قال محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إن الحكومة الحالية لم تعط أي إشارات بشأن التوجه العام الذي ستسلكه إلى حدود الآن. وأضاف بنعبد الله الذي كان يتحدث، أول أمس الأربعاء، في افتتاح اليوم الدراسي الذي نظمته المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، حول “مشروع قانون المالية لسنة 2020 .. أي معالجة للاختلالات الاقتصادية والفوارق الاجتماعية”، أنه من الغرائب أن لا يكون للحكومة خطاب سياسي أو عناصر تأطيرية لعملها، معتبرا أن أي دولة ديمقراطية تحترم نفسها وأي عمل حكومي، خاصة عند تشكيل الحكومة أو تعديلها، يكون لها على الأقل العناصر التأطيرية لعملها ولخطابها السياسي وما تود القيام به على جميع المستويات.
وأوضح بنعبد الله أن الحكومة الحالية، وبعد تعديلها، لم تستحضر أي خطاب سياسي تأطيري والذي كان يتعين أن تقوم به بعد تعديلها، علما أن دواعي وأسباب التعديل، وفق بنعبد الله، جاءت من خطاب ملكي سام، والذي وقف من خلاله جلالة الملك على النقائص الكثيرة الموجودة على مستوى الإنتاج وتلبية حاجيات الاقتصاد الوطني، كما وقف على الاختلالات الكثيرة المستمرة بالنسبة لفئات شعبية مختلفة ولفضاءات مجالية مختلفة لم تشعر بمستوى التغيير ولم تستفد كما استفادت جهات أخرى، مشيرا إلى أن مسألة التوزيع العادل للخيرات، اجتماعيا، ومجاليا، كانت حاضرة في الخطاب الملكي، بمعنى أن الحكومة المعدلة يجب أن تنطلق من هذه التوجهات العامة المعلن عنها.
وأكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن رئاسة الحكومة كانت مطالبة بتقديم التوضيحات حول هذه التوجهات العامة وبتوضيح الطريق بالنسبة للمواطنات والمواطنين وبالنسبة لجميع الفاعلين، سواء السياسيين، أو الاقتصاديين، أو الاجتماعيين.
وشدد بنعبد الله على أن العنصر المفقود بالنسبة للمغرب هو “الثقة” الذي قال إنه لا إصلاح بدونه، باعتباره مدخلا للإصلاح، حيث أكد المتحدث على أن الإصلاح يعتمد على ثقة واسعة لرجال الأعمال وكافة الفاعلين الآخرين سياسيين واجتماعيين ونقابيين أم غير ذلك.
وأبرز زعيم حزب “الكتاب”، في كلمته الافتتاحية للقاء الذي حضره خبراء اقتصاديين وبرلمانيين من داخل حزب التقدم والاشتراكية وأحزاب وطنية أخرى، أن المغرب في حاجة ماسة إلى عنصر الثقة، والتي قال “إنها لا تتأسس فقط انطلاقا من الخطاب، بل من خلال عدد من الإجراءات التحفيزية التي تعطي الشعور بالنسبة لفئات مختلفة بأن هناك مشروع إصلاحي حقيقي، وبأن هناك حكومة تترجم هذا المشروع الإصلاحي، وعلى أن هناك أغلبية متماسكة تدافع عن هذا المشروع، وعلى أن هناك أسبقية تعطى لمصالح البلاد ولمصالح مختلف فئات الشعب قبل المصالح السياسوية الثانوية المرتبطة بما سيجري في سنة 2021”.
وجدد بنعبد الله التأكيد على أن حزب التقدم والاشتراكية ما يزال في انتظار هذا الخطاب السياسي وهذا التوجه، حيث دعا رئيس الحكومة ليوضح لماذا تم تعديل هذه الحكومة وما ستقوم به خلال المرحلة المقبلة؟.
ودعا بنعبد الله الحكومة إلى نقاش وطني ينطلق من البرلمان ويكون متواصلا يستهدف مختلف الأوساط الشعبية، ومختلف الاهتمامات الموجودة، “وذلك لنعلم ما تنوي هذه الحكومة القيام به ديمقراطيا وسياسيا، وما تنوي القيام به اقتصاديا، وجبائيا، وإنتاجيا، وقطاعيا، وما تنوي القيام به على المستوى الاجتماعي استجابة للخطاب الملكي”، وفق تعبيره، مبرزا أن الحكومة مطالبة بتقديم أجوبة للمواطنات والمواطنين، لاسيما وأن “الجميع في قاعة الانتظار”.
