مقابل الاحتفاء الذي غمر مواقع التواصل الاجتماعي عقب الإعلان عن نتائج الباكالوريا، كشفت العديد من التدوينات، وأيضا شكايات الأسر وآباء وأولياء التلاميذ، عن تسجيل نتائج ضعيفة على صعيد المستويات الاشهادية الأخرى في التعليمين الإعدادي والثانوي، ولم تخف الأسر غضبها من رسوب أبنائها بسبب طريقة احتساب عتبة النجاح.
ليس الأمر مجرد تعبير عاطفي من الأسر تجاه فلذات أكبادها وسعيها لكي ينجح أبناؤها بأي طريقة، ولا يتعلق الأمر أيضا بترافع شعبوي، ولكن الظاهرة، مع ذلك، تحيل على اختلال جوهري لا بد من الانتباه إليه.
نسجل هنا أن أكاديمية التربية والتكوين بجهة مراكش مثلا فندت المعطيات التي تدوولت بشأنها، واعتبرت الأرقام مؤقتة وأن التدقيق لا زال جاريا، ونسجل أيضا أن الاكتفاء بالمطالبة بتخفيض عتبة النجاح فيه مزايدة واضحة، ولا يخدم مصلحة التلاميذ أنفسهم، ولكن، في نفس الوقت، يمثل ارتفاع عدد الراسبين أو الذين اتخذ في حقهم قرار الفصل عن الدراسة، تجليا لاختلال خطير يتصل بالمنظومة التربوية بشكل عام، ويعني أن هذه الأخيرة لم تنجح في تمكين التلاميذ من المعارف اللازمة التي تقتضيها المناهج الدراسية المعتمدة.
كما نلفت أن التأخر ، الذي وقع على مستوى التعليم الإعدادي، في الإخبار بالعتبة التي تقرر اعتمادها للنجاح، ساهم في بعض الارتباك، ونجم عن ذلك رسوب الكثيرين.
لا نضع هنا المسألة فقط ضمن إطار شكايات أسر التلاميذ، ولكن ضمن الحرص العام على تطبيق القانون، وعلى تأمين الحق في التعليم والتمدرس الإلزاميين إلى حدود 16 سنة.
إن فصل أعداد كبيرة من الفتيان والأطفال من أسلاك التعليم، الابتدائي والإعدادي والثانوي، ورميهم إلى الشارع، تبعا لقرارات مجالس الأقسام، وبسبب طريقة احتساب المعدلات أو غير ذلك، يضع سؤالا مصيريا خطيرا على المجتمع بكامله، ويجعل البلاد أمام الآلاف من أبنائها الصغار يعانقون الشارع والمصير المجهول.
هنا القضية ليست تقنية أو حسابية أو مجرد صياغة قرار إداري أعمى، ولكن الأمر يتعلق بفشل كل المقاربات البيداغوجية المعتمدة، وفشل سياسة الدعم التربوي، وفشل السياسة المتبعة في منح المتعلمين ما يلزمهم من كفايات ومهارات ومعارف تتيح لهم الانتقال إلى المستوى الموالي، وترتيبا على ما سبق، يجب مساءلة المنظومة القائمة أولا، والسعي لإبداع البدائل التي تسمح لهؤلاء الصغار بمعانقة الفرصة الثانية أو إيجاد حلول تلائم وضعياتهم، وبالتالي تفادي اللجوء مباشرة إلى مسطرة ميكانيكية بسيطة تقوم على الفصل والتشطيب من أسلاك التمدرس، ومن ثم، الزيادة في إغراق شوارعنا بالمنحرفين، والزيادة في أعداد الأميين وسط شبابنا وشعبنا.
لقد بذلت الأطقم التربوية والإدارية ومصالح التربية والتعليم جهودا جبارة فعلا لتأمين الموسم الدراسي ضمن ظرفية صحية ومجتمعية استثنائية وقاسية، ونجحت في انجاز المقررات والمهام، ولكن هذه الظرفية ذاتها عرت على المعضلات الأساسية التي تنخر بناءنا التربوي العام، وحددت الاختلالات الجوهرية التي يجب الإنكباب على معالجتها بسرعة، وأهم هذه الغايات التي يجب الحرص على تحقيقها اليوم، هي ضمان الحق في التعليم لأبناء وبنات المغاربة، وتوسيع قاعدة التمدرس ما أمكن، وبالتالي تفادي طرد تلاميذ صغار إلى الشارع، وبذل كل الجهد الممكن لتنمية مستوياتهم التعلمية والمعرفية.
<محتات الرقاص