في أفق انعقاد المؤتمر الوطني التاسع عشر لاتحاد كتاب المغرب، كان لبيان اليوم اتصال بنخبة من الكتاب المغاربة، منهم من ينتسب لهذه المنظمة العتيدة، ومنهم من يعتبر نفسه خارجها بعدما كان فاعلا فيها، من أجل الحديث عن وضعها الراهن، والمكتسبات التي من المفترض أن يكون المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد قد حققها أو تراجع عنها، وحول الأسباب التي تحدو بفروع الاتحاد إلى تجميد أنشطتها، وما هي الأولويات التي يرونها جديرة بالمناقشة، والتدابير الناجعة التي يقترحونها لتقوية الاتحاد، وكذا الشروط التي يرون أنها من الضروري أن تتوفر في المرشح القادم للرئاسة.
الشاعر مصطفى غلمان:ينبغي إعادة تصحيح مسار الاتحاد بما يوائم المرحلة الدقيقة التي تعيشها بلادنا
لا يمكن فصل راهن اتحاد كتاب المغرب عن المشهد العام للسياسة الثقافية المغربية، بل لا نستطيع تنحية الاستفهام الاشكالي عن سياقات سياسية وسوسيولوجية. ولهذا أعتقد صراحة تدبير المرحلة الأخيرة من عمر منظمة شكلت مرحلة فاصلة من تاريخ النضال الثقافي اليساري، ولعبت دورا استراتيجيا أساسيا في تجذير الحركية الثقافية والسياسية سبعينيات القرن الماضي وما بعده، يفوق التصور الدراماتيكي للمكارثية السياسية ليس في المغرب فحسب،ولكن على مستوى العالم العربي برمته.
صحيح أن شعلة الاتحاد بدت للبعض ذابلة أو على الأقل آيلة للخفوت والتواري، لكن التعاطي مع إشكالات الحضور الرمزي للثقافة في انتقالات مفهوم التنمية والمجتمع خلال السنوات العشر الأخيرة جابه الضمور والعسف المسلط على المثقف بالأساس وجعله قابلا للتنميط والتآكل، بفعل التواري القيمي واحتدام التغليف والتبطين الممارس على كل ما يمت للثقافة بصلة.
في مواجهة وضعية مأزومة وعميقة كهاته،وخلافات راهقة في الداخل، حول الأولويات والرهانات المنشودة، لم يكن لاتحاد كتاب المغرب أن يصمد أكثر من قبضه على النواجذ والعبور بتؤدة للشط دون كسور ولا مثبطات.
القيمة الحقيقية لوضعية الاتحاد لا تحددها القياسات البعيدة عن واقع العمل للمجلس التنفيذي، فمعايير مقارباتية لطريق تدبير ملفات كبرى بحجم مستقبل الثقافة ببلادنا، وتكريس المبادىء السامية التي قامت عليها توصيات مؤتمر ما قبل الأخير الخاصة بالوضع الاعتباري للكاتب المغربي، ومواكبة الأعمال الأدبية والابداعية للعديد من الأسماء الوطنية البارزة، واستعادة وهج الثقافة وتأثيراتها على السياسة الثقافية، ودعم المشاريع الثقافية والفكرية ضمن مخططات الدولة والمجتمع المدني، والشراكات الاستراتيجية مع النماذج الثقافية العربية والدولية، إن على المستوى الرسمي أو الشعبي..إلخ، ليست سوى تحديدات بدهية لتأويلات يعوزها التمكين العقلاني والممارسة الميدانية. وبالتالي فالأمر يضعنا أمام امتحان صعب يفرض جملة أنساق وقطائع، من بينها تجسيد الجهوية الثقافية وسؤال الهوية واعتماد القيم البينية الجامعة للروح الجماعية والتخطيط الاستراتيجي.
……………..
هي امتلاء لزمن متحول وسيروري، المكتسبات، الاستمرار في القبض على الهارب، والمشكل الثقافي في بنية التراكم الكيفي والنوعي لمنجزات اتحاد كتاب المغرب كان دائما ينحاز للجدل، وأنا كنت أرى الأمر صحيا، ما دامت عوائق المركزة تخيم على الأنشطة وتجعلها مكممة ومختزلة.
أستطيع أن أقول إن المنجز النوعي لاتحاد كتاب المغرب يراكم توجهاته وانخراطه ضمن مسار يصعد وينحدر بحسب الامكانيات والتأسيسات والبرمجة السنوية ومتوسطة المدى حتى لا نقول بعيدة.
أحيل هنا إلى إشراك بعض الفروع في تنظيم أنشطة لافتة وثقيلة كجهة الصحراء المغربية وشمال المغرب وشرقه. لكن المجال ينفتح واسعا عندما تتغلغل بنية تلك الانشطة في رحم الهامش الثقافي، بما هو إدراك لحجم التواصل بين عينات إبداعية أكثر قابلية ومستعدة للانخراط في الشأن الثقافي والابداعي وانتظامه في التغيير والمبادرة والاندماج.
وحتى أكون منصفا فالتحولات التي عرفتها إدارة الاتحاد كانت في إيقاع المحفزات الرؤيوية وليس في شيء آخر، نعم غلبت على فترات منها كثرة السفريات ومناكفة النداءات الداعية لتحديد الاولويات وتدبير المرحلة، لكن مع ذلك هناك ما يرفع الايقاع ونوعية المبادرات إلى ما يمكن تجسيده في الحصائل المستوعبة لتلك الخطوات.
