تأسف أحمد بوكوس، عن بداية احتضار الكتابة على الورقي، غير أنه بالنسبة له هناك ثلاثة مستويات تدفعه إلى الجلوس على الطاولة من أجل الكتابة، أولا؛ المستوى الشخصي، ثانيا المستوى الجماعي، أي المشترك الوطني مع باقي المواطنين الذين ينتمون إلى نفس البلد، وأخيرا، المستوى الكوني.
وقال أحمد بوكوس أثناء تقديم كتابه الأخير «Essais sur les enjeux culturels»، أول أمس السبت، بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، إنه يجب إعطاء أهمية للثقافة في الاستراتيجيات السياسية للمغرب، متسائلا عن ما فائدة الثقافي في مجتمع فقير وهش وتنعدم فيه الديمقراطية ؟ وما هي الإضافة التي يقدمها البحث في ميدان العلوم الإنسانية في المجتمعات المعاصرة ؟.
وحاول أن يجيب بوكوس، في كتابه الجديد «أبحاث حول الرهانات الثقافية» إجابة عن هذين السؤالين، وغيرهما، انطلاقا من الرجوع إلى أبحاث فلاسفة وعلماء اجتماع ولغة، وذلك في محاولة منه بالدرجة الأولى، لفهم التعدد اللغوي، ومعرفة هل هو شيء طبيعي أم مصطنع ؟، لاسيما وأنه يطرح مجموعة من الإشكالات على حد قوله.
وأوضح مدير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، خطورة الاستهانة بالثقافة في المجتمعات، مبرزا دورها الكبير على مر العصور التاريخية، محذرا متجاهلي الجانب الثقافي في وسط المجتمعات التي تتكون من روافد ثقافية متنوعة.
وسجل الأكاديمي والباحث في علم اللسانيات واللغة، أن جميع السياسات العمومية تنتهي بالفشل في الأخير، بحيث لا تكفي الميزانيات الضخمة المرصودة لها من أجل النجاح، مرجعا ذلك إلى الهوة الثقافية بين المسؤولين والمواطنين في العالم القروي على سبيل المثال.
وفي هذا الإطار، قدم المتحدث نموذج الأسر والعائلات التي تقطن في مناطق نائية وتعاني بشكل موسمي من البرد القارس، والثلوج، والأمراض المعدية.. فضلا عن معاناتهم مع الفقر والهشاشة التي تصل في بعض الأماكن بالمغرب إلى 80 أو 85 في المائة.
وزاد أحمد بوكوس مسترسلا في النقطة ذاتها، أن صعوبة التواصل بين المواطنين ورجال السلطة تحول دون تحقيق التنمية، على اعتبار الساكنة لا تستوعب بشكل جيد المشاريع التي يتم إطلاقها، بهدف تحسين وضعيتها وتغيير نمط إنتاجها بتقنيات حديثة.
والهوية استنادا إلى مداخلة بوكوس، هي أمر مقدس، إذ يصعب وفقه تحليلها وتحديدها، هل هي هوية مغربية، أو إنسانية..؟، من هنا يدعو إلى عدم السقوط في مقاربات الغلو، التي تستند على حجج وبراهين من التاريخ والأجداد والمنجزات السالفة.
وبعد كل هذا التحليل الذي قدمه أمام الحضور الذين تابعوا الندوة عن كثب، عاد مجددا، إلى طرح الأسئلة، وهذه المرة مع سؤال لماذا نحن متخلفون ؟، معتبرا هذا السؤال أساسيا، وللإجابة عليه يجب الرجوع أولا إلى العنصر الثقافي يشير مدير IRCAM.
وحاول الباحث من خلال مؤلفه أن يقارب هذا التخلف، بمقاربات متكاملة، باعتماده على وثائق تاريخية، وتحقيقات ميدانية، ودراسات سابقة في الموضوع، مشيرا إلى أنه إذا كان البعض قد تحدث عن الحداثة، وانتقل إلى الحديث عن ما بعد الحداثة، فإنه في المغرب لم نستوعب بعد هذا الأمر، قبل أن يختم في الأخير بـ»أن المواطنة في المغرب لم تنضج بعد».
من جهته، اعتبر الأستاذ الجامعي عبد الرحمان طنكول، أن الجلسة مع أحمد بوكوس هي جلسة تواصلية مع أحد الرموز الثقافية الكبيرة بالمغرب، موضحا أنه طرح في كتابه الجديد مجموعة من الأسئلة التي قاربها من الجانب الأنثروبلوجي، الثقافي والسياسي.
ووصف عبد الرحمان طنكول الذي تكلف بتسيير اللقاء، كتاب بوكوس، بـ»العمل المتفرد والمتميز الذي ناقش مجموعة من القضايا بشكل رزين وحكيم، استنادا إلى الاشتغال بالمقاربة التفكيكية، من خلال الوقوف عند بعض المصطلحات والمفاهيم التاريخية».
وبحسب طنكول، فالكتاب يقف عند مجموعة من التناقضات والصراعات بين اللغات والثقافات الاجتماعية، موضحا أن الجدل الذي يدور بين الفينة والأخرى بالمغرب، بسبب الهوية الثقافية الأمازيغية، يجب أن يتم تجاوزه واعتباره مسألة وطنية ولا يقتصر على فئة معينة.
ونوه الأستاذ الجامعي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، بالأكاديمي أحمد بوكوس، الذي «استطاع أن يحلل الموضوع بعيدا عن الخطابات الإيديولوجية، والسجالات المتعصبة، وهو ما يمكن لمسه بإحالة المؤلف على كتاب وفلاسفة»، بحسب المتحدث.
وسجل عبد الرحمان طنكول، أن الكتاب تحلى بالموضوعية وابتعد صاحبه عن المواجهة المباشرة، وهو ما يعد أرضية مهمة بالنسبة للطلبة الباحثين، وكذا المهتمين بالشأن الثقافي الأمازيغي، مشددا على ضرورة وقوف القارئ عند كل فصل بعينه لمعرفة تحليل بوكوس لمجموعة من القضايا الجديدة-القديمة المثارة وسط المجتمع المغربي.
> يوسف الخيدر