تتزايد عمليات التنبيه لللدعوات الإرهابية لتنظيم داعش التي تحث عناصرها وذئابها المنفردة على شن هجمات إرهابية في أوروبا، خلال أعياد السنة الميلادية.
وعادة ما يبث التنظيم الإرهابي مثل هذه الدعوات بهدف بث الحماس في نفوس عناصره، ولاسيما ما يعرف بـالذئاب المنفردة منهم وبخاصة في المجتمعات الغربية، إلا أن توقيت إصدار هذه التهديدات يختلف عن الأعوام السابقة بسب تنفيذ التنظيم لثلاث عمليات إرهابية استهدفت كلًّا من فرنسا والنمسا في أكتوبر ونونبر من هذا العام، وهو ما يعطي انطباعا بأن التنظيم عاد مرة أخرى إلى الاعتماد على ذئابه المنفردة في تنفيذ عمليات إرهابية.
وتأتي هذه التحذيرات بعدما أكدت تقارير استخباراتية صدرت في الأشهر الماضية أن التنظيم قادر على أن ينفذ عمليات إرهابية في أوروبا.
ورصدت هذه التقارير الإصدارات الداعشية وغيرها من الدعوات التحريضية التي تستهدف أوروبا بالأساس، ومما يؤكد تلك الفرضية نجاح السلطات الروسية في نونبر الماضي في إلقاء القبض على عناصر كانت تسعى إلى تنفيذ عمليات إرهابية في العاصمة موسكو وكشفت السلطات أن هذه العناصر عملت أيضًا على جمع الأموال وتجنيد أشخاص آخرين.
وسبق لتنظيم داعش أن نفذ عمليات إرهابية خلال أعياد الميلاد في أعوام سابقة، ففي دجنبر 2016 نفذ التنظيم هجوما إرهابيا استهدف به سوقا بالعاصمة الألمانية برلين، مما أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة 50 آخرين. كما تمكنت السلطات النمساوية في العام نفسه من إحباط هجوم إرهابي كان يعد له داعش عبر ثلاثة شبان تأثروا بأيديولوجيته، وكانوا يسعون إلى شن هجمات إرهابية على سوق في العاصمة فيينا.
كما أصدر التنظيم في عام 2017 ما عرف بـ”دليل الذئاب المنفردة”، وهو مكون من17 عنصرا يتحدث فيه عن كيفية عمل عناصره في أوروبا بهدف شن هجمات إرهابية مروعة خلال أعياد الميلاد.
ويحث داعش في الدليل المشار إليه عناصره على مهاجمة العائلات الآمنة ودور العبادة ووسائل المواصلات والمنشآت الحيوية.
ويتضمن الدليل الذي أصدره مسؤولو الإعلام في التنظيم الإرهابي تعليمات حول كيفية تصنيع مواد متفجرة.
وأصدر التنظيم أيضا سلسلة من الملصقات الخاصة بأعياد الميلاد والتي يتوعد فيها بشأن هجمات وأبرز مصمم تلك الملصقات فيها جملة حملت تهديداً ووعيداً يقول “قريباً في عيد الميلاد” وذلك بعد أيام من نشر التنظيم ملصقاً يظهر فيه رجلاً مقنعاً يحمل سلاحاً وهو على وشك أن يباغت سانتا كلوز في أحد شوارع العاصمة البريطانية لندن.
وفيما قلل خبراء وباحثون في شؤون الحركات الأصولية، وخبراء أمنيون من تهديدات داعش في أعياد الميلاد لهذا العام خاصة مع وجود إجراءات الحجر الصحي في إطار مكافحة تفشي فايروس كورونا، إلا أن تقضية المواطن الأوروبي ساعات طويلة على الإنترنت جراء إجراءات الإغلاق تحفز دعم الأفكار المتطرفة للتنظيم الإرهابي الذي يستثمر ساعات الإغلاق الطويلة في ترويج أيديولوجيته واستقطاب عناصر جديدة.
تطرف سيبراني
شكلت الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها كل من فرنسا والنمسا مؤخرا مؤشرا للشبكات الداعشية التي تنشط عبر الفضاء الإلكتروني والتي تُلهم الذئاب المنفردة الانخراط في أعمال العنف، كما اعتبرت دليلا على نجاح “خلافة داعش السيبرانية” على البقاء والتمدد في الفضاء الإلكتروني.
وخلال إحاطة افتراضية قدمها لمجلس الأمن بشأن أحدث تقرير عن تأثير داعش على السلام والأمن الدوليين، قال فلاديمير فورونكوف، مدير مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب إن أزمة فايروس كورونا العالمية أبرزت التحديات التي ينطوي عليها القضاء على الإرهاب.
وأضاف فورونكوف أن “التهديد الرئيسي في أوروبا يأتي من التطرف الإرهابي المحلي الناشئ عن الإنترنت”، رغم المساعي الحكومية لمحاصرة الدعاية الإرهابية.
