نظم حزب التقدم والاشتراكية، يوم الأربعاء الماضي، ندوة تفاعلية حول موضوع “السياسة الثقافية: المنجزات والثغرات وشروط النهوض”، وذلك في إطار الإعداد لبرنامجه الانتخابي.
وقال الحسين الشعبي، الصحفي والفاعل الثقافي الذي أدار هذه الندوة، إن الهدف من هذا اللقاء هو تعميق النقاش حول المسألة الثقافية وموقعها في السياسات العمومية، مشددا على أهمية الموضوع، وفي الوقت ذاته على تعقيداته وتشعباته، والذي يتطلب في نظره، ضرورة تدخل كل الفاعلين والمسؤولين المؤسساتيين المعنيين بالقطاع.
وطرح الحسين الشعبي، مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالراهن الثقافي ببلادنا، سواء من حيث المنجزات والثغرات المرتبطة بها، أو من حيث التحديات التي يواجهها تدبير القطاع الثقافي ببلادنا، مبرزا العديد من الإشكالات المرتبطة بالقطاع، خاصة على مستوى السياسة العمومية التي تفتقر للبعد الاستراتيجي للمسألة الثقافية، ومشكلات الإنتاج الثقافي وآليات تسويقه وترويجه.
وذكر الحسين الشعبي، في هذا السياق، بضعف إقبال المقاولة المغربية على الاستثمار في المجال الفني، والفقر الملحوظ في الجانب التشريعي والقانوني والتنظيمي ومدى مراعاة خصوصية الثقافة والفنون والمهنيين المشتغلين بهما، ومسألة حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ومعضلة الحماية الاجتماعية للعامين في المجال الثقافي والفني، مشيرا إلى أن القطاع قد تأثر بشكل كبير بالتداعيات السلبية لوباء كورونا الذي أثر أيضا على تشجيع الصناعات الثقافية والإبداعية.
وفي معرض مداخلته، ذكر لطفي لمريني، الأستاذ الجامعي، والكاتب العام السابق لوزارة الثقافة، بأهم المنجزات التي شهدها القطاع، وفي مقدمتها الدستور الذي أقره المغاربة سنة 2011، والذي تضمن مقتضيات مهمة ومتقدمة في مجال الثقافة وحرية الإبداع، والتنوع اللغوي، وإضفاء الطابع الرسمي على الأمازيغية، وإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، بالإضافة إلى المكانة المهمة التي باتت تحتلها اللغات الأجنبية.
وبحسب لطفي لمريني، فإن الدستور المغربي يضمن تنوع وتعدد التعبيرات الفنية، كما يضمن حرية الإبداع إلى جانب عن حرية التعبير، مشيرا إلى أنه، على الرغم من التقدم الذي عرفه دستور المملكة، فإن سلوك المسؤولين، بصفة عامة، لم يتغير اتجاه الثقافة والإبداع، على الرغم من أن الدولة ملزمة بدعم الإنتاج الفني.
وأورد المتحدث أن الثقافة لها جانب أفقي بالنظر إلى تعدد المتدخلين، إلى جانب القطاع الوصي، كوزارة السياحة والصناعة التقليدية، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والمكتبة الوطنية، ومؤسسة أرشيف المغرب، والمكتب المغربي لحقوق المؤلف، مشيرا إلى أن هذا العدد الهائل من المؤسسات له أهميته، لكن يتعين أن تكون هناك التقائية وأن يكون هناك تنسيق بين مختلف هذه المؤسسات.
ودعا لطفي المريني إلى ضرورة تطوير الصناعات الثقافية والإبداعية بخصوصياتها المعروفة، من خلال تطوير سياسة الدعم التي أعطت نتائج مهمة ومفيدة في المجال السينمائي، وفي المجال السمعي البصري، حيث أن هذا الدعم مكن من الانتقال من إنتاج فيلم واحد إلى 30 فيلما في السنة، مبرزا أن تمويل هذه الصناعات الثقافية، يتم من خلال الضريبة على النسخة الخاصة، بالإضافة إلى ضرورة إحداث خط ائتمان مخصص للفنانين يمكن أن يساعد المنتجين والمروجين للمشاريع الثقافية والفنية على الاستثمار في هذا القطاع، مؤكدا على أن الصناعات الثقافية، التي تساهم في خلق قيمة مضافة، وفي خلق مناصب الشغل هي في حاجة إلى الدعم والحماية والمصاحبة.