وهذا ليس عيبا على أية حال، نحن نعرف مجال العمل لدى المجتمع المدني ومنظماته، معيقاته وفثنه وكواليسه .. بل عدوانيته وشروره .. وما يقع تحت شجر الاتحاد لا يخرج عن هذه البدهيات، ولا يمكن أن يترجم سوى النذر اليسير مما تعج به قناطر المرور إلى مدخرات هي أصل الخلاف ووعاؤه الذي تزدحم على أبوابه كل الكائنات المشبعة بروح المباغتة والمزايدة أحيانا.
……………..
بعض الفروع تلجأ تحت ضغط الزمن، ودون سابق إنذار،إلى توقيف أنشطتها، أو هي تعلن فشل مكتبها في ضمان هذه الاستمرارية بسبب أو دون سبب. وأغلبها لم يكن مقنعا في تأطير فريقه المسير، يلجأ البعض من هذي الفروع إلى إعمال مبدإ التطوع كواجهة نضالية، مادام الأمر يتعلق باقتناع تام بمدى جاهزية الفريق إياه في إيجاد سبل كفيلة بتنظيم برامج حسب الإمكانات والقابلية ..
بيد أن بعض الفروع تصطدم بالواقع الثقافي وظروفه المرة، فتتحمل جزءا من تلك المرارة وما يرافقها من نفور وعشوائية وقلة اليد والحيلة، ثم تعلن اختفاءها تحت طائلة المساءلة والتوق إلى إعادة النظر في إمكانيات التنظيم وهاجس الفريق المتكامل ومحدودية القيام بأنشطة إشعاعية تكلف الشيء الكثير.
……………..
إذا قدر لاتحاد كتاب المغرب أن يعيد بناء أجهزته من أول وجديد، وهذا ما سيكون طبعا بعد تكليف لجان تنظيمية تتدارس سبل تدبير المؤتمر القادم وتضع اللبنات الصلبة من أجل تذليل الصعاب وتحقيق الطفرة، فإنني أدعو المؤتمرين والموتمرات، كعضو اتحاد كتاب المغرب، أنشط بفرع مراكش ولدي رصيد مهم في إشعاعه عربيا وغربيا، أدعوهم إلى:
> إعادة تصحيح مسار الاتحاد بما يوائم المرحلة الدقيقة التي تعيشها بلادنا في خضم التحولات السياسية والثقافية.
> إعادة تأسيس هيكلة سلسة وناجعة، تقارب الاولويات الادارية وحسن تصريف رؤى الاتحاد سوسيولوجيا ، ما يساهم في إحداث القطيعة مع ما كان وما سلف.
> تمكين الاتحاد كمؤسسة ثقافية فكرية من لعب أدوار استراتيجية في تنمية الممواطن، وإشراك الاعضاء وطنيا وجهويا في تحقيق ما يجسد السلوك التربوي مدرسيا وجامعيا.
> ترسيخ مبادئ الحكامة في إدارته لشؤون الاتحاد واعضائه بما يوائم ميثاق الشرف الذي وضعه الاتحاد خلال المؤتمرات السابقة والخاصة بوضعه الاعتباري وضمان أدنى حد لعيشه بكرامة .
……………..
اتحاد كتاب المغرب سيظل شعلة يانعة في صحوة شبابه وتواصل مخضرميه ونبوغ مقاوميه، وهو قوي ما استعاد عافيته ونجاعة آفاقه، بالانفتاح على المجتمع والهامش وتقوية حضوره في المؤسسات التي تشكل عمودا فقريا للمواطنين، وتأسيسه لتقاليد إبداعية من شأنها أن توثر في أجيال هي بحاجة للاحتضان والحوار المتبادل.
اتحاد كتاب المغرب يستطيع أن يكون الأفضل في سلم أولويات الثقافة ببلادنا، لأنه يجمع الأصوات التي تعلق عليها الأمة أحلامها وآمالها لنهضة شعبها .. فيها المؤرخ والانثروبولوجي والروائي والشاعر والناقد والكاليجرافي والباحث الاكاديمي ..الخ.
يجب أن يقاوم الاتحاد متاهة الانتظارية وتعويم القرارات ويبادر إلى توقيد مجالات الابداع وتأكيد حضوره الرمزي في المنتديات الشبابية وقضايا المرأة والطفولة والاشخاص في وضعيات اعاقة، أن يشارك الفنون الجميلة تواجدها الإيتيقي والوجودي كمؤثرات جارفة في زمن الصورة وتطور العالم الرقمي ..
التدابير كثيرة الاساس تناغمها وتكاثفها وسلاسة تدعيمها بما يوطن قيمها وحضورها وفعاليتها.
……………..
هذا سؤال مناور، المفروض أن يكون مترافعا على شكل من معيارية الاختيار، وهو لا يخرج عن هذه الفرضية، مادام التشريف بالتكليف ممارسة فيها مساءلة،وفيها انحياز للأصلح والأقدر على تنفيذ وتنزيل الالتزامات والعهود.
أريد مسؤولا ينبض مصداقية وعطاء، مشاغب وحركي يبهر ويترصد الفرص لإحداث الطفرات وتوجيه الرسائل ذكية ولماعة..
أريد مسؤولا يطعم روح الاتحاد بتبدلات مصيرية، تقطع مع البالي التقليداني وتنشط في تحديد التراكمات النوعية والفعالة ..
أريد مسؤولا إنسانا يقوي من ركيزة كرامة المبدعين ووضعهم الاجتماعي والاقتصادي والنفسي ..
أريد مسؤولا عن الاتحاد يعزز من ممارسة الديمقراطية الثقافية والرهان على وجودها في مجتمع يلهث خلف كل ما هو مادي.
بعض الإشارات فقط، حتى لا أثير النغم اليوتوبي على انتخاب ربما يكون نوعيا، خلافا لكل التوقعات.
إعداد: عبد العالي بركات