أطلقت منظمة الصحة العالمية، يوم أمس الأربعاء، حملة عالمية لإقامة عالم يتمتع بأكبر قدر من العدالة الصحية، بعد أن كشفت أزمة كوفيد-19 عن مقدار ما تتسم به المجتمعات من بعد عن المساواة.
ويأتي إطلاق هذه الحملة بمناسبة إحياء “اليوم العالمي للصحة” الذي يصادف يوم 7 أبريل من كل سنة. ويؤرخ هذا اليوم للحظة الإعلان عن تأسيس منظمة الصحة العالمية (WHO) فى عام 1948، كواحدة من عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة، متخصصة في مجال الصحة. إذ تعتبر منظمة الصحة العالمية السلطة التوجيهية والتنسيقية ضمن منظومة الأمم المتحدة فيما يخص المجال الصحي. وهي مسؤولةٌ عن أداء دور قيادي في معالجة المسائل الصحية العالمية، وتصميم برنامج البحوث الصحية، ووضع القواعد والمعايير وتوضيح الخيارات السياسية المسندة بالبيانات، وتوفير الدعم التقني إلى البلدان، ورصد الاتجاهات الصحية وتقييمها.
وفي رسالة بمناسبة يوم الصحة العالمي لهذا العام (7 أبريل 2021)، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن “هذا اليوم يسلط الضوء على مظاهر انعدام المساواة والعدل التي تكتنف النظم الصحية”.
وتابع يقول: “لاحظنا داخل البلدان، أن معدلات المرض والوفاة الناجمين عن مرض كـوفيد-19 أعلى بين السكان والمجتمعات التي تكابد الفقر وظروف المعيشة والعمل غير المواتية والتمييز والاستبعاد الاجتماعي”.
استمرار جهود التوزيع العادل للقاحات
وفقا للأمين العام، وبفضل مبادرة مبادرة كوفاكس لإتاحة لقاحات كوفيد-19 على الصعيد العالمي، زاد عدد الدول التي بدأت تتلقى حاليا إمدادات من اللقاحات، “ولكن لا يزال يتعين على معظم سكان البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل الترقب والانتظار”.
وأشار إلى أنه على الصعيد العالمي، ظهر أن الغالبية القصوى من جرعات اللقاحات التي تعطى يستأثر بها عدد قليل من البلدان الغنية أو البلدان المنتجة للقاحات. وأضاف يقول: “هذه المظاهر من انعدام الإنصاف ليست أخلاقية، وتشكل خطرا على صحتنا واقتصاداتنا ومجتمعاتنا”.
ودعا الأمين العام إلى تنفيذ سياسات وتخصيص موارد حتى يتمكن الجميع من التمتع بنفس النتائج الصحية، وبالتالي تحقيق أهـداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030، وتوفير التغطية الصحية الشاملة حتى يتسنّى للجميع، في كل مكان، أن يحيوا حياة مزدهرة.
وقال في ختام رسالته: “فلنلتزم، في يوم الصحة العالمي هذا، بالعمل معا كي تعم الصحة والإنصاف هذا العالم”.
الاستثمار في الصحة كمحرك للتنمية
من جهته، دعا المدير العام لمنظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس أدهانوم دول العالم إلى الاستثمار في الصحة كمحرك للتنمية، وتعزيز الخدمات الصحية، وإزالة الحواجز التي تحول دون الوصول لتلك الخدمات، ليحظى المزيد من الناس بفرصة عيش حياة صحية .
وأشار إلى أنه تم ضخ 1% من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية، مما سيؤدي إلى زيادة متوسط العمر وانقاذ عشرات الملايين من المرضى.
ودعا أدهانوم في مؤتمر صحفي نظم أول أمس الثلاثاء بمناسبة إحياء اليوم العالمي للصحة إلى تسريع الوصول العادل للقاحات والأكسجين والعلاجات ومعدات الوقاية واختبارات التشخيص، وإتاحتها لكل من يحتاجها في جميع أنحاء العالم، ودعم مرفق كوفاكس ومسرع “اكت” كركيزة لنشر اللقاحات وهما بحاجة إلى 22.1 مليار دولار لتحقيق ذلك .
كما دعا الاستثمار في الرعاية الصحية الأولية، حيث لازال أكثر من نصف سكان العالم يفتقرون إلى الخدمات الصحية الأساسية .
