضي، مع إحداث مشاريع موازية هادفة إلى در الأرباح..
> نادي خيتافي
دخلت مؤسسة مجموعة رويال دبي المملوكة للشيخ بطي بن سهيل ال مكتوم واشترت أكبر نسبة من أسهم شركة نادي خيتافي الاسباني، واستثمرت بقوة في ثالث أكبر فرق العاصمة الاسبانية مدريد، وساهمت في ذلك في تحفيز كبار المستثمرين العرب وغيرهم على اقتحام مجال كرة القدم وتوسيع سوقه المالي.
> ميونيخ 1860
اشترى رجل الأعمال الأردني حسين اسميك نسبة 49 في المائة من أسهم شركة هذا الفريق ويدير أموره في مجلس الإدارة بأموال عربية ويجني رفقة المساهمين أرباحا هامة من الاستشهار وترويج الفرحة عبر التظاهرات الرياضية، إضافة إلى عائدات النقل التلفزي وتسويق العتاد الرياضي الموضوعة رهن الجمهور الرياضي…
> فولهام
أغلب أسهم شركة نادي فولهام يتحكم فيها الثري ورجل الاعمال المصري الشهير محمد الفايد ومنذ التحاقه بالنادي مدعوما بأمواله ومشاريعه الضخمة، احدث تحولا اقتصاديا كبيرا داخل الشركة ويلتحق به مستثمرون آخرون مساهمون ويكونون معه مجلس الإدارة كما يعملون على تطوير المنتوج عن طريق التعاقد مع ألمع اللاعبين والأطر بهدف تلميع صورة النادي وتوسيع مداخيله.
> نادي ميلبورن
نسبة كبيرة من أسهم شركة النادي الاسترالي (ميلبورن) اشتراها الشيخ منصور بن زايد ال نهيان ويسعى الشيخ ومن معه من المساهمين في مجلس الادارة الى تحسين وضع النادي الذي يوجد حاليا بعيدا عن الصدارة في الدوري الاسترالي، عن طريق ضخ أموال باهظة يعمل الشيخ ورفاقه على جلب لاعبين ومؤطرين مميزين ليتحول النادي الى منتج بدل مستهلك.
> نادي نيويورك سيتي
هو النادي الثالث الذي ضمه الشيخ الإماراتي منصور بن زايد ال نهيان إلى ممتلكاته، والنادي الأمريكي نيويورك سيتي يعتمد في جل معاملاته على أموال عربية، وقد تأسس في عام 2013 ومشاريعه تكبر بقوة وبسرعة ويجلب نجوما في الكرة ومشاريعه واعدة.
> نادي بورتسموت
اشترى رجل الاعمال والمستثمر السعودي علي الفراج نسية 90 في المائة من اسهم شركة النادي الانجليزي بوريسموث ( فريق الدرجة الأولى) واقتناها من رجل الأعمال الإماراتي سليمان الفهيم، واستطاع إحداث ثورة في التدبير والاستثمار داخل المؤسسة، وساهم في تقوية الرصيد المالي، مما سينعكس على مستوى مختلف مكونات النادي..
هذه أمثلة فيما يخص الشركة الرياضية التي تتوفر على مقومات من بينها رأس المال وكذا الكفاءات والموارد البشرية، والشركة تعني بإنجاز الانشطة الرياضية الهادفة للربح وتنظيم التظاهرات المؤدى عنها، مع تقديم تعويضات للعاملين بها. وتعتمد الشركة طبقا للقوانين المحدثة به على استغلال الصورة الجماعية للفرق والصورة الكاملة للرياضيين التابعين للنادي، إضافة إلى الاسم والألوان والشعار، وتتحدد العلاقة والتعامل بين الجمعية والشركة عن طريق عقد نموذجي يوقعه الطرفان، وتصادق عليه الإدارة، ومدته لا تتعدى عشر سنوات ويتم توضيحه بموجب الاتفاقية الأنشطة الرياضية للجمعية، والتي توضع رهن إشارة الشركة، وتلتزم الجمعية بشرط البقاء كشريك مع الشركة، ولا يسمح لأي عضو من أعضائها، المساهمة مباشرة في شركة أو أكثر، ويشرف على الشركة الرياضية مجلس إداري منتخب، لا يضم من بين أفراده من المكتب المسير للجمعية.
وعليه، فان هناك تحضير حاليا لدخول مجال الاستثمار والبعد المقاولاتي، والأمر صعب بالنسبة لجمعيات رياضية مثقلة بالهموم والديون والمشاكل بسبب تسيير مهترئ هش، لأن الشركة تفرض رأسمال الذي لا ينبني على المال فقط بل على مجموعة من القيم المرتبطة بالحكامة والتوازن المادي وكذا الشفافية والمصداقية في المعاملات.
وهي تجربة أخرى يمكن أن نضع حدا لتجارب أصبحت غير صالحة تماما من بينها عملية الانخراط وتسيير ” محترفين” عن طريق أسلوب الهواية…
محمد أبو سهل