يعاني البعض في أشهر الشتاء من الاضطراب العاطفي الموسمي أو الاكتئاب الموسمي (SAD)، وهو نوع من الاكتئاب الشائع في هذا الوقت من العام، يبدأ في الخريف ويستمر طوال الشتاء، حيث يتوافق حدوثه مع انخفاض ساعات النهار، وانخفاض درجات الحرارة. وتشير الدراسات إلى أن هذا الاضطراب قد يصيب قرابة 20 في المائة من سكان العالم في فصل الشتاء ويكون تأثيره على النساء أكثر من الرجال بأضعاف، إذ يعاني العديد من الأشخاص من أعراض مختلفة، مثل الشعور بالانزعاج، واستنزاف الطاقة، واضطراب النوم، وهذه الأعراض تختلف مدتها وشدتها بشكل كبير من شخص لآخر.
وفي مثل هذه الأيام من كل عام، يشكو كثيرون من «إحباط مفاجئ»، يصاحبه كسل وحالة مزاجية سيئة تبدو ظاهرة على وجوههم طوال اليوم أحيانا، وقد يؤثر ذلك على علاقاتهم الاجتماعية وحتى على أدائهم المهني.
ضوء الشمس والسيروتونين
إلى الآن لم يتوصل العلماء إلى إيجاد سبب مباشر لمثل هذا الشعور بالحزن في الفصل البارد، لكن غالبيتهم أقر بأن قلة ضوء الشمس خلال الخريف والشتاء تؤدي إلى قلة هرمون السيروتونين، المسئول الأول في جسم الإنسان عن مسارات الحالة المزاجية في الدماغ.
ولكونها مادة كيميائية فإنه عندما لا تعمل مسارات الخلايا العصبية في الدماغ، والتي تنظم الحالة المزاجية بشكل طبيعي، قد ينتج عن ذلك الشعور بالاكتئاب مصاحبا بأعراض التعب وزيادة الوزن.
ومن الأسباب الأخرى المرتبطة بالسبب الرئيسي أيضا:
< تغير إيقاع الساعة البيولوجية، بسبب تغير عدد ساعات الليل والنهار خلال الخريف والشتاء.
< نقص في فيتامين (د) إذ يعمل هذا الفيتامين على الحفاظ على مستويات طبيعية للسيروتونين في الجسم خلال فصل الشتاء.
< زيادة إفراز هرمون الميلاتونين في الجسم نتيجة زيادة عدد ساعات الليل وقلة التعرض للشمس نهارا، قد يؤثر على التوازن الطبيعي للجسم.
ورغم أن هناك أسبابا بيولوجية للاكتئاب الموسمي مثل غيره من الأنواع، إلا أن هناك عوامل أخرى يمكن أن تتسبب في حدوث هذا النوع من الاكتئاب مثل التفضيل الشخصي للمواسم من حيث الحب أو الكره، أو ارتباط موسم معين بذكرى مؤلمة سابقة.
ويتم تشخيص الاضطراب العاطفي الموسمي لدى النساء أكثر من الرجال. كما تكون الاضطرابات العاطفية الموسمية أكثر شيوعا بين البالغين من الشباب عن البالغين الأكبر سنا. ويعاني بعض الأشخاص المحظوظين من أعراض خفيفة مثل عدم الارتياح أو الانزعاج فقط، لكن هناك أيضا من تبدو عليهم أعراض أكثر قسوة تؤثر على علاقاتهم وأعمالهم، وفقا لما أكده العلماء.
كيف تعرف إذن أنك مصاب بالاكتئاب؟ علماء النفس حذروا من تجاهل بعض الأعراض، مثل: «طاقة أقل، صعوبة في التركيز، شعور دائم بالإعياء، شهية أكبر، زيادة الرغبة في الوحدة، حاجة كبيرة للنوم، زيادة الوزن»، مطالبين بضرورة استشارة أحد الأطباء للحصول على مساعدة.