وأوضحت وكالة تطبيق القانون الأوروبية (يوروبول) التي تتمثل مهمتها في حفظ الأمن عن طريق تقديم الدعم للدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي في مجالات مكافحة الجرائم الدولية الكبيرة والإرهاب، أنها عملت مع 9 من أكبر منصات الإنترنت للتصدي لعمليات الدعاية لتنظيم داعش، من بينها غوغل وتويتر وإنستغرام وتليغرام.
وذكرت يوروبول، على موقعها الإلكتروني أنها فحصت “فيديوهات دعائية وإصدارات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعم الإرهاب والتطرف العنيف”. وأضافت أن “تليغرام كان منصة الخدمة الإلكترونية” التي وجدت بها معظم المواد المخالفة للقوانين.
وحذر رئيس الهيئة الاتحادية لحماية الدستور في ألمانيا توماس هالدنفانغ من الاستهانة بتنظيم داعش مؤكدا أن “داعش لا يزال قائما بالنسبة إلى أوروبا، لاسيما بمفهوم وجود خلافة سيبرانية افتراضية تحرض على هجمات، ولا يزال بإمكانها السيطرة على أتباع لشن هجمات”.
وصنفت دراسة بعنوان “استراتيجيات وأيديولوجيات الجماعات الإرهابية في تجنيد الشباب عبر الإنترنت” استغلال داعش للإنترنت، حيث أكدت أن فيسبوك يساعد التنظيم في تجنيد الذئاب المنفردة بسهولة عبر استدراج الشباب وتجنيدهم بطريقة غير مباشرة، أما تويتر فيستخدم لنشر الأخبار الترويجية للأفكار المتطرفة وتليغرام للمساهمة في نشر أدبيات التنظيم وكتاباته وروابط تقاريره المصورة والمرئية لترويج نجاحه المزيف في ساحات القتال، في حين يستغل التنظيم قنوات يوتيوب لتمكين مشاركيه من تحميل الفيديوهات قبل الحذف.
وحلل مؤشر الفتوى العالمي عددا من القنوات والمواقع التابعة للتنظيمات الإرهابية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأوضح أن “تليغرام ما زال الوجهة التي يفضلها الإرهابيون للتواصل وتناقل الأخبار”، لافتا إلى “استحوذ تليغرام على 45 في المئة من قنوات وحسابات أعضاء التنظيمات الإرهابية، فيما جاءت برامج (اللايف شات) في المرتبة الثانية بنسبة 30 في المئة ، وتويتر ثالثاً بنسبة 15في المئة وفيسبوك بنسبة 10 في المئة”.
ويرى العديد من المسؤولين الأوروبيين أن الذئاب المنفردة تعتبر تهديدا أكبر من التنظيم نفسه، حيث يمكن لهؤلاء التصرف بمفردهم، خاصة وأنهم يتواصلون دائما عبر الإنترنت لساعدات عديدة لتجنيد شباب آخرين.
ويشير هؤلاء إلى أن الذئاب المنفردة تشجع على الخروج إلى الشوارع وذلك لعودة تنظيم الهجمات مرة أخرى، بعد قضاء فترة طويلة في المنزل، مستغلين فقدان الوظائف وانعدام الحماية التي قد يشعرون بها، إذ يكون الناس في أوقات الشدة أكثر قابلية للاستسلام وبالتالي يسهل إقناعهم.
وتقول كارولا غارثيا الباحثة في معهد إلكانو الملكى في إسبانيا “ما يثير المخاوف هو أن هذا الوقت مناسب للغاية لاستفادة التنظيمات الإرهابية من حالة الاكتئاب النفسي الذى ينتاب العديد بسبب فايروس كورونا، خاصة في ظل العزل الاجتماعي”.
ومع انخراط كبرى شركات التكنولوجيا في معاضدة المجهود الدولي لمحاصرة الدعاية الإرهابية و فقدان داعش للعديد من مواقع التواصل الاجتماعي التقليدية، طور التنظيم بالتوازي مع ذلك أساليبه وتوجه إلى الاعتماد على تطبيقات مشفرة يصعب تعقبها أو اختراقها.
نداء كرايستشيرش
ما زال ملف الإرهاب يشكل تهديدا كبيرا لدول الاتحاد الأوروبي، وهذا ما دفع دول الاتحاد إلى اتخاذ تدابير عدة وإجراءات بالتعاون مع منصات العالم الافتراضي، لإزالة المحتوى المتطرف، منها توسيع الطرق الخاصة التي تلجأ إليها الاستخبارات الأمنية في أوروبا، كالقرصنة على بعض المواقع، وتطوير حلول تكنولوجية جديدة تقوم بمنع تحميل ووضع هذا المحتوى على الإنترنت.
