إفراح أحمد من الصومال، وجاها دوكوري من غامبيا، وسلامتو كامارا من سيراليون، وإليزابيت أنشي من نيجيريا، ودومتيلا شيس انغ من كينيا، وبضع نساء أخريات ينحدرن من إفريقيا، ناشطات حقوقيات فرقتهن الجنسيات وجمعهن القدر في قلب “معركة شرسة” ضد ممارستين منتشرتين في القارة تضران ببنات جنسهن هما ختان البنات وزواج القاصرات.
منهن من تعرضت لعملية الختان “المؤذية والمهينة والقاسية” في صغرها وتأثرت بمضاره، ومنهن من عاشت تجربة الزواج وهي بعد قاصر بما يطرحه ذلك من معاناة على مختلف الأصعدة، ومنهن من ولجن ساحة النضال ضد هاتين الممارستين فقط لأنهن يرغبن في رفع الضرر عن ملايين البنات اللواتي يقعن ضحية الختان، أو ما يصطلح عليه بتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، والتزويج في سن القصور عبر مجموع القارة.
وإذا كانت كل واحدة من هاته “المحاربات” قد باشرت معركتها في بلدها عبر إحداث منظمة مدنية للدفاع عن حقوق الفتيات والنساء، فقد سعين إلى توحيد جهودهن وتأسيس تحالف إفريقي يروم رفع الصوت لوضع حد لممارستين “تمثلان انتهاكا للحقوق الإنسانية وللسلامة الجسدية والنفسية” اخترن له اسم (بيغ سيسترز) أو الأخوات الكبيرات.
وتخوض “الأخوات الكبيرات” هذه الأيام جولة أخرى من جولات معركتهن في العاصمة السنغالية دكار التي أطلقن فيها القمة الإفريقية الأولى حول ختان البنات وزواج القاصرات (16-18 يونيو الجاري) بتنظيم مشترك مع الحكومتين السنغالية والغامبية.
وأكدت جاها دوكوري، رئيسة تحالف (بيغ سيسترز) في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بالمناسبة، أن “الهدف من تحالفنا يتمثل أساسا في تنظيم مجتمعاتنا المحلية من أجل تشكيل أكبر حركة شعبية لوقف ممارسة ختان البنات وزواج القاصرات في القارة الإفريقية”.
وأوضحت جاها، وهي مؤسسة والمديرة التنفيذية للمنظمة العضو في التحالف (سايف هاندز فور غورلز) “أياد آمنة من أجل الفتيات”، التي تتوفر على مكاتب في الولايات المتحدة وغامبيا وسيراليون، أن التحالف “يسعى إلى إنهاء ممارسة ختان البنات ومكافحة زواج القاصرات عبر القارة الإفريقية”، ولا سيما في كينيا ونيجيريا وسيراليون والصومال وغامبيا.
وحسب الأمم المتحدة، فإن حوالي 200 مليون فتاة وامرأة في جميع أنحاء العالم تعايشن تبعات تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. وفيما تشير توقعات المنظمة إلى أنه من المتوقع أن تتعرض أكثر من 4.6 مليون أنثى إلى الختان سنويا بحلول عام 2030، فإنه بين عامي 2015 و2030، تواجه 68 مليون فتاة على مستوى العالم خطر تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية إذا لم تعجل الجهود للقضاء على هذه الممارسة الضارة.
وحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) أن يوجد اليوم نحو 650 مليون فتاة وامرأة تم تزويجهن وهن طفلات في جميع أنحاء العالم، و”تسرق هذه الممارسات الضارة أينما حدثت الفتيات من طفولتهن، وتحرمهن من فرصة تقرير مستقبلهن وتهدد رفاه الأفراد والعائلات والمجتمعات”.
ويتمثل التحدي الرئيسي لـ”الأخوات الكبيرات” في توسيع حركتهن لتصل إلى مختلف المجتمعات المحلية بالقارة، بما يمكن من الضغط والتأثير على القادة الأفارقة من أجل بلوغ هدف القضاء على زواج القاصرات وختان البنات في أفق سنة 2030.
