نظم المجلس الأعلى للسلطة القضائية خلال مشاركته ضمن فعاليات المعرض الدولي للكتاب في نسخته السادسة والعشرين تحت شعار: “ العدل أساس التنمية الشاملة“ خلال الفترة الممتدة من 06 إلى 16 فبراير 2019 بالدار البيضاء، مجموعة من الأنشطة، أطرها مسؤولون قضائيون ورؤساء غرف بمحكمة النقض، وحضرها مئات من زوار المعرض، ضمنهم رجال قانون،محامون، طلبة، مهتمون، ومواطنون، الذين تفاعلوا بشكل إيجابي مع المحاضرين، وكانت مناسبة لإغناء النقاش حول كل القضايا المثارة في هذه الأنشطة.
وفي هذا الإطار، تم يوم الجمعة 14 فبراير 2020، على الساعة الرابعة بعد الزوال، تنظيم لقاء تواصلي حول ” الأمن الاجتماعي في ضوء قرارات محكمة النقض” من تأطير الأستاذة مليكة بن زاهير، رئيسة الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض و مستشارين بنفس الغرفة.
ونوقش في إطار هذا اللقاء العلمي القيم، المقاربة الحقوقية التي تحرص عليها محكمة النقض بخصوص قضايا عقود تشغيل الأجراء الأجانب والإشكالات العملية المتعلقة بالفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية ،وكذا مسطرة الفصل التأديبي والضمانات المرتبطة بها.
كما شهد هذا اللقاء مناقشة الإشكالات المتعلقة بمدونة الشغل في جوانبها المتعلقة بالحماية القانونية لحقوق الأجير ومدى ملاءمة مدونة الشغل مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة وما يعرفه المجال الاقتصادي العالمي من تطور متسارع.
وبالموزاة مع ذلك، تم التطرق إلى توجهات محكمة النقض بخصوص شروط الشغل وظروف التشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال وتوجهات محكمة النقض في هذا الصدد.وخلصت النقاشات إلى أن القضاء المغربي خاصة على مستوى محكمة النقض حريص على تحقيق التوازن بين الأجير والمشغل ضمانًا للأمن الاجتماعي بكل أبعاده وتجلياته.
كما احتضن رواق المجلس،يوم الأربعاء 12 فبراير الجاري ندوة حول موضوع: “الحماية القضائية للطفل التزام مشترك“، ترأسها الدكتور محمد بنعبد الله عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية وعرفت مشاركة رؤساء غرف بمحكمة النقض وأستاذة جامعين وخبراء دوليين متخصصين في الطفولة بمنظمة اليونيسيف.
وقد أبرز المتدخلون التوجهات القضائية الحمائية لمحكمة النقض بخصوص تفعيل مضامين مدونة الأسرة والقوانين الجنائية والمدنية والمواثيق الدولية المنظمة لحقوق الطفل ، مبرزين في هذا الصدد دور القضاء في تكريس المعايير الحقوقية الوطنية والدولية لضمان حق الأطفال في الكرامة والنمو السليم والتنمية الشاملة، مشيرين في هذا السياق إلى التحديات الكبرى ذات البعد التشريعي والتنظيمي والإداري التي يجب رفعها من خلال مقاربة تشاركية مندمجة مشددين على دور السلطة القضائية في تحقيق كل الضمانات الممنوحة للأطفال على مختلف المستويات .
وخلص المتدخلون إلى أهمية مقاربة التحسيس والوقاية والتربية وعلى الأدوار التي يجب أن يقوم بها كافة الفاعلين من أسرة ومؤسسات ومجتمع مدني في إطار الالتزام المشترك بضمان حقوق الأجيال القادمة بالمغرب .
ويوم الثلاثاء 11 فبراير الجاري، تم تنظيم لقاء تواصلي مع زوار المعرض حول موضوع “ قضايا نزع الملكية والإشكالات الضريبية في ضوء الاجتهاد القضائي من تأطير الأستاذين:عبد السلام نعناعي و حميد ولد البلاد مستشارين بالغرفة الإدارية بمحكمة النقض
وقد قدم المتدخلان آخر التوجهات القضائية لمحكمة النقض، بخصوص عدد من الإشكالات المثارة على مستوى المحاكم بخصوص مسطرة المنازعة الضريبية، مبرزين في هذا الصدد دور القضاء في تحقيق عدالة جبائية توازي بين الحق في الحفاظ على موارد الدولة، وحق الملزم في فرض ضريبي منصف، كما تم التطرق الى الإشكالات المتعلقة بمنازعات التحصيل أحاط من خلالها المتدخلان زوار المعرض بالدور الرقابي للقضاء على الإدارة عند مباشرتها لإجراءات التحصيل، كما قدم المتدخلان شروحات مستفيضة حول خصوصيات المسطرة عند البت في منازعة المقاولات التي تخضع للتسوية أو التصفية القضائية، عندما تواجه باجراءات تحصيل ضريبة أو رسم ومدى مساهمة القضاء الإداري في الحفاظ على المقاولة نظرًا لأهميتها من الناحية الاقتصادية والاجتماعية. وبخصوص قضايا نزع الملكية فقد عمل المتدخلان على إبراز دور القضاة في التوفيق بين حق الملكية في بعده الإنساني والدستوري
والحقوقي وحق الإدارة في الحصول على الأملاك وذلك قصد تحقيق مهامها، وإشباع حاجات الأفراد والمصالح العليا للدولة، وإبرازالدور الرقابي للقضاة على الإدارة في تقيدها بمعيار النفع العام لنزع الأملاك من أصحابها.