من جانبه، أكد الأستاذ الجامعي والفاعل الأمازيغي الحسين بويعقوبي، على مركزية الأمازيغية كعنصر أساسي في الهوية الوطنية، معتبرا أن المسألة الأمازيغية عرفت نوعا من التأخر، منذ دستور 2011 إلى اليوم، ومعربا عن أسفه لهذا التأخر الذي دام تسع سنوات من أجل إخراج القانون التنظيمي رقم 16-26 الذي يحدد الطابع الرسمي للأمازيغية.
ودعا بويعقوبي إلى ضرورة إدماج الأمازيغية في جميع المقررات والمواد الدراسية، وفي مختلف الأسلاك التعليمية، وتدريس الموسيقى الأمازيغية في المعاهد والمدارس الموسيقية، مشيرا، في سياق متصل، إلى أن الأمازيغية وقعت ضحية ما وصفه بـ “الغيتو” بخصوص الجانب المتعلق بالإعلام، حيث تم اختزال الإعلام الأمازيغي في القناة الأمازيغية، داعيا إلى تطبيق مبدإ تخصيص 30 في المائة للإنتاج الأمازيغي في القنوات العمومية الأخرى، وذلك باحترام دفتر التحملات.
من جانب آخر، ركز الحسين بويعقوبي على الديناميات الثقافية، خاصة تلك المتعلقة بالكتاب والكتابة، مشيرا إلى أن هناك حوالي 600 كتاب باللغة الأمازيغية، لكن في المقابل، يضيف المتحدث، هناك تراجع في الإنتاج السينمائي خاصة في ظل إفلاس العديد من شركات الإنتاج وتزايد حدة مشكل توزيع الفيلم الأمازيغي في القاعات السينمائية، مشيرا إلى أنه، منذ سنة 2011، لم يعرض أي فيلم في القاعات السينمائية المغربية، داعيا الحكومة المقبلة إلى احترام الدستور والقانون التنظيمي من أجل تطوير المسالة الأمازيغية.
بدوره أكد الفنان والأستاذ الباحث مسعود بوحسين، على أن التاريخ الحديث للثقافة في المغرب، تم بناؤه انطلاقا من مبادرات شخصية، لكن مع حكومة التناوب أصبحت الدولة تهتم بالمسألة الثقافية وبالمشاكل الهيكلية التي يعرفها قطاع الثقافة، مشيرا إلى أنه لا معنى للحديث عن سياسة ثقافية في المغرب، مادامت الثقافة في بلادنا غير مهيكلة على المستوى الاقتصادي والقانوني.
ودعا مسعود بوحسين، إلى ضرورة تنطيم القطاع الثقافي على المستوى القانوني والتنظيمي والاقتصادي، وفي الوقت ذاته، تنظيم العلاقة بين المقاولة الفنية والعاملين في هذا المجال الثقافي، مؤكدا على ضرورة وجود مؤسسات متخصصة في هذا المجال لأن الثقافة لا تحتمل التدبير البيروقراطي، وأن على الفاعل السياسي أن يضع هيكلة القطاع الثقافي ضمن أولوياته.
وفي ختام الندوة، اقترح الحسين الشعبي التفكير في وضع مخطط خاص بالثقافة على شاكلة المخطط الأخضر الخاص بالفلاحة، وذلك لتكون السياسة العمومية في مجالي الثقافة والفنون ملزمة بالنتائج، خصوصا إذا تمكن هذا المخطط من تعبئة كل المتدخلين في إطار مقاربة عرضانية، ومن شأن ذلك تعبئة الموارد الضرورية لإنشاء المشاريع والاتفاق على أجندة للإنجاز والتقييم سنويا كما هو الشأن لقطاعات أخرى.. واقترح في هذا الباب تسمية العملية بـ “المخطط الأبيض” ويتم عقد مناظرة سنوية لتقييم الحصيلة واستشراف الآفاق على المدى القريب والمتوسط والبعيد، برئاسة جلالة الملك كما هو الأمر بالنسبة للمخطط الأخضر وما يشابهه من مخططات.
< محمد حجيوي