يلف الغموض لبنان غداة اعتذار رئيس الوزراء المكلف مصطفى أديب عن مهمة تشكيل حكومة جديدة في ظل خلافات الفرقاء على الحقائب الوزارية، وذلك رغم الضغوط الدولية.
ويؤشر اعتذار أديب إلى احتمال فشل المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عقب الانفجار المأسوي الذي وقع في الرابع من غشت في مرفأ بيروت، وأدى إلى سقوط أكثر من 190 قتيلا وآلاف الجرحى، وألحق دمارا هائلا في مناطق كاملة من العاصمة اللبنانية.
ومن المقرر أن يعقد الرئيس الفرنسي مؤتمرا صحافيا مساء الأحد، يتناول الوضع في لبنان.
وكان ماكرون قد أعلن في ختام زيارته لبيروت مطلع الشهر الحالي التزام القوى السياسية تأليف “حكومة بمهمة محددة” تتولى إصلاحات أساسية واستعادة ثقة الشارع في مهلة أسبوعين. لكن هذه المهلة انقضت من دون أن تتشكل الحكومة الجديدة.
من جانبه، قال مصطفى أديب السبت “مع وصول الجهود لتشكيل الحكومة إلى مراحله الأخيرة، تبين لي بأن هذا التوافق الذي على أساسه قبلت هذه المهمة الوطنية (…) لم يعد قائما”.
ووفقا للدستور، يتعين على رئيس الجمهورية إجراء مشاورات برلمانية ملزمة جديدة، لتكليف رئيس وزراء جديد من أجل تشكيل الحكومة.
لكن هذه العملية مهددة مرة أخرى بالتأجيل والتأخير وربما الفشل مجددا.
وقال مدير المركز اللبناني للدراسات السياسية سامي عطا الله لوكالة فرانس برس “لا أتوقع حكومة في أي وقت قريب”.
وأضاف “كانت هناك فرصة وضغط كبير من أجل تشكيل الحكومة لكن ذلك لم يحدث (…) ما يعني أن المشكلة أكبر” من الاعتبارات المحلية، في إشارة إلى انعكاسات الصراعات الإقليمية، لا سيما بين الولايات المتحدة وإيران، على الملف اللبناني.
ومنذ تكليف أديب بتشكيل الحكومة في 31 غشت، سعى إلى تشكيل حكومة اختصاصيين قادرة على إقرار الإصلاحات الضرورية.
واصطدمت جهوده خصوصا بإصرار الثنائي الشيعي ممثلا بحزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في البلاد، وحليفته حركة أمل بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، على تسمية وزرائهما والتمس ك بحقيبة المال.
وأعطى اعتذار مصطفى أديب عن مهمة تشكيل الحكومة بعد أقل من شهر على تكليفه، شعورا بالعودة إلى المربع الأول في ظل غموض تام يلف المشهد اللبناني.
وعنونت صحيفة “لوريان لوجور” الناطقة باللغة الفرنسية، “صفحة مصطفى أديب ط ويت.. والآن؟”، واصفة العجز عن تشكيل الحكومة بأنه “قفزة نحو المجهول”.
وتناولت الصحف اليومية الأحد مسألة اعتذار أديب، وعنونت جريدة النهار اللبنانية “تداعيات خطيرة للاعتذار والأنظار إلى ماكرون”.
وتتزايد المخاوف من تدهور الأوضاع في البلاد التي تشهد أخطر أزمة اقتصادية وسياسية منذ ثلاثين عاما، وسط تدهور في قيمة العملة الوطنية على خلفية تجاذبات سياسية ونقمة شعبية غير مسبوقة.
وتتصاعد المخاوف الأمنية أيضا بعد مقتل عسكريين لبنانيين ليل السبت الأحد على يد “إرهابيين” في بلدة في شمال البلاد، كما أعلن الجيش اللبناني في بيان، فيما أفاد مصدر أمني وكالة فرانس برس الأحد أن تسعة مسلحين على الأقل يشتبه بانتمائهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية قتلوا في الشمال بعد عملية مطاردة قامت بها القوى الأمنية.
كان لبنان أطلق محادثات مع صندوق النقد الدولي بعدما تخلف في مارس عن دفع ديونه، لكنها سرعان ما تعثرت.
وترى مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط مهى يحيى أنه في ظل غياب حكومة جديدة في المدى القريب، يترك لبنان بحكومة أشبه بـ”بطة عرجاء” لتصريف الأعمال في البلاد، مضيفة أن “المؤسسات العاملة ضمنها عاجزة عن اتخاذ أي قرارات وهي بالتأكيد لا تستطيع التفاوض مع صندوق النقد الدولي على خطة إنعاش اقتصادي”.
من جانبه، تساءل المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيتش، في تغريدة عبر تويتر، “أيها السياسيون (اللبنانيون)، هل أفسدتم حق ا هذه الفرصة الاستثنائية التي أوجدتها فرنسا؟”.
وأضاف “متى ستتوقفون أخيرا عن ألعابكم المعتادة، والاستماع إلى صرخات واحتياجات الناس”.
وحذر الرئيس ميشال عون من أن البلاد تتجه نحو “جهنم” في حال عدم توافق القوى السياسية على تشكيل حكومة.
وقال كريم بيطار، الخبير السياسي في شؤون الشرق الأوسط “إذا لم نذهب إلى جهنم، فقد نشهد تزايدا للعنف، وإضعافا للمؤسسات العامة، وتفاقما للأزمة الاقتصادية (..) وموجة جديدة من الهجرة”.
< أ.ف.ب