عيد الأضحى بين الإلغاء والاحتفال..

   * مقاربة اجتماعية نفسية اقتصادية

لاشك أن المجتمعات أصبحت تعاني حاليا من تداعيات سلوكيات فردانية ترجع أسبابها غالبا إلى الوضعية المادية والاقتصادية للأسر، ومظاهر ذلك في مساحة السكن وغلاء المعيشة ومحاولة التقوت وتلبية الحاجيات الأساسية، وفي غياب أي حس اجتماعي وتضامني بدأت تقل مظاهر التعاطف والتكافل وتترك الأسرة ممتدة المجال للأسرة النووية، وقد أدى هذا الوضع بالعديد من الدول إلى السعي إلى الإبقاء على الروابط الاجتماعية عبر برامج اجتماعية تشرف عليها جهات مختصة  ومعاهد وكليات وفعاليات جمعوية مهتمة. وفي المجتمعات العربية لازالت أسر وتجمعات تحتفظ بعدد من القيم التضامنية مما خفف من ضرر الفردانية وسلوكات التمركز حول الذات والأسر، ومن ذلك العمل الجماعي من غرس وحصاد وبناء البيوت والمرافق الروحية والاجتماعية والزواج الجماعي والإعدار والمواسم والأسواق والحمامات الشعبية والمساجد والأعراس والولائم والمآتم..، حيث التبادل والتواصل التلقائي الأقل كلفة وتكلفا.
وسأحاول أن أتطرق للاحتفال بعيد الأضحى وفق مقاربة اجتماعية ونفسية واقتصادية وليست دينية.
هناك رأيان حول أضحية العيد، فمنهم من يطالب بإلغاء هذه الشعيرة ومنهم من يلح على إجرائها. ففي الرأي الأول، هناك من يرجع ذلك إلى الوضعية المتأزمة التي تعيشها العديد من الأسر في إطار تداعيات وباء كورونا وأثره على العديد من الأسر التي افتقدت المعيل بعد انقاطعه أو طرده من الشغل او تراجع نشاطه الحرفي والتجاري المؤقت، واحتفال الطبقة ذات الدخل المتوسط والمرتفع سيؤثر على الحالة النفسية للمتضررين الذين ليست لهم إمكانيات لاقتناء الأضحية، وهو ما سيمثل  استفزازا لمشاعرهم ومشاعر أبنائهم وذويهم، وهناك حالة تقشف يجب أن يتحمل ضريبتها الجميع، وعليهم أن يرضخوا لها. من الناحية المادية الظاهرة  فإن ذلك يبدو الأسلم، رغم حالات الانفعال التي ستزيد الوضع تأزما في ظل أجواء نفسية واجتماعية خانقة محتقنة وضامرة  متوارية تظهر وتترآى آثارها في العنف الأسري على الشريكة والشريك والأطفال والاقارب، وتتجلى في سلوكات أخرى من اكتئاب وانغلاق وربما انتحار وارتفاع تعاطي الكحول والمخدرات والمهلوسات. فهل هذا الرأي أقل تكلفة وضررا، أم هناك الرأي الآخر الذي قد يأتي بمبررات مختلفة تتموقع في الدفاع عن الإبقاء على هذا النسك؟
يعتبر الرأي الذي يريد الإبقاء على إجراء هذه الشعيرة، أنها فرصة ومتنفس للعديد من الأسر للخروج من الحالة النفسية التي أفرزها الحجر الصحي والإبقاء على أملهم وعلى بناء فرحة انتظار للحظة العيد، وهو ما سيقلل العديد من التوترات الداخلية والانفعالات السلبية بسبب العمل على الإعداد لمشروع ذبح الأضحية وتبعاته الأخرى وملحقاته.. أن ينتظر أفراد الأسرة ذاك اليوم الذي هو فرصة لإشباع نفسي ومادي من مادة تكون سائر السنة غائبة عن موائدهم بمختلف الاستعمالات من طبخ وشواء وقديد وتبخير وادخار وتهادي وتصدق..، وفي هذه المناسبة قد تكسب الدولة نقاطا كدولة اجتماعية راعية بعد أدائها المقبول نسبيا في ظل هذه الجائحة، وما عليها إلا أن تخرج إلى حيز الوجود مداخيل صندوق كورونا دعما للكسابين حتى يتم تحديد ثمن الأضاحي وفق اتفاق بين الدولة ومن يمثل الكسابين، وكذلك تعويض ثمن أو جزء من الأضحية للأسر المتضررة، مما يؤدي إلى بناء علاقة جديدة بين المواطنين في وضعية صعبة والدولة، وقد يساهم في خفض أو التقليل من التمثلات السلبية للمواطن المحتاج عن دولة “تقمع المواطن وتأكل حقه وتتلذ بتفقيره وتجويعه”، كما سينعش الوضع الاقتصادي والرواج التجاري المتعلق بالصناعة والتجارات المترتبة عن أضحية العيد،  بيع الأواني الخزفية والمعدنية والبلاستيكية والتوابل والفواكه الجافة (البرقوق المشمش واللوز) والخضر والفواكه بدرجة أكبر والفحم والسكاكين وكلا الماشية وجامعي فروة الخراف “الهيدورة” والدباغة والأدوات الموسيقية الشعبية (التعريجة والبندير والهجوج..) وأصحاب الألعاب الشعبية (النواعير والأراجيح…) كما أن ذلك سيشجع على الاقتصاد التضامني أو الاقتصاد الاجتماعي الذي يعمل فيه شباب متحمسون يأملون في دخل شريف وعيش كريم بدل أن يكونوا قطاع طرق وأعضاء فرق “التشرميل” ومافيا المخدرات، كما يعتبر العيد مناسبة لعمليات تضامنية تقوم بها جمعيات ومحسنون وخواص ومقاولات بتوزيع اضاحي العيد أو ثمن شرائها على المستخدمين والفقراء، وهذا مدعاة لتكريس قيم التضامن وتقوية الروابط الاجتماعية وتحفيز المستخدمين ورفع مردوديتهم ودرجة تعلقهم بالجهة المشغلة والتقليل من سلوكات الغش والتهاون وإتلاف المنتوجات والكسل والتثاقل عن أداء المهام الموكلة لهم.
فأية وجهة نظر ستكون هي الصحيحة وتساعد على تخفيف التوتر والمحافظة على سلم اجتماعي هش أصلا؟

> بقلم: عبد الله سليكي

Related posts

Top