الخطوات العلاجية
الحصول الضوء الطبيعي في كل صباح، واتباع نظام غذائي متوازن يساعد على الحصول على مزيد من الطاقة، وممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة خمس مرات في الأسبوع، مع الإبقاء على اتصال مع الأقارب والأصدقاء.. جميعها طرق يكاد الأطباء النفسيون يجمعون على أنها أفضل الحلول لمواجهة اكتئاب الشتاء.
ويعد النقص في التعرض لأشعة الشمس عاملا أساسيا في الشعور بالحزن، لذا فالجلوس بجوار نافذة مشرقة، أو الخروج للتمشي خلال اليوم، في سبيل التعرض لقدر أكبر من أشعة الشمس؛ يساعد على تحسين الحالة المزاجية.
وفي بعض الأوقات يصعب الحصول على قدر من أشعة الشمس كافٍ لتحسين المزاج؛ نظرا للحالات الجوية التي قد تحجب الضوء عنا في مثل هذا الوقت من السنة، وفي هذه الحالة يمكن اللجوء لأجهزة المحاكاة؛ وهي صناديق ضوئية تبعث ضوءا اصطناعيا يزيد إشراقه أكثر من أجهزة الضوء العادية بنحو 20 مرة.
وأصبح العلاج بالضوء أحدث الطرق لمواجهة أعراض هذا الاضطراب العاطفي الموسمي، وفيه يتم تعريض المصاب لمصدر ضوء صناعي، ويستخدم لعلاج حالات أخرى، بما في ذلك اضطرابات النوم وأنواع أخرى من الاكتئاب.
وببساطة يعوض العلاج بالضوء التعرض لأشعة الشمس التي يعتقد أنها مرتبطة باضطراب الاكتئاب الشديد ذي الأنماط الموسمية.
نمط حياة وغذاء ملائم
وينصح بالتركيز على الأطباق المعدة بشكل أساسي من الخضراوات والفواكه، والشوربات، والفطائر المخبوزة، فهذه الأصناف تمنح شعورا بالدفء، لكن مع استهلاك ضئيل أو معقول من السعرات الحرارية، بدلا من الانغماس في الأطعمة الدسمة؛ بحثا عن مصدر للحرارة والدفء.
كما أنه من الضروري عدم الرضوخ للشعور بالكسل أو الخمول، ومقاومة هذا الشعور، والخروج من المنزل، أو القيام بالتمارين اليومية، والجري؛ سواء خارج المنزل أو بالاستعانة بجهاز الجري، فالمهم عدم البقاء في حالة من عدم الحركة.
وبالنسبة لسكان المناطق الثلجية فيمكنهم الاستمتاع بالأنشطة الشتوية، مثل التزلج على الجليد، أو المرح، وبناء الرجل الثلجي مع الأطفال، أو الذهاب للتنزه على الثلج، والاجتماع مع الأصدقاء، ومشاهدة الأفلام، أو المشاركة في الأنشطة الجماعية، فالمهم ألا يبقى الإنسان وحيدا؛ حتى لا يتفاقم لديه اكتئاب الشتاء.
غير عاداتك !
> ممارسة الرياضة: من الصعب الاستيقاظ لممارسة الرياضة مبكراً خلال فصل الشتاء، خاصة إذا كانت في الهواء الطلق، ولكن الأمر يستحق هذا العناء، فممارسة الرياضة تساهم في التقليل من التوتر، كما يقوم الجسم بإفراز هرمونات السعادة، التي ترفع من الحالة المزاجية بشكل ملحوظ، ويتم تعزيز هذا التأثير عند ممارسة الرياضة في الهواء الطلق، وذلك بسبب الحصول على الكثير من الأكسجين النقي.
