انتهت بطولة كأس الأمم الإفريقية في كرة القدم التي استضافتها مصر بين 21 يونيو و19 يوليوز، بعناوين عدة أبرزها الفرحة الجزائرية بلقب ثان بعد انتظار دام 29 عاما، بينما حالف الحظ المنتخب التونسي وبلغ نصف النهائي رغم الأداء الضعيف، وخيبة خروج مبكر لمنتخبي مصر والمغرب رغم ترشيحهما بقوة للمنافسة على لقب النسخة الـ32.
وشملت البطولة، الأكبر في تاريخ القارة مع 24 منتخبا بدلا من 16، سلسلة محطات طبعت في الذاكرة، من مدغقشر التي بلغت الدور ربع النهائي في مشاركتها الأولى، إلى أداء دون المتوقع من نجوم يتقدمهم المغربي حكيم زياش، وصولا إلى مدرجات شبه خالية في مباريات عدة.
وفي ما يأتي عرض لأبرز محطات النجاح والإخفاق في أربعة أسابيع من العرس القاري، قبل تجدد الموعد في الكاميرون عام 2021.
لقب ثان للجزائر بعد 3 عقود من الانتظار
انتظرت الجزائر طويلا بين لقبيها. بعد التتويج على أرضهم عام 1990، غاب “محاربو الصحراء” عن العرش القاري لنحو ثلاثة عقود، واحتاجوا إلى مدرب محنك اسمه جمال بلماضي لرسم النجمة الثانية على قميصهم الأخضر، وطي صفحة الخيبات التي عانوا منها في الأعوام الأخيرة.
وينسب إلى بلماضي الفضل في مصالحة الجزائريين مع اللقب. في خضم الحراك السياسي الذي تشهده البلاد منذ أشهر، إذ منح المدرب ولاعبوه شعبهم فرحة اللقب بعد بطولة أجمع فيها النقاد على أن الجزائر قدمت المستوى الأفضل فيها.
لقب مستحق بالنسبة إلى بلماضي بعد أداء متماسك في مختلف الخطوط، و7 انتصارات في 7 مباريات بخط هجوم فتاك لاسيما عبر القائد رياض محرز وبغداد بونجاح، ودفاع صلب يدعمه الحارس رايس مبولحي الذي تلقى هدفين فقط.
هيمنة جزائرية على جوائز الأفضل
وحسمت الجزائر اللقب الثاني بفوز متجدد في هذه البطولة، وبالنتيجة ذاتها (1-0)، على المدرب آليو سيسيه والنجم ساديو مانيه، ومنتخب السنغال الذي يعد الأفضل إفريقيا بحسب تصنيف الاتحاد الدولي (الفيفا).
أنهى محاربو الصحراء البطولة أيضا بهيمنة على الجوائز الفردية: لاعب الوسط إسماعيل بن ناصر أفضل لاعب، ومبولحي أفضل حارس، وبلماضي أفضل مدرب. واختير اللاعبان، إضافة إلى رياض محرز وعدلان قديورة، ضمن التشكيلة المثالية التي أعلنها الاتحاد الإفريقي (الكاف).
اللقب والأداء الذي قدمه خلال الأسابيع الماضية، جعلا من محرز مرشحا شبه أوحد لجائزة أفضل لاعب إفريقي في ختام العام الحالي، ومنافسا مطروحا لجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم، بعدما ساهم أيضا في احتفاظ فريقه مانشستر سيتي الإنجليزي بلقب الدوري الممتاز.
مدغشقر مفاجأة البطولة وتونس المحظوظة
بلاد رئيس الاتحاد القاري أحمد أحمد قدمت صورة مشرقة تناقض المشكلات التي واجهها ابنها في إدارة الاتحاد.
مع المدرب الفرنسي نيكولا دوبوي، تخطى المنتخب المتواضع العقبة تلو الأخرى، وحقق المفاجأة بداية بإنهائه منافسات دور المجموعات على رأس الثانية متفوقا على نيجيريا المتوجة ثلاث مرات، وغينيا وبوروندي.
المنتخب الذي يتألف من لاعبين يدافع معظمهم عن ألوان أندية مغمورة في فرنسا، تمكن في الدور ثمن النهائي من إقصاء منتخب الكونغو الديمقراطية بضربات الترجيح.
بيد أن الملغاشيين سقط عند عتبة تونس الذي اختار الدور ربع النهائي ليقدم أفضل أداء له في البطولة، وينهي المباراة فائزا بثلاثية نظيفة بعد 3 تعادلات في الدور الأول، وفوز بضربات الترجيح على حساب غانا في الدور ثمن النهائي.
ورغم بلوغها مباراة النصف النهائي، فقد خسرت تونس التي اعتبر الكثيرون أنها كانت محظوظة للغاية بعد تخطت الدور الأول كثاني المجموعة برصيد 3 نقاط من 3 تعادلات، أمام السنغال بهدف دون رد، لتسقط مجددا في مباراة الترتيب أمام نيجيريا بهدف في الدقيقة الثالثة.
