عادت بعثة الفريق الوطني لكرة القدم إلى أرض الوطن سالمة، وفي ظروف جيدة، بعد أربع وعشرون ساعة عاشها أفرادها داخل فندق الإقامة، بالعاصمة كوناكري، في جو من الخوف والذعر وترقب المجهول، والاكتفاء بمتابعة آخر المستجدات، عبر ما ينشر من أخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وضع مؤسف حقيقة، لم يكن أبدا منتظرا ولا في الحسبان. ظروف عامة عاشها ويعيشها، هذا البلد الإفريقي الصديق، فرضت على أفراد البعثة المغربية الاختباء داخل غرف الفندق، وتتبع صوت إطلاق النار المندلع بالجوانب المحيطة من مقر الإقامة، وسرق نظرات عبر النوافذ، حيث تواجد أشخاص بلباس عسكري، يحملون رشاشات، على استعداد لإطلاق النار في أية لحظة.
قبل هذا المستجد المؤسف، كل الظروف كانت عادية، حيث تم وضع ترتيبات لإجراء المباراة ضد المنتخب المحلي، الأمور كانت تسير وقف ما هو مرتب لها. وكان أعضاء الكاف والفيفا وطاقم التحكيم، والتقنيون المكلفون بالنقل التلفزي، والصحفيون المغاربة والأجانب، في الموعد.. إلا أن أحداث غير عادية، جاءت لتعصف بكل شيء.
فالإعلان عن حدوث انقلاب عسكري خلال الساعات الأولى من صباح يوم الأحد، بعثر كل شيء، حيث تمت الإطاحة بالرئيس ألفا كوندي، مما غير كل المعطيات، وأدخل البلاد في حالة استثناء، بالإعلان عن اعتقال الرئيس، وإغلاق الحدود البرية والجوية، وحل الحكومة، وتعطيل المؤسسات، وتوقيف العمل بالدستور.
وضع مفاجئ يتطلب اتخاذ ترتيبات غير مسبوقة. أولا الحرص على أمن وسلامة أفراد البعثة. وثانيا، بحث طريقة الخروج من البلاد، وفي أسرع وقت ممكن، بدون التعرض لأي مكروه أو أذى .
أمام هذا الوضع الاستثنائي والطارئ، هناك عاملين أساسيين، أولا اختبار قوة وثقل الدولة المعنية بالوضعية، وثانيا طريقة ترتيب الخروج الآمن، خاصة وأن إدارات الأندية الأوروبية التي ينتمي لها اللاعبون، بدأت في البحث عن آخر أخبار الوضع بكوناكري، وحالة أفراد المنتخب المغربي، خاصة واللاعبين الذين ينتمون لها، وكان لابد من جواب واضح يصدر عن إدارة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.
وفي ظل هذا الوضع المعقد، كان هناك مجهود يبذل في صمت على المستوى الرسمي بالمغرب، أشرف عليه مباشرة جلالة الملك محمد السادس، حيث تم ربط اتصالات على أعلى مستوى، وبحث طريقة الخروج الآمن، وسط الفوضى التي كانت تعيشها مختلف شوراع العاصمة، خاصة الطريق المؤدية للمطار.
وكان الهدف من التدخل الملكي السامي الخروج الآمن، مع الحرص على عدم قضاء أعضاء البعثة الليلة بكوناكري، وهو هدف لم يكن بالأمر السهل تحقيقه، في ظل الأوضاع العامة المضطربة، وغياب الرؤية على المستوى الرسمي بهذه الدولة التي كانت تعتبر دائما من الدول الداعمة للمغرب والمساندة لقضاياه الوطنية العادلة.
وبالفعل، نجحت اتصالات المغرب الرسمي في مغادرة مقر الإقامة، والتوجه مباشرة نحو المطار، تحت حراسة مشددة لأفراد من الجيش الغيني، وفي الطريق المؤدية كان المواطنون الغينيون منتفضون يوجهون التحايا وعبارات التقدير للاعبي المنتخب المغربي.
تمام الساعة الواحد صباحا من اليوم الموالي، حطت طائرة تابعة للخطوط الجوية الملكية المغربية بمطار الرباط سلا قادمة من العاصمة الغينية، وعلى متنها بعثة المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم والوفد المرافق له وممثلي وسائل الإعلام.
كما شملت الرحلة أفراد طاقم التحكيم، وأعضاء الفيفا والكاف، ومندوبي المباراة، الذين تمكنوا من مغادرة البلاد على متن نفس الطائرة التي أقلت بعثة المنتخب المغربي، أي أن المبادرة الملكية ساهمت في خروج آمن لأفراد آخرين كان من الصعب ضمان مغادرتهم، أمام إغلاق الحدود البرية والجوية، وما ساعد على حل الأشكال في وقت سريع، وجود طائرة مغربية خاصة رهن الإشارة.
الخلاصة أن ثقل المغرب كدولة، ودرجة التقدير والاحترام غير العاديين التي يحظى بها جلالة الملك محمد السادس، وفعاليات الأطر المغربية في تنفيذ الإجراءات، وفي ظرف قياسي، عوامل ساهمت هي الأخرى في تحقيق العودة المبكرة إلى أرض الوطن.
درس بليغ يؤكد على حسن الرؤية وقيمة العمل الذي بذل خلال السنوات الأخيرة على صعيد القارة الإفريقية، وأهمية الاستثمار الناجح.. سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا، والأكثر من ذلك إنسانيا…
>محمد الروحلي