> مقابلة الأصدقاء: يميل الأشخاص ذوي الحالة المزاجية السيئة إلى الانعزال في المنزل والبعد عن الاختلاط، ولذلك نصحت المجلة الألمانية بمقابلة الأصدقاء والمعارف وكل من يشعر معه الشخص بالراحة والسعادة.
> تجريب الأشياء الجديدة: إن البدء في تجارب جديدة يمنح المرء الشعور بالمتعة، ولذلك ينبغي تجريب الأمور الجديدة والاستمتاع بالمعايشات المختلفة.
> الاستيقاظ مبكرا: على الرغم من صعوبة الاستيقاظ والابتعاد عن السرير في الصباح، إلا أن النوم لفترات طويلة يزيد من خطر الاكتئاب، وفقا لما أكدته دراسة لمجلة النوم، وكما نصحت المجلة الألمانية بضرورة الالتزام بفترات نوم منتظمة، لكي يتمكن المرء من الاستيقاظ مبكرا في الصباح بصورة أسهل.
أطعمة تجلب السعادة
ولتحسين حالتك المزاجية، غليك قائمة ببعض الأطعمة التي تجلب السعادة وتقاوم الاكتئاب.
< الشيكولاتة: وتحتوي الشوكولاتة على مادة الكافيين التي تعتبر منشطا فعالا للجهاز العصبي وعاملا مهما يخلصه من التعب والإجهاد فيتولد على الفور إحساس بالراحة والهدوء والسعادة. كما أنها تساعد في رفع مستويات هرمون السيروتونين المنظم لمزاج الإنسان.
< الأسماك: وأظهرت أبحاث أن الأشخاص الذين يعيشون بالقرب من البحار يبدون أكثر سعادة من غيرهم، ويعود ذلك ربما لكثرة تناولهم الأسماك المحتوية على أوميجا 3 التي تساعد بدورها على تهدئة الأعصاب. كما أظهرت أن المعالجة من الكآبة بزيت السمك يمكن أن تكون فعالة بقدر العقار المستعمل لعلاج أمراض الكآبة.
< السبانخ: وتحتوي على حامض الفوليك الذي يؤدي إلى انخفاض الإصابة بالتوتر والقلق.
< الطماطم: وتحتوي الطماطم على مركب اللايكوبين، الذي يمنحها لونها الأحمر اللامع، ويعد علاجا فعالا في محاربة الكآبة وتحسين المزاج، كما يمنع تشكيل المركبات الالتهابية في الدماغ التي ترتبط بالكآبة. وتحتوي الطماطم على محسنات أخرى للمزاج، مثل حامض الفوليك والمغنيسيوم والحديد.
< البنجر الأحمر: ويعتبر البنجر مصدرا جيدا لفيتامين ب، الضروري لعمل الذاكرة، وحس الفكاهة، والقدرة على إيجاد المعلومات بسرعة ومعالجتها. ويحتوي البنجر على مركب (betaine) أيضا، وهو مركب يستعمله الدماغ في محاربة الكآبة طبيعيا.
< الفلفل الحار: ويأتي الطعم اللاذع للفلفل الحار من مادة (capsaicin)، والتي تساعد في إذابة الدهون في الدم، وإنتاج الدماغ مركبات (endorphins)- التي تعمل على تهدئة الأعصاب.
< الثوم: ويحتوي كمية كبيرة من معدن الكروم، الذي يؤثر على هرمون(serotonin)، المعروفة بأنه المادة الكيميائية “السعيدة”.
< العسل: وعلى عكس السكريات الضارة عديمة الفائدة، يحتوي العسل على كثير من المواد المحسنة للمزاج كفيتامينات بـ، وحامض الفوليك، والحديد، والمنجنيز و181 مركبا حيويا مختلفا، مثل (quercetin).
< الكرز: ويطلق عليه الأطباء في الغرب الأسبرين الطبيعي؛ حيث يمنح من يتناوله شعورا عارما بالسعادة.
< الموز: ويحتوي على مركب كيميائي طبيعي يمنح الثقة بالنفس.