من جهة أخرى، وفي ما يتعلق بالقانون المالي لسنة 2020، قال بنعبد الله إن الحزب لن يتعاطى مع مشروع قانون المالية وفق مقاربة عدمية وسلبية، وأنه لن يعارض كل شيء أو يمارس مقاربة عدمية وسلبية، مضيفا “سنبحث دائما على كل ما هو إيجابي ويبعث الروح في أي إمكانية للإصلاح”.
وبعدما شدد على أن حزب “الكتاب” سيقوم بـ “معارضة وطنية ديمقراطية تقدمية”، انتقد بنعبد الله إقرار مادة ضمن القانون المالي الجديد لا تلزم الدولة ومؤسساتها بتنفيذ الأحكام الصادرة في حقها، حيث قال الأمين العام لحزب “الكتاب” إن هذا الفصل يضرب في العمق مبدأ “الثقة” الذي يعتبر مدخلا أساسيا لتنزيل أي مشروع إصلاحي.
وشدد بنعبد الله على أن حزب التقدم والاشتراكية سيعمل مع حلفائه في المعارضة على إزالة هذه النقطة لكونها غير مقبولة وتمس بحقوق مجموعة من المواطنين والمؤسسات، وتزيد من تعميق الشعور باللاثقة الذي يدفع كثيرا من المستثمرين إلى العدول عن مشاريعهم، مجددا التأكيد على أن المدخل الرئيسي للإصلاح الاقتصادي وإنعاش الاقتصاد الوطني والنهوض به وتحسين الأوضاع الاجتماعية هو ترسيخ الثقة واستعادتها لدى جميع الأوساط.
ونبه بنعبد الله إلى أن هناك مجموعة من النقاط التي يجب أن يتم إعادة النظر فيها، وخصوصا مسألة إعفاء مؤسسات الدولة من تنفيذ الأحكام الصادرة في حقها، وأكد على أن ذلك يمس بدور القضاء ومبدأي العدالة والثقة.
في السياق نفسه، وجه المستشار البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية عبد اللطيف أوعمو نداء إلى الحكومة للعدول عن هذه النقطة في قانون المالية.
وقال أوعمو إن الحديث عن المادة 9 من قانون المالية التي تنزه المؤسسات العمومية عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في حقها هو حديث عن دولة “طاغية”، وليس ديمقراطية، لاسيما وأن معظم المحكوم لصالحهم هم من الفئات الشعبية، وترتبط قضاياهم بنزع الملكية والتعويضات، وغيرها، فضلا عن المقاولات والشركات التي تنتظر تنفيذ أحكام لصالحها، مشيرا إلى أن هذه المادة تضرب في العمق النفس الاجتماعي الذي تروج له الحكومة في مشروع قانون المالية الجديد وتمس استقلالية القضاء.
إلى ذلك، أبرز أوعمو في كلمته أن استمرار تعقيد الأجواء السياسية وتأزيمها بسبب التناطحات والتجاذبات والحروب الجانبية بين مكونات الحكومة الحالية والتسابق نحو مراكز التأثير السياسي تجعل البنية المالية العمومية غير قادرة على تحقيق فعالية الطابع الاجتماعي المعلن عنه لمشروع الميزانية.
ويرى المستشار البرلماني عن حزب التقدم والاشتراكية أن الطابع الاجتماعي لمشروع قانون المالية 2020 يظل، للأسف، مجرد نوايا لا غير، مؤكدا أن المعارضة مدعوة للتشديد على الطابع الاجتماعي والتمسك به، والذهاب به بعيدا نحو محاصرة الحكومة حول أهداف قانون المالية، وذلك، يقول المتحدث، من خلال “تعميق الافتحاص في مشروع الميزانية من أجل تحديد الأولويات، وإبراز مكامن الضعف والنقط المجانبة للحقيقة والصواب، فضلا عن دعوته لتقديم مقترحات جادة، واقتراح بدائل ممكنة التحقق والإنجاز”.
إلى ذلك، كانت عائشة لبلق رئيسة المجموعة النيابية للحزب التي سيرت اللقاء، قد أكدت أن مناقشة القانون المالي مناسبة للوقوف على الجوانب الإيجابية والسلبية، وذلك في إطار المعارضة البناءة التي اختار حزب التقدم والاشتراكية الاصطفاف فيها.