وطالب أدهانوم بسد العجز العالمي البالغ 18 مليون عامل صحي مطلوب لتحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030، وخلق ما لا يقل عن 10 ملايين وظيفة إضافية بدوام كامل على مستوي العالم، وبناء أحياء ومدن آمنة وصحية، عبر تحسين أنظمة النقل ومرافق المياه والصرف الصحي .
وأشار إلى أن 80% من سكان العالم يعيشون في فقر مدقع في المناطق الريفية، يفتقرون إلى خدمات مياه الشرب والصرف الصحي الأساسية .
وحث على تعزيز نظم البيانات الصحية لتكون على مستوى عال من الجودة والمصنفة حسب معدلات التعليم والثروة والجنس والعرق ومكان الإقامة لمعرفة أماكن عدم المساواة ومعالجتها .
وأوضح أدهانوم أن المنظمة ستبدأ الأيام المقبلة حملة لحشد الموارد تحمل عنوان “احصل على لقاح وامنح لقاحا” وهي الحملة التي ستتيح لكل فرد أو مؤسسة المساهمة في توفير اللقاحات للجميع
ظروف معيشية جيدة لأجل صحة جيدة
وقد سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على تمتع بعض الناس بالصحة في حياتهم وحصولهم على الخدمات الصحية أكثر من غيرهم، لأسباب تعود كلها إلى الظروف التي يولدون ويكبرون ويعيشون ويعملون ويشيخون فيها.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، تكافح في جميع أنحاء العالم بعض الفئات من أجل تلبية احتياجاتها بالدخل اليومي القليل، وتعيش في أوضاع سكنية وتعليمية سيئة، وتحظى بفرص عمل أقل، وتعاني من قدر أكبر من عدم المساواة بين الجنسين، وتقل أو تنعدم فرص حصولها على البيئة الآمنة والمياه والهواء النظيفين والأمن الغذائي والخدمات صحية، مما يؤدي إلى معاناة لا داعي لها، والإصابة بأمراض يمكن تلافيها والوفاة المبكرة.
ودعت منظمة الصحة العالمية قادة الدول إلى ضمان تمتع كل شخص بظروف معيشية وظروف عمل مواتية للتمتع بالصحة الجيدة. وفي الوقت نفسه، رصد أوجه الإجحاف في الصحة، وضمان أن يتمكن جميع الناس من الحصول على خدمات صحية جيدة عندما وأينما يحتاجون إليها.
وأكدت المنظمة على ضرورة “العمل يداً بيد” مع المجتمعات والأفراد المتضررين لمعالجة الأسباب الجذرية للإجحافات وتنفيذ الحلول – داخل قطاع الصحة وخارجه – لمعالجتها. مؤكدة على أن النتائج تكون دوما أفضل حيثما تعمل الحكومات والمجتمعات المحلية معا باتباع نهج منسق.
وطالبت المنظمة كذلك بسن سياسات حكومية مندمجة من أجل التصدي للأسباب الجذرية للإجحافات وزيادة الاستثمار في الرعاية الصحية الأولية، كضرورة لمواجهة تحديات اليوم المتمثلة في ضمان الصحة للجميع وبناء القدرة على الصمود في الغد.
واعتبرت الهيئة الأممية أن ضمان جمع البيانات الصحية – المصنفة حسب نوع الجنس والعمر والدخل والتعليم والوضع المتعلق بالهجرة والإعاقة والموقع الجغرافي وسائر الخصائص ذات الصلة بالسياق الوطني – يمكن من تقييم أوجه الإجحاف بين المجموعات السكانية الفرعية واتخاذ الإجراءات ذات الأثر.
كما حثت على العمل على نحو يتجاوز الحدود الوطنية، مذكرة بأنه لا يمكن وضع حد لجائحة كوفيد-19 مثلا إلا من خلال التوصل إلى حماية جميع سكان العالم وإخضاعهم للاختبار وعلاجهم. لذا يتوجب، فضلا عن ضمان توفير إمدادات اللقاحات والاختبارات والعلاجات المنصفة، تعزيز الآليات الوطنية والدولية وبناء ثقة المجتمعات المحلية ومشاركتها في تقديمها والأخذ بها لضمان إتاحة هذه الخدمات للجميع على صعيد العالم.