في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء يجيب المندوب السامي للتخطيط، أحمد علمي لحليمي،
على خمسة أسئلة بمناسبة اليوم العالمي للإحصاء- 2020 .
ما هي المتطلبات الأساسية للحصول على بيانات إحصائية موثوقة ؟
إحصاء جيد هو، في المقام الاول، توفر إحصائيين جيدين، لهم تكوين جيد، ومتحمسين وحريصين على استقلاليتهم ومتقيدين بمعايير مؤسسات الأمم المتحدة، على غرار اللجنة الإحصائية للأمم المتحدة.
هي أيضا إحصائية، لا يتم التعامل معها فقط، بل إنها تعتبر أساسية بالنسبة لمعلومة موثوقة في خدمة الوطن ومؤسساته ومواطنيه، وبالتالي تمكنه من الموارد الأساسية لبرامجه ولتطوير قدراته المهنية والتكنولوجية.
الإحصاء الجيد يبقى مكلفا، بحيث يستلزم إجراء تحقيقات دائمة ودورية لكنها منتظمة، ينجزها إحصائيون يخضعون لتكوينات مستمرة لتدقيق المفاهيم، وإثراء المنهجيات، وتحديث التكنولوجيات، كل ذلك يسير جنبا الى جنب، مع التقدم المحرز في البحث العلمي والاستعمال المتزايد لتكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي.
من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن الإحصاء الرسمي يتم اليوم في سياق تعتبر فيه سوق المعلومة، سوقا حيث المبادرة حرة بدون أي التزام بأن تكون مرفقة بتوضيحات بخصوص بناء مكوناتها .
وغالبا ما يتم إغراق هذه السوق بالمؤشرات الإحصائية التي لا نعرف بياناتها الفوقية، ولا أساليب استغلالها للحكم على مستوى دقتها العلمية وحقيقة الغرض منها. وبالتالي فإن الإحصاءات الرسمية تتم في سوق تنافسية بحيث يكون هدف المنافسين، عادة، غير بريئ من أن تكون له أغراض تجارية أو إيديولوجية أو حتى هدامة .
ما هي التحديات الرئيسية لنظام الإنتاج الإحصائي بالمغرب؟
سأستهل جوابي بمؤهل مهم، والمتمثل في الاستقلال المؤسساتي للإحصاء في بلدنا. هذا المعطى يجعلها بمنأى عن أي تبعية غير الجانب العلمي الذي يتحمل فيه الأحصائيون المسؤولية بالدرجة الاولى، ويحميهم عند ممارسة مهنتهم من أي خطر للتحكم الايديولوجي أو السياسي أو أي وصاية إدارية تفرغ عملهم من محتواه.
إنه مؤهل مهم للمؤسسة، تم اكتسابه بفضل الضمانة التي توفرها لمصداقيتها، المؤسسة الملكية، التي تندرج رؤيتها ، بالنظر إلى الطبيعة التاريخية والدستورية والروحية لسلطتها، في إطار من السيرورة التاريخية التي تتجاوز الاعتبارات الايديولوجية والظرفيات السياسية والمصالح الفئوية .
إنها في الواقع الضمانة الممنوحة لاستدامة حق المواطنين في الحصول على المعلومة، بشكل يسمو بالإحصاء إلى مقام خدمة عمومية، يحق للجميع الولوج لها والاستفادة منها ، وذلك في الوقت الذي يتعين فيه على الدولة تخصيص الموارد اللازمة لتحسين جودته باستمرار . ومادام أنه رهن إشارة المواطن، يبقى الإحصاء الجيد، في نهاية المطاف، ضرورة أساسية للديمقراطية.
كما أن البلدان التي يكون فيها الإحصاء تحت وصاية السلطة، هي دائما دول ذات نظام شمولي، فضلا عن أن الدول التي تقدم حكوماتها نفسها على أنها ديمقراطية وتسعى إلى فرض وصاية على الاحصاء، يتعين التشكيك في ميولوتها غير الديمقراطية. في المغرب يواجه الإحصاء العديد من التحديات يتعين رفعها. وسأتطرق فقط للتحدي الرئيسي، الذي يتعلق بضرورة إرساء البناء التشريعي والتنظيمي في أسرع وقت ممكن من أجل توفير المقومات اللازمة لنظام وطني حقيقي للمعلومات الإحصائية ، حيث يتم التعامل مع جميع مصادر المعلومات، كيفما كانت طبيعتها (حكومية أو شبه عمومية أو خاصة) وفقا لنفس المعايير العلمية المتاحة بكل شفافية للجمهور، وبشكل تلقائي على وجه الخصوص، تحت تصرف المؤسسة المركزية المسؤولة عن الإحصاءات الرسمية، على غرار المندوبية السامة للتخطيط”.