وتقول الناشطة الحقوقية الصومالية، إفراح أحمد، وهي إحدى الناجيات من التبعات السلبية لختان الإناث الذي تعرضت له عندما تبلغ 8 سنوات، إن “هذه الأرقام المخيفة هي ما يعزز إرادتنا من أجل المضي قما في معركتنا ضد تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وزواج القاصرات”.
وتضيف العضوة بتحالف (بيغ سيسترز) والرئيسة المؤسسة ل(إفراح فاوندايشن) التي تحظى بدعم حكومي في بلدها، “مهمتنا في التحالف في إسماع صوت الفتيات الإفريقيات في كل المنابر الدولية ولدى زعماء القارة من أجل مزيد من الجهود لوقف هاتين الممارستين”.
وسردت إفراح قصتها كاملة لوكالة المغرب العربي للأنباء، وكيف تحولت من لاجئة صومالية في إيرلندا استغرب الأطباء هناك خلال فحص لها لما وقع لها من تشويه لأعضائها الحميمية، إلى حاملة لواء المعركة لفائدة بنات بلدها وقارتها ضد ممارسة تعتبر تقليدا عاديا في بلدها.
وحسب إفراح، فإنه “لفخر لنا أن تتملك نساء إفريقيا زمام المبادرة في الترافع عن قضاياهن عوض التعويل على المنظمات الأوروبية فقط. (بيغ سيسترز) هو تجسيد لقدرتنا نحن بنات القارة على أن نكون رياديات، ونسمع صوتنا وأصوات بنات إفريقيا لزعماء القارة ليأخذوا هذه القضية على محمل الجد”.
تقول إفراح، التي حصلت على جائزة منظمة “نساء من أجل أفريقيا” لسنة 2015، نظير جهودها لخدمة بنات القارة، “يسعدني جدا أن أرى تحالفنا وقد تمكن من تنظيم قمة بهذا الحجم. صحيح أن التحديات للقضاء على ختان البنات وزواج القاصرات في إفريقيا ما زالت كبيرة، لكنني أشعر بأننا نقود حملة تغيير ذات وقع مهم. وقمتنا الأولى هذه دليل على أننا في الطريق الصحيح”.
واحد من المنجزات التي تفخر إفراح بتحقيقها، حسب قولها، هي الدور الذي قامت به من أجل حث الحكومة الإيرلندية على حظر ختان الإناث الذي يمارس في صفوف بنات اللاجئين والمواطنين المقيمين بها ممن ينحدرون من دول إفريقية تعتبر فيها هذه الممارسة من العادات العادية المعمول بها على نطاق واسع.
“رأيت التغيير الذي حصل في إيرلندا، وآمنت بأنه يمكن أحقق الامر ذاته في بلدي. أنا أشتغل الآن مع القادة الدينيين ورجال السياسة والإعلام من أجل إسماع صوت الفتيات وبحث سبل القضاء على الظاهرة في الصومال” تقول إفراح.
وبالفعل، فقد حفل اليوم الأول من قمة دكار بعرض شهادات مصورة لفتيات تعرضن لتشويه أعضائهن التناسلية أو للتزويج في سن مبكر جدا، بما يمكن من إسماع أصواتهن لتعزيز الجهود للحظر القانوني والتغيير المجتمعي لهذا النوع من الممارسات الضارة.
في تصريحها لوكالة المغرب العربي للأنباء، تحدثت إفراح عن ندوة احتضنتها مدينة فانكوفر الكندية مطلع الشهر الجاري، حول المساواة بين الجنسين، شارك فيها الرئيس الكيني، أوهورو كينياتا، موضحة أن الأخير قال في معرض جوابه على سؤال حول ما يود القيام به في أفق سنة 2020، “ما أود القيام به فعلا هو أن أتمكن من القضاء على ممارسة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية”.
وقالت “ما أتمناه في منظمتنا (بيغ سيسترز) هو أن تتحول الالتزامات التي يعلنها القادة الأفارقة في المحافل القارية بخصوص القضاء على ختان البنات وزواج القاصرات إلى أمر واقع، وأن يتحقق وعد الرئيس الكيني في كينيا وفي كل الدول الإفريقية التي تعرف انتشار الممارسات المضرة بالبنات”.
> عبد اللطيف أبي القاسم (و.م.ع)