***
4 أسئلة لمحمد العلمي الإدريسي المشيشي
*تكمن أهمية دسترة حقوق الإنسان في إلزام جميع سلطات الدولة وهيئاتها على احترام حقوق الإنسان
على هامش استضافة محمد الإدريسي العلمي المشيشي، وزير العدل سابقا وخبير في القانون، في لقاء نظمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان حول القانون الجنائي والسياسة الجنائية وكذا تخصيصه وتكريمه بهذه المناسبة، تم إجراء حوار معه تمحور حول القانون الجنائي وعلاقته بحقوق الإنسان. يأتي هذا اللقاء في إطارمشاركة المجلس في فعاليات معرض الكتاب والنشر بالدار البيضاء والتي خصصها المجلس هذه السنة لتخليد الذكرى الثلاثين لتأسيسه تحت شعار»1990-2020: مسار متواصل لفعلية الحقوق».
-1السيد المشيشي ما رأيكم في تطور القانون الجنائي في المغرب من صيغته القديمة إلى مشروع القانون الجديد؟
هذا التطور في مجمله وفي خطوطه العريضة إيجابي. ربما كان هذا التطور جزئيا لكنه يبقى إيجابيا على وجه العموم. فدسترة حقوق الإنسان سوف تنعكس عليه حتما. الوثيقة الدستورية نصت على مجموعة من المبادئ نذكر منها البراءة الأصلية ومبدأ عدم رجعية القوانين، وهو المبدأ الذي كان موجودا دون أن يكون مدسترا.
قبل اختيار أي إصلاح أو حل أو قاعدة جديدة لا بد من التريث ودراسة الموضوع بهدوء وبموضوعية وتحليل الأسباب الداعية له أو المبررة له وكذلك الانعكاسات التي يمكن أن تنتج عنه سواء على الإنسان كشخص أو على أسرته أو على المجتمع بأكمله.
-2 كيف يمكن بناء سياسة جنائية مستجيبة لمعايير حقوق الإنسان؟
إذا انطلقت السياسة الجنائية، في مختلف القواعد التي تنتجها وتنبثق منها، من كون هدفها وموضوعها الجوهري هي حماية حقوق الإنسان من مختلف الاعتداءات والانتهاكات التي قد يتم اقترافها من أي جهة كانت. وإذا أخذنا بعين الاعتبار كون حقوق الإنسان هي غايتها وفي نفس الوقت موضوعها ومحل نطاق تطبيقها، والغاية التي تتوخاها من الجزاء، أي فيما تقتضيه العقوبة ضد تلك الأفعال الجرمية.
-3ما مدى ترجمة التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان في السياسة الجنائية؟
تكمن أهمية دسترة حقوق الإنسان في إلزام جميع سلطات الدولة وهيئاتها على احترام حقوق الإنسان. فالدسترة ضمانة لسن تشريعات تتلاءم مع حقوق الإنسان. وإذا حدث وأن صدر تشريع مخالف لحقوق الإنسان فالمخرج أعطاه الدستور ذاته، وذلك بإحداث محكمة دستورية وإقرار الحق في الدفع استثناء بعدم دستورية القوانين، ذلك أن مراقبة دستورية القوانين لم تعد مقتصرة على الدولة، بل أصبح من حق المتقاضين أن يثيروا الدفع بعدم دستورية القانون الذي سيطبق عليهم.
-4يحتفل المجلس هذه السنة بالذكرى الثلاثين لتأسيسه، هل من كلمة في حق هذا المسار وهذه التجربة؟
المجلس من المؤسسات النادرة التي طبعت المغرب في فترة وجيزة. فالمجلس طبع حقا مسار المغرب ورفع قيمته على المستوى الدولي. وقد أصبح من المعروف الآن أن عددا من الدول تقتبس من تجربة المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وإذا كانت هذه الدول تعترف بقيمة هذا المسار، أيكون من الوارد أن لا تكون له قيمة عندنا؟ لا يمكن حتى ولو أردنا ذلك. فعطاؤه في المجال القانوني يفرض نفسه، يكفي أن نذكر الدور الذي لعبه في بداية التسعينات، مباشرة بعد تأسيسه، من أجل التراجع عن الإجراءات الانتقالية التي أُدخلت على قانون المسطرة الجنائية سنة 1974 والتي فتحت المجال أمام كثير من التعسف ضد المتقاضين في القضايا الجنائية، ناهيك أنه كان وراء عدد كبير من الإصلاحات في عدد من المجالات.
* وزير العدل سابقا وخبير في القانون، حول القانون الجنائي