وفي حديثها عن القانون المالي، قالت لبلق إن القانون المالي ليس مسألة تقنية أو مسألة توازنات مالية، بقدر ما هو أداة تدخل الدولة لمعالجة وتوجيه الاقتصاد بما يخدم العدالة الاجتماعية، مشيرة إلى أن اليوم الدراسي الذي نظمته المجموعة النيابية لحزب “الكتاب” ينعقد في سياق خاص بعد خروج الحزب من الحكومة إلى صفوف المعارضة.
وفي سياق الحديث عن الإجراءات التي جاء بها القانون المالي، ربطت لبلق مدى استجابة المقتضيات والمضامين والإجراءات التي يتضمنها مشروع قانون المالية 2020 بالمطالب الاجتماعية المعبر عنها في مختلف الجهات والأقاليم ومختلف الشرائح المجتمعية، حيث قالت إن المطالب الاجتماعية المتنامية، خصوصا منها المتعلقة بمسائل البطالة والتشغيل والخدمات العمومية الضرورية وفك العزلة عن العالم القروي تحتاج إلى استجابة وترجمة على مستوى مشروع القانون الجديد، مشيرة إلى برلمانيي حزب “الكتاب” سيعملون انطلاقا من موقعهم على الترافع عن هذه المطالب ومطالبة الحكومة بالاستجابة لها ووضع تعديلات ضمن القانون المالي الجديد.
من جانبه، قال عبد الواحد سهيل، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ووزير التشغيل السابق، إن الحديث عن القانون المالي الجديد يجب أن يوضع في الإطار السياسي والدستوري، الذي تزامن مع الإعلان عن فشل النموذج التنموي الجديد وضرورة مراجعته.
وتابع سهيل أن الحكومة الحالية وضعت القانون المالي الجديد، دون حصره في الإطار السياسي، ودون أي إشارة أو ربط بما تم الإقرار به من فشل في النموذج التنموي الجديد، فضلا عن كون الحكومة الحالية لم تقدم أي مشروع جديد، ولم تكلف نفسها عناء مراجعة النموذج التنموي أو بلورة آخر نموذج جديد، واكتفت بوضع قانون مالي لا يراعي السياقات الجارية، خصوصا، يقول المتحدث، وأن الحكومة مقلصة ومعظم وزراءها غير منتمين لأي حزب سياسي من أحزاب الأغلبية البرلمانية، وغير مسؤولين سياسيا ولا علاقة لهم بالاقتراع العام.
وبالاستناد إلى معطيات خاصة بالمندوبية السامية للتخطيط، أبرز سهيل أن المنحى التراجعي للإيقاع التنموي مستقر نسبيا لارتباط النمو الاقتصادي بصفة لصيقة وتابعة للقيمة المضافة الفلاحية المرتبطة نفسها بالتقلبات المناخية، إضافة إلى كون الأنشطة الأخرى غير الفلاحية لم تصل بعد إلى المستوى الذي تؤثر فيه على ارتفاع النمو الاقتصادي، كما أشار إلى أن القطاع الصناعي المعول عليه ليشكل مفتاح الانتعاش تبقى نسبة إنتاجه مستقرة ولا تمكنه من التنمية، وهو ما لن يؤدي إلى ارتفاع نسبة النمو كما تتوقع الحكومة، يوضح المتحدث.
سهيل اعتبر أن القانون المالي الجديد يفتقر لروح المبادرة وللرؤيا التنموية البعيدة الأمد والمقرونة بحس اجتماعي واضح وإرادي، كما يفتقد هذا القانون، وفق المتحدث، إلى مناخ يعيد الثقة للمجتمع وللفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين.
إلى ذلك، شدد المتحدث على أن غياب الروح الاجتماعية في النموذج التنموي الجديد والمبادرة والشجاعة الاقتصادية توازيه أغلبية حكومية غير منسجمة، وتشتغل بمنطق التنافر والتطاحن بدل التآزر والتعاون، متسائلا عن كيفية زرع الأمل والثقة في إمكانيات وآفاق تطور البلاد.
إلى ذلك، وفي قراءته لقانون المالية، أكد الخبير الاقتصادي محمد بنموسى أن القانون المالي لسنة 2020 يطغى عليه “الخوف” ويعكس “الأمراض” و”العلل” التي تعاني منها الدولة، حيث يوضح أن ذلك يظهر على مستوى الميزانيات المرصودة لكل قطاع، حيث رصدت للأمن وحده 77 مليار درهم، 31.6 مليار درهم منها، للأمن الداخلي، و45 مليار درهم للأمن الخارجي، فيما تم رصد 96 مليار درهم للميزانية المخصصة للدين العمومي متبوعة بقطاع التربية الوطنية.
