دعا الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، الذي يضم 20 منظمة وهيئة حقوقية، خلال لقائه باللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، إلى القيام بجرد الإمكانيات والثروات التي يتوفر عليها المغرب ولائحة بالمالكين لها والكشف عن كيفية استغلالها، مؤكدا على أن بناء نموذج تنموي جديد ينبغي أن يتأسس على احترام القيم الحقوقية الكونية، والقطع مع اقتصاد الريع والفساد وسيادة منطق التعليمات واحتقار سيادة القانون.
وأوضحت خديجة الرياضي، في ندوة صحفية نظمها الائتلاف أول أمس الأربعاء، بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، خصصها للكشف عن مضامين مذكرته التي قدمها أمام اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، أن الائتلاف حرص على التأكيد على السياق الذي يتم فيه إجراء المشاورات بشان وضع نموذج تنموي بديل، والذي يطبعه تراجع كبير على مستوى حقوق الإنسان، حيث لم يتم الامتثال لوثيقة دستور 2011، التي وصفت عند صدورها بالصك الحقوقي، كما لم يتم التقيد والالتزام بالتنفيذ الدقيق لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة”.
واعتبرت الرياضي أن المدخل الأساسي لنموذج تنموي جديد، يقتضي، بحسب الائتلاف، توفر إرادة سياسية للدولة تقطع مع اختلالات الماضي وما يعتمل في الحاضر، للقضاء على مختلف المعيقات الحقيقة لمسار التنمية، مشيرة إلى أن الائتلاف دعا اللجنة إلى الوقوف على معطى تحكم عدد قليل من الأشخاص والعائلات المغربية في معظم المؤسسات والمقاولات التي تشكل عصب الاقتصاد المغربي، باعتبار ذلك معيقا أساسيا لأي نموذج تنموي ناجح.
وبقدر ما أبدى الائتلاف نوعا من الارتياح حيال استقبالها من طرف اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، بقدر ما اعتبر أن تشكيل هذه الأخيرة وإطلاق نقاش تشاوري حول مستقبل البلاد، تكون محصلته وضع تعاقد اجتماعي جديد، كان ينبغي أن يسبقه تأكيد الدولة على إرادتها السياسية الفعلية، وذلك عبر اتخاذ تدابير آنية ومستعجلة من ضمنها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعرض ملفات النهب وسوء التدبير على القضاء، ورفع كل أشكال التضييق على المجتمع المدني وفتح التحقيق في كل القضايا الحقوقية بما فيها الشكايات المرفوعة ضد المسؤولين الأمنيين.
ولفتت خديجة الرياضي على أن الحديث عن النموذج التنموي البديل، لا ينحصر في الاقتصاد، قائلة “إن التنمية عملية متكاملة ومعقدة ومتعددة المناحي، فهي اقتصادية بالتأكيد لكنها مرتبطة بالوعي بالتنمية الاجتماعية والثقافية والمناخ السياسي بالأساس، الذي تجسده الأنظمة القانونية المهيكلة للحياة العامة والمؤسسات السياسية”، مشددة على أي حديث جدي ومسؤول وذي مصداقية عن نموذج تنموي بديل لا يمكن إلا عبر حصول تحولات عميقة في البنيات والمؤسسات والعقليات،وإعادة بناء جسر من الثقة بين الدولة من جهة و المواطن من جهة أخرى.
من جانبه، أوضح محمد العوني رئيس منظمة حرية الإعلام والتعبير أن لقاء الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان باللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، تميز بالإيجابية، خاصة وأن اللجنة عمدت على نقل اللقاء بشكل مباشر على موقعها بمنصات التواصل الاجتماعي، معبرا عن الأمل في أن يكون هذا النهج إرهاصا لتغيير تعامل السلطات حيال عدد من مكونات الائتلاف، التي لازال بعضها يتعرض بعضها للتضييق، حيث لا تتوفر على وصلات الإيداع أو يتم منعها من إقامة تظاهرات لها بقاعات عمومية.
وحمل العوني للجنة المسؤولية في نقل أراء مختلف الفاعلين في الوثيقة التي ستعدها حول النموذج التنموي، معتبرين أن الأمر يتعلق بفرصة لفتح باب الأمل، وعلى اللجنة أن لا تضيعها، بحيث ينبغي أن يكون نتاجها يضع مسارا محددا لمجمل القضايا الأساسية، الذي يؤسس للنموذج التنموي الناجح الذي ينبني أساسا، ووفقا للمرجعية الكونية، ليس فقط على حقوق الإنسان بل على الترابط الوثيق بين التنمية والديمقراطية.
من جانبه، أوضح النقيب عبد الرحيم الجامعي، أن اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي مطالبة بوضع وثيقة تؤسس لنموذج تعاقدي جديد، قائلا في هذا الصدد إن الأمر يتعلق بوثيقة تاريخية وعليها أن تشمل ثلاث مستويات سياسية، مؤسساتية واجتماعية .
وأبرز أن الائتلاف الحقوقي يعتبر أن لا تنمية بدون حقوق الإنسان كما هي ثابتة في إعلان الأمم المتحدة المتعلق بالتنمية لسنة 1986، لافتا إلى أن الائتلاف” له رؤية دقيقة تعكس العلاقة الجدلية بين القانون الدولي الإنساني والتنمية و”على الدولة أن تفهم هذا الكلام ،فهي تواجه اليوم تحدي كبير”، وعليها أن تبني نموذجا تنمويا متكاملا، لا يقطع فقط مع الفقر بل يقطع مع انتهاك القانون، وانتهاك الأمن القضائي والأمن الإنساني، وما يترتب عن ذلك من انتهاكات أخرى.”
وأفاد موضحا بشأن لقاء الائتلاف مع اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، على أن المذكرة قدمها الائتلاف الحقوقي بكل مكوناته، حيث كانت محط إجماع من طرف جميع الهيئات والمنظمات الحقوقية المنضوية تحت لواء الائتلاف، ولم تكن هناك أي منظمة من المنظمات خارج ما تتضمنه المذكرة”.
وأعلن النقيب الجامعي، في ذات السياق، على أن الائتلاف سيعمل على إعداد وثيقة إضافية يلحقها بالمذكرة التي قدمها للجنة خلال لقائه بها، والتي شملت شروط الأمن السياسي والاقتصادي التي تعزز مكانة المواطن وتعزز مكانة المغرب، بحيث من المقرر أن تتمحور الوثيقة الإضافية حول الحكامة الأمنية بالتفصيل في دور المؤسسات الأمنية ودور الثروة التي ينبغي البحث في كيفية استثمارها ومآلها، فضلا عن استقلال العدالة والقضاء الذي سيتم فيه التفصيل بشكل أكثر، بحيث يتم الوقوف على مدى تنفيذ خلاصات إصلاح منظومة العدالة “.
> فنن العفاني