هناك العديد من اثار الأمم الماضية محى معالمها الزمن بفعل العوامل الطبيعية، غير أن هناك العديد من الحضارات التي اندثرت بسبب الحروب، مثال على ذلك حضارة بغداد القديمة التي دمرتها حروب المغول في العهد القديم.
وتعبر الكثير من المعالم الأثرية والتاريخية عن حضارات عديدة محتها الحروب تماما ولا يعرف عنها شيئا سوى من الكتب، مثل مكتبة الاسكندرية القديمة. في الحروب تسعى كل قوة لطمس معالم القوى الأخرى من تاريخ وكتابة ومعالم وثقافة شعب، أما عن طريق الحرق مثل ما حدث بالإسكندرية القديمة أو عن طريق رمي وحرق الكتب مثل ما حدث قديما ببغداد أو عن طريق هدم الأثار وبقايا تلك الشعوب وتراثها المعماري والحضاري أو عن طريق تهجير أهلها منها مثل ما حدث بالأندلس. فالحروب تبقى آثارها بعدما تسكن أصوات المدافع والرصاص. يدفن القتلى ويعالج الجرحى وتبقى المدن المدمرة ركام وبقايا حطام يعاد بناء بعضه ويبقى آخر شاهدا على تلك الصراعات.
بيان اليوم ترصد بعض الأماكن التاريخية التي دمرتها الحروب
“تمبكتو” من أهم العواصم الإسلامية في غرب أفريقيا
“تمبكتو” مدينة في مالي، وهي من أهم العواصم الإسلامية في غرب أفريقيا. سميت قديما تنبكت، وتلقب بجوهرة الصحراء المتربعة على الرمال، وهي بوابة بين شمال أفريقيا وغرب أفريقيا، وملتقى القوافل البرية للقادمين من النيجر وليبيا، وكذلك تجار الملح القادمين من تودني، أنجبت العديد من الفقهاء والعلماء، وازدهرت فيها الحركة الثقافية، وتعاقب عليها الغزاة وآخرهم الفرنسيون الذي قاومته قبائل المنطقة بقيادة محمد علي الأنصاري. واحة تمبكتو هي حاضنة الإسلام في الصحراء الكبرى ومنارة للعلم فيها ومجمع العلماء وهي من أشهر المدن في غرب أفريقيا خاصة منذ القرن الثالث عشر، وسكانها جميعهم مسلمون وأشهر القبائل التي تقطن المنطقة هم قبيلة الأنصار كل أنصر التي ظهر فيها محمد علي والذي اغتيل في عام 1897، وقبيلة السنغاي ذات الأغلبية السكانية وكذلك القبائل المتفرعة من الأشراف الأدارسة الذين أشتروا منطقة شمال النهر من أحد ملوك مالي السابقين وبعض القبائل ذات الأصول العربية والطوارق والبرابيش.
العصر الذهبي وانتهاؤه
شهدت المدينة عصرها الذهبي من الناحية السياسية والعلمية في القرن السادس عشر، وتحديدا في عهد السلطان الحاج أسكيا محمد الذي كان يهتم بالعلماء، وخرجت عددا كبيرا من العلماء الموسوعيين الذين ذاع صيتهم في الآفاق مثل أحمد بابا التنبكتي الذي توفي عام 1036هـ. كان الغزو المغربي لتمبكتو عام 1591 -أيام السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي -بداية النهاية لعصر ازدهارها، إذ بدأت أهمية تمبكتو العلمية والتجارية تنحدر تدريجيا إثر ذلك حتى كادت تضمحل. تخلص حكام المدينة العسكريون المغاربة من تبعيتهم لدولة السعديين في المغرب، ووقعت تمبكتو تحت سيطرة قبيلة الفولب في النصف الأول من القرن التاسع عشر إلى أن احتلها الفرنسيون 1893، واستمروا في حكمها حتى إعلان استقلال مالي 1960.
انضمام تمبكتو إلى لائحة المواقع الاثرية
بعد ان تم ادراج تمبكتو على موقع تراث عالمي، أصيبت في عام 2012 بخسارات ثقافية جسيمة إثر تدمير جماعات متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة لأضرحة الأولياء الصالحين، أعيد بناؤها كما كانت بإشراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونيسكو ولكن تدميرهم دفعها إلى إعادة تصنيف المدينة ووضعها على قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر. شيدت هذه الاضرحة بغية حماية المدافن، تم تشييدها عموما من الطين في تمبكتو، بعض المدافن موجودة في المدينة أو في مقابر وأخرى في مساجد، وتضم حاليا 22 ضريحا سليما في الاجمال، أدرج 13 منها على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، وكانت هذه القائمة تعد في الأساس 16 ضريحا ولكن 3 منها اندثرت بفعل تراكم الرمال. وأكتسبت تمبكتو لقب مدينة ال 333 وليا بسبب هؤلاء الأولياء الذين دفنوا في الأضرحة، وهم يعادلون القديسين لدى المسيحيين، تدل هذه الأضرحة مع المساجد التاريخية في المدينة على انها كانت أماكن حج إلى مالي وإلى البلدان المجاورة في غرب أفريقيا.
دمرت جماعات مرتبطة بتنظيم القاعدة بينها جماعة أنصار الدين 14 ضريحا بحجة محاربة عبادة الأوثان في 2012، سيطرت هذه الجماعات على شمال مالي لمدة سنة واحدة تقريبا إلى ان تم إطلاق عملية عسكرية دولية بمبادرة فرنسية لا تزال متواصلة، لكن مناطق بأكملها لا تزال خارجة عن سيطرة القوات المالية والأجنبية. تم اعادة بناء الاضرحة في إطار برنامج تابع لليونسكو في تنفيذه بتمويل من عدة دول ومؤسسات، وقد أوكلت مهمة إعادة البناء إلى مجموعة من المعماريين المحليين الذين أعادوا تحت إشراف إمام المسجد الكبير بناء المقامات وفق هندستها الأصلية من خلال استعادة بقايا الجدران والاطلاع على الصور والاستعانة بكبار السن.
> إعداد: سعيد أيت اومزيد