والتزم عشرة رؤساء دول وحكومات ومنظمات دولية، فضلًا عن مجموعة من الشخصيات الرائدة في المجال الرقمي باستهلال نشاط جماعي يرمي إلى حذف المحتويات الإرهابية والمتطرفة العنيفة من الإنترنت وإلى وضع حدّ نهائي لسوء استخدام الإرهابيين للإنترنت، وذلك عن طريق نداء كرايستشيرش، الذي أطلقت عليه هذه التسمية نسبة إلى مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية التي قضى فيها 51 شخصا إبّان الاعتداءين الإرهابيين اللذين جرى بثهما مباشرة على الإنترنت في 15 مارس 2019 ( مذبحة المسجدين).
ويمثّل نداء كرايستشيرش خطة عمل تُلزم الحكومات والمنظمات الدولية والجهات الفاعلة في مجال الإنترنت باتخاذ مجموعة من التدابير، تشمل على وجه الخصوص: استحداث أدوات لمنع تحميل محتويات إرهابية ومتطرفة عنيفة على الإنترنت ومكافحة الأسباب المؤدية إلى التطرف العنيف والنهوض بشفافية رصد المحتويات وإزالتها، إضافة إلى السهر على ألا تتسبب الخوارزميات التي تصممها وتستخدمها المنشآت، في توجيه المستخدمين إلى محتويات متطرفة عنيفة، وذلك بهدف الحد من انتشارها على نطاق واسع.
واعتمدت كل من فرنسا ونيوزيلندا وكندا وإيرلندا والنرويج والمملكة المتحدة والمفوضية الأوروبية، وكذلك شركات أمازون وفيسبوك وغوغل وميكروسوفت وكوانت وتويتر ويوتيوب ودايلي موشن هذا النداء، وحظي أيضًا بتأييد بلدان أخرى، منها أستراليا وألمانيا والهند واليابان وهولندا وإسبانيا والسويد.
وبالرغم من جهود الاتحاد الأوروبي في مكافحة الإرهاب والتطرف على الإنترنت ورغم التقنيات التكنولوجية المتطورة المستخدمة في حذف المحتوى المتطرف، طورت التنظيمات الإرهابية والجماعات المتطرفة تكتيكات وتقنيات جديدة للهروب من الرقابة.
واستفاد التنظيم الارهابي من تطبيق “BCM” الذي أصدره لمتابعيه ومناصريه، بهدف الترويج للأفكار والاستقطاب حيث أنشأ التنظيم قنوات وصفحات عبر هذا التطبيق الذي يتيح إمكانية جمع الأموال عبر عملة البتكوين الرقمية ويضمن التطبيق السرية التامة للمستخدمين ويضع الكثير من الاحتياطات أمام محاولات الاختراق المتوقع حدوثها من قِبل العديد من الأجهزة الأمنية، كما يؤمن لعناصر التنظيم التواصل الآمن وعدم القدرة على التتبع، إضافة إلى أن له القدرة على تخزين مقاطع الفيديو ونقل المعلومات المشفرة في أي مكان بالعالم. وتمكن داعش من إتاحته عبر متجر “غوغل بلاي” و”متجر آبل”.
وتعتبر تقنية “DEEP WEB” من أهم التقنيات التي تتيح للجماعات المتطرفة والإرهابية نشر مواد متطرفة يصعب تعقبها بسهولة وتتيح تصفح الشباب للمحتوى المتطرف بسهولة، ما يقوض جهود الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية في مكافحة الإرهاب والتطرف.
وتعكس سهولة الوصول والتصفح للمحتوى المتطرف قصور شركات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي في حذف المحتوى المتطرف، في وقت مازالت شركات مواقع التواصل الاجتماعي تفتقر إلى التفاصيل حول نوع المحتوى الذي تم إزالته وأساليب إزالته.
ومن شأن تزويد الحكومة بمحتوى المنشورات، وتحديد مواقعها الجغرافية، والإسنادات التي تعتمد عليها المرتبطة بالإرهاب أن يكون مفيدا من حيث التقييم الفعال لاتجاهات الدعاية، والجماعات الجديدة الناشئة، والداعين الرئيسيين للتطرف، ومصداقية المؤامرات المحتملة.
ويقول شيراز ماهر، زميل المركز الدولي لدراسات التطرف والعنف السياسي التابع لجامعة كينغز كوليدج في بريطانيا، إن “الحشد للإرهاب لا يزال يحدث في الحياة الحقيقية، ومن خلال علاقات حقيقية، لذا ينبغي للحكومة ألا تلقي اللوم كله على شركات التكنولوجيا وحدها”.
ويضيف ماهر أنه “ليس هناك علاج سهل لأن ما يمكن اعتباره مادة متطرفة يخضع لأحكام ذاتية”، مؤكدا أن الكثير من برمجيات الحذف ذاتية التشغيل تسببت في حذف الكثير من المحتوى المفيد.