تبصم أعشاش طيور اللقالق الموجودة على الخصوص بالمدينة القديمة لفاس، على رمزية حضارية بارزة في تاريخ المدينة.
واستقرت طيور اللقالق بمدينة فاس منذ أزمنة طويلة، حيث فضلت بناء أعشاشها فوق الأبراج المرتفعة وفي الأماكن العالية التي تعجز الأيادي عن الوصول إليها، موثقة كل صغيرة وكبيرة من حياة المدينة ونهضتها العمرانية والإنسانية.
وبمجرد توسع مدينة فاس وتشييد أحياء جديدة عصرية بالمدينة الجديدة، فضلت أسراب من طيور اللقالق توقيف رحلة الهجرة الموسمية وبناء أعشاشها فوق أبراج هوائية وأعمدة كهربائية.
وحسب متتبعين لحركية الطيور، لوحظ تحول على مستوى هجرة طائر اللقلق الذي أصبح يتوالد ويتجول بالفضاء الجوي لمدينة فاس ويعيش دورة حياته كاملة بالمدينة وهوامشها مستفيدا من المأكل والمشرب المتوفر بكثرة.
ويعتبر عمر الويدادي، فاعل بيئي، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن استقرار طيور اللقلق شيء متداول وظاهرة عادية بمدينة فاس من قديم الزمان، حيث أن هنالك منزلا يسمى “دار اللقلق” بالمدينة العتيقة قرب ضريح مولاي ادريس.
ولاحظ الويدادي أن الطائر يتواجد فوق صوامع جوامع المدينة القديمة، وكذا بحي فاس الجديد فوق الأبراج العالية التي تحيط بالحي، ليشير إلى أن مطرح النفايات الموجود بطريق سيدي احرازم شكل عامل جذب لطيور اللقالق لما يوفره المكان من طعام وراحة قبل مواصلة الرحلة نحو الجنوب.
وحول علاقة ظاهرة التغيرات المناخية باستقرار وهجرة طيور اللقالق، أوضح الفاعل البيئي أن التغيرات المناخية التي يعرفها العالم في الوقت الحالي تعد سببا في تغير طرق عيش مجموعة من الطيور ومنها طيور اللقالق.
وقال الفاعل البيئي إن الأمر عائد إلى الهجرة المبكرة الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة وبالتالي الوصول المبكر إلى مناطق الهجرة، وعدم وجود الغذاء المناسب لهذه الطيور مما سيجعلها تلجأ إلى تغيير وجهتها وطرق عيشها ومكان استقرارها.
وفي ما يتعلق باستقرار طيور اللقالق بمدينة فاس، أشار الويدادي الى أنه شيء طبيعي أن يحدث خلل في التوازن الطبيعي نتيجة دخول كائن جديد، وهو ما سينتج عنه اختفاء كائنات وظهور كائنات أخرى من أجل الحصول على توازن بيئي جديد.
وأضاف أن مطرح النفايات سيعمل على توفير بيئة مناسبة لطائر اللقلق وجذب العديد منه، مما سيساهم في الحد الجزئي من الخلل في التوازن الطبيعي.
ووقفت العديد من الدراسات العلمية الحديثة على تهديد تغير المناخ المستمر على أنماط الهجرة ودورها الحيوي والمصيري في بقاء العديد من أصناف الطيور التي تعتمد في دورة حياتها على الهجرة.
وكشفت دراسات علمية أن الطيور المهاجرة تصل في فصل الصيف إلى مناطق تكاثرها في وقت مبكر، محذرة من العواقب الوخيمة لهذا التغير الذي يهدد حياة أصناف كبيرة من الطيور المهاجرة.
ويعيش بالمغرب طائر اللقلق المعروف بالتعبير الدارجي بـ”بلارج”، وهو طائر من الطيور الخواضة ذات الأرجل الطويلة التي تنتمي لفصيلة اللقلق، ولون ريشه أبيض تماما إلا نهاية أطراف أجنحته فهي سوداء بينما السيقان والمنقار فهما أحمرا اللون.
ويتميز طائر اللقلق بضخامته وطوله الذي يتراوح ما بين 100 سنتمتر و125، بينما طول جناحيه يمتد من 155 سنتمر إلى 200، ويزن ما بين 2,3 كلغ و4,5، وله سلالتان مختلفتين من ناحية الجسم، إحداهما توجد في شمال أوربا حتى فنلندا، والسلالة الأخرى توجد بشمال غرب افريقيا (الجزائر، تونس، المغرب)، وجنوب غرب آسيا (من شرق كازاخستان حتى الجنوب).
ويأمل الفاعلون البيئيون في زيادة انتشار ورفع الوعي البيئي بضرورة حماية طيور اللقالق وباقي الأصناف من الطيور التي تعتمد في دورة حياتها على الهجرة الموسمية من منطقة إلى أخرى، والعمل على إخراج مشاريع بيئية لحماية الطيور بمدينة فاس وباقي مدن المملكة.
طائر اللقلق يوطد ارتباطه التاريخي بمدينة فاس في مواجهة التغيرات المناخية
الوسوم