وأضاف بنموسى أن الأرقام التي تضمنها القانون المالي الجديد تعكس خوف الحكومة والدولة من المستقبل، خصوصا في ظل تراجع معدل الاستهلاك وتراجع الطبقة المتوسطة واندحارها، وتقلصها، لتقترب أكثر من الطبقة الفقيرة.
هذا الخوف، يقول بنموسى، لا يرتبط بالإجراءات التي جاءت بها قوانين المالية الجديدة، وإنما بالأوساط الاجتماعية كذلك، حيث أن الكثير من المستثمرين والطبقة الغنية لا يجازفون باستثمار أموالهم، وبالمقابل أصبحت مجموعة من القطاعات العمومية تقريبا غير منتجة ولم تعد حيوية وقادرة على التوظيف والإنتاج، وهو ما خلق حالة من الركود، وخلق أزمات اجتماعية أخرى كالبطالة وارتفاع منسوب الفقر.
وبخصوص الطبقات والفئات الهشة، قال إنها بدورها تعيش حالة من الخوف تترجم بارتفاع الهجرة السرية وهجرة الأدمغة، وغيرها من الحالات الاجتماعية التي أصبحت بارزة بشكل أكبر في أوساط المجتمع.
من جهة أخرى، وحول القطاع البنكي، أكد الخبير الاقتصادي أنه على الرغم من أهمية هذا القطاع وما يحققه من مؤشرات إيجابية إلا أنه لا يساهم بشكل مباشر في إنعاش الاقتصاد الوطني والنهوض به، والمساهمة في النمو الاقتصادي، مشيرا إلى أن هذه الوضعية تستفحل أكثر، على اعتبار أن بنكين أو ثلاثة فقط، هم من يفرضون قوانينهم وتوجهاتهم على السوق.
ويرى بنموسى على أن لجوء الدولة إلى الإنفاق والإسراف ساهم في هذه الأوضاع المالية، فضلا عن لجوء الدولة إلى إعفاء مهربي الأموال مقابل إعادتها، والذي قال إنه يكرس “اللاعدالة”، إذ أن استمرار هذا الوضع، يعكس تسامح الدولة مع البعض لاحتكار ثروة البلاد على حساب الطبقات الاجتماعية، التي تقابلها بالضرائب وعدم التسامح، مما يؤدي، وفق المتحدث، إلى تفاقم الإحساس بالظلم في حق الطبقتين الوسطى والفقيرة.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي محمد الشيكر أن الاقتصاد الوطني لم ينجح في بلورة النموذج التنموي الليبرالي لسنة 1983 بعد تطبيق مخطط التقويم الهيكلي الذي أملاه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وأضاف الشيكر أن هذا النموذج التنموي الحالي طور شكلا خاصا به، واصفا إياه بالنموذج التنموي الهجين، الذي يتغذى من ممارسات ريعية، مشيرا إلى أنه نموذج غير صالح أثبت فشله.
وتساءل الشيكر عن كيفية التعامل مع هذا الواقع، لأن هناك مشكلا في التشخيص، خصوصا وأن النموذج لم يتمكن من خلق صدمة على المستوى الاقتصادي، كما تساءل عن التغيير، والنموذج المقصود بالتغيير.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن المشروع الحالي لقانون المالية يحمل مجموعة من التناقضات، إذ أن مشروع القانون الجديد يرى على أن النشاط الاقتصادي يبقى إيجابيا بشكل عام، في الوقت الذي يعاني فيه هذا النشاط في الواقع، وهو ما أثبته الحكومة نفسها ومختلف الباحثين الذين يدعون اليوم إلى نموذج تنموي جديد.
الميزانية الحالية هي ميزانية لها عدة قراءات باعتبارها حمالة أوجه، مشيرا إلى أن الهدف من وضع أي قانون مالي هو الحفاظ على ميزانية الدولة وعدم الإنفاق بشكل غير مدروس، معتبرا أن الآلية لمراقبة الحكومة هي المحاسبة، مؤكدا على أن الفصل 77 من الدستور ينص على أن الحكومة والبرلمان يسهران على المحافظة على ميزانية الدولة.
في هذا السياق، يوضح الشيكر أن المحاسبة يجب أن تحاسب أساسا على طريقة العمل وفعاليتها، فيما هي غير معنية بالتوجهات الاستراتيجية، مجددا التأكيد على أهمية عمل الحكومة على التوازنات المالية وفق ما ينص عليه الدستور.
توفيق أمزيان
تصوير: موسى رضوان