وشدد على أنه من الضروري في الوقت الراهن أن تتمتع هذه المؤسسة بإمكانية الولوج إلى كافة مصادر المعلومات في جميع أنشطة المؤسسات العمومية و شبه العمومية أو الخاصة، وفقا للمعايير العلمية المطلوبة ، مذكرا في هذا الصدد بالرسالة السامية التي وجهها جلالة الملك محمد السادس في 20 أكتوبر 2010 للمشاركين في الندوة الدولية المنعقدة احتفاء باليوم العالمي للإحصاء . وبهذه المناسبة، دعا جلالة الملك الإدارات والمقاولات والمنظمات المهنية، وجمعيات المجتمع المدني في كل القطاعات، لتكثيف التنسيق والتعاون مع الهيئات الرسمية للإحصاء، وجعله تعاونا مؤسسيا .
وفي الوقت الذي سيصدر فيه قانون يكرس هذه التوجيهات الملكية السامية، سيكون لدينا، إذاك، القليل من التحديات والعديد من المؤهلات.
ماذا عن فترة الحجر التي فرضتها أزمة كوفيد -19؟
في مثل هذه الحالات غير المتوقعة والتي يمكن حدوثها. كيف يمكن للمواطنين والحكومة والرأي العام وشركائنا الذين نتعاون معهم على المستوى الدولي والمؤسسات الدولية التي نحن أعضاء فيها، معرفة تداعيات مثل هذا الوضع على بلدنا؟
بطبيعة الحال، عبر إحصاء توفرت له الإمكانيات وقادر على التكيف على صعيد اكتساب التقنيات والموارد.
وقد تمكنت المندوبية السامية للتخطيط من التكيف مع هذا الواقع الجديد وذلك من خلال اللجوء بشكل خاص إلى استخدام الهاتف لإجراء البحث حول الأسر والمقاولات ، وتمكننا من الاستمرار في إنجاز جميع الإحصائيات الدورية والموسمية والسنوية.
كما واصل الاحصائيون إنجاز أعمالهم في الميدان ، مع الامتثال الصارم للتدابير الوقائية لتفادي الإصابة بوباء “كوفيد -19” (التباعد، ووضع الكمامة، وغيرها).
وقد تمكنا من إنجاز كل هذا العمل بفضل ضبطنا لعدد من النماذج الوطنية والدولية. ولقد تمكنا ليس فقط من تسليط الضوء على الوضع في المستقبل من خلال لفت الانتباه للآثار المترتبة عن تطور هذا الوباء، ولكن أيضا وضع توقعات وفي أحيان أخرى تقديم مقترحات.
وفي الواقع، كنا أول من أثار الانتباه إلى خطورة تطور الوضع الوبائي، وإلى حقيقة كون مكافحة “كوفيد -19” هي أيضا واجب فردي لكل مواطن.
إننا على قناعة باهتمام المسؤولين بالحفاظ على نظامنا الصحي والاستشفائي لمواجهة الوضع، لكن ذلك لن يتحقق ما لم يقم المواطنون من جانبهم بما يلزم لتحقيق ذلك .
وفي النهاية، فإن كل مواطن مسؤول عن استدامة نظامنا الصحي والاستشفائي وعلى صموده . كما أن كل مواطن مسؤول عن اقتصاد البلاد.
إلى أي حد يمكن أن تساهم البيانات الإحصائية الرسمية في اتخاذ القرار ؟
إنها الحالة بالضبط التي تحتاج فيها الدولة إلى إحصاءات لرصد حالة استثنائية، وغير متوقعة بشكل خاص، وذلك من خلال اعطاء صورة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبلاد وتطوره ، وذلك بشكل دقيق ومنتظم ، واستنادا إلى معطيات علمية.
وخلافا لمفهومها الأصلي، بأن الإحصائيات ليست ثابتة. فالإحصاء يرصد الوضع في وقت معين، ولكن من خلال مراكمة هذه الأوقات يتبين أن ذلك يمنح أيضا تاريخ التطور، وبالتالي يمكن الانفتاح عن طريق النماذج الماكرو ، والميكرو اقتصادية على المستقبل، واستشرافه.
وعليه، فإن الإحصائيات توجه ضمنيا إلى اتخاذ إجراءات في هذا المجال أو ذاك، وفي بعض الأحيان، كما فعلنا، يتم الذهاب أبعد من ذلك، واقتراح بعض الحلول، ليس لأنها الأفضل أو لأننا نؤمن بها، ولكن لإطلاع صناع القرار على السبل الممكنة. فالإحصائي لا يقرر ولكن يقدم المعلومة.
كلمة حول اليوم العالمي للإحصاء
إنه يوم الإحصائيين، لهم الحق في التكريم وألا يتم التشكيك في الأعمال التي ينجزونها، لأن هذه الأعمال ينظر لها من قبل جميع المؤسسات الدولية على أنها “جادة”.
لا ينبغي، لأسباب سياسية، التشكيك في أي لحظة بالإحصائيات، علينا أن نثق في الإحصاء. إنه عنصر مهم لتتمكن جميع المؤسسات الدستورية من الاضطلاع بدورها.
*المندوب السامي للتخطيط، أحمد علمي لحليمي