إيغالهو الهداف يهدي نيجيريا المركز الثالث
تعرض أوديون إيغهالو لانتقادات حادة وتهديدات بالقتل بعد مشاركة مخيبة لبلاده في نهائيات كأس العالم روسيا 2018، وضعته على شفير الابتعاد عن المنتخب. لكن ابن الأعوام الثلاثين حظي بدعم واسع من مدربه الألماني غرنوت رور.
وعاد إيغهالو مع منتخب “النسور الممتازة” إلى نسخة 2019 من البطولة القارية، لينهي المنافسات في صدارة ترتيب الهدافين مع خمسة أهداف، وخيبة الخروج القاسي في نصف النهائي على يد الجزائر (1-2)، بالضربة الحرة الرائعة لمحرز في الثواني القاتلة، لكن اللاعب تدارك الأمر بمنح بلاده المركز الثالث بهدف مبكر في مرمى تونس.
وأعلن المهاجم النيجيري هدافا للبطولة بـ 5 أهداف، ونشر رسالة عبر حسابه على شبكة (إنستغرام) “هذا أحد أصعب القرارات التي اتخذتها عبر مسيرتي. لقد كانت 5 سنوات رائعة”، موضحا “بعد استشارة عائلتي في الأمر ومناقشته بشكل مستفيض معهم، قررت أنها ساعة الاعتزال من المنتخب الوطني”.
صدمة مصر وصلاح بخروج غير متوقع
دخل المنتخب المصري واثقا إلى البطولة الخامسة على أرضه. حامل الرقم القياسي في عدد الألقاب (7) وجد التاريخ إلى جانبه، إذ سبق له أن توج ثلاث مرات في المحطات الأربع السابقة التي حطت فيها كأس أمم إفريقيا الرحال في مصر.
في صفوفه محمد صلاح، أحد أبرز اللاعبين على مستوى العالم، والجاهز بدنيا (على عكس ما كان عليه في مونديال روسيا بسبب آثار الإصابة)، ونفسيا بعد تتويجه مع فريقه ليفربول الإنجليزي بلقب دوري أبطال أوروبا، ومعنويا بالدعم الهائل المنتظر في ستاد القاهرة.
لكن الأمور لم تسر كما اشتهى المصريون. انتصار صعب بهدف وحيد على زيمبابوي في المباراة الأولى، برره ضغط الافتتاح وتوقعات 75 ألف مشجع في ستاد القاهرة، ونحو 100 مليون خارجه. تقدم المنتخب وأنهى الدور الأول بالعلامة الكاملة والشباك النظيفة.
لكن مع تداعيات الجدل الذي أثير حول عمرو وردة واستبعاده بعد اتهامات “التحرش”، وعودته بعد ضغط اللاعبين، وانقسام المشجعين وانتقادهم حاملي القميص الأحمر، وفي مقدمهم صلاح، رأس الحربة في الدعوة إلى الصفح عن اللاعب.
انطلقت الأدوار الإقصائية، وحدثت الصدمة بهدف لجنوب إفريقيا قبل 5 دقائق من صافرة نهاية مباراة دور الثمن النهائي، واستتبعها صمت مشجعين في أرض الملعب لم يستوعبوا ما رأوا، وسيل من الانتقادات للاعبين والجهاز الفني بقيادة المكسيكي خافيير أغيري الذي أطيح به في الأمسية ذاتها، في هزة شملت أيضا استقالة رئيس الاتحاد هاني أبو ريدة.
سقوط حزين للمغرب أمام بنين
فرص المنتخب المغربي نفسه مرشحا بالنظر إلى نتائجه في الدور الدور الأول. بقيادة الفرنسي هيرفيه رونار، ولاعبين مثل زياش الذي برز في الموسم المنصرم مع نادي أجاكس أمستردام الهولندي، ومبارك بوصوفة وأشرف حكيمي، أنهى المغاربة دور المجموعات بالعلامة الكاملة والشباك النظيفة، شأنهم كشأن مصر والجزائر.
ورغم ذلك، فقد كانت هناك انتقادات بخصوص الأداء خاصة في الجانب الهجومي بحكم أن كتيبة “أسود الأطلس” احتاجت لهدية من الخصم لتفوز على ناميبيا في المباراة الأولى، وتحسن الأداء نسبيا في اللقاء الثاني بانتصار صغير أمام كوت ديفوار (1-0)، في حين انتظر المغاربة إلى الدقيقة 90 ليفكوا عقدة جنوب إفريقيا بهدف بوصوفة.
حل ما لم يكن في الحسبان في ثمن النهائي، بالسقوط بضربات الترجيح أمام بنين. المفاجأة الأكبر كانت أن زياش الذي لم يظهر كل ما في حوزته في البطولة، كان أمام فرصة الإنقاذ بضربة جزاء في الدقيقة الرابعة من الوقت بدل الضائع، لكن القائم كان له بالمرصاد، لتنتهي المباراة بفوز منتخب بنين المتواضع بضربات الترجيح (1-4).
> تصوير